شراء وحدة سكنية في المجمعات الحديثة أصبح حلماً بعيد المنال، بالنسبة للموظف وأصحاب الدخول المحدودة، هكذا رد (أبو أحمد) على أسباب عدم امتلاكه وحدة سكنية، رغم أن عمره الوظيفي قارب على سن التقاعد.
أبو أحمد الذي يسكن في أحد أحياء شرقي بغداد، يقول إنه استأجر الدار التي يسكنها ببدل شهري 500 ألف دينار، وإنه يعاني من مشكلة الايجار منذ أكثر من عشرين عاماً، بسبب عدم قدرته على شراء منزل والحصول على شقة في المجمعات السكنية المشيدة حديثاً.
أبو أحمد واحد من بين ملايين المواطنين الذين يتقاسمون دخلهم الشهري مع المؤجر، بسبب عدم قدرتهم على امتلاك سكن لائق، في ظل أزمة السكن الخانقة التي تعاني منها البلاد.
مسببات
وتشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أن البلاد بحاجة إلى ما يقرب من الـ3 ملايين وحدة سكنية، في ظل النمو السكاني الذي يقدر بمليون نسمة سنوياً.
وفي حديثه يقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي: إن ارتفاع أسعار الوحدات السكنية يعود إلى سببين رئيسين، أولهما وجود أزمة في عدد الوحدات السكنية، وهذا يرتبط بنظرية العرض والطلب، وهو مسألة طبيعية في ظل الطلب المتزايد على العقارات، مشيراً إلى أن الوحدات السكنية التي تطرح في سوق السكن أقل كثيراً من
الحاجة.
وأضاف أن السبب الثاني هو أن أغلب المجمعات السكنية أنشئت على أراض هي أساساً ذات قيمة عالية كونها تقع في مراكز المدن وخاصة في بغداد، وبالتالي تكون تكلفة الوحدة السكنية فيها
عالية.
وأكد الهنداوي الحاجة إلى ما لا يقل عن مليونين و800 ألف وحدة سكنية لسد النقص في عدد الوحدات السكنية، وفي جميع المحافظات، تتصدرها بغداد التي تصل الحاجة فيها إلى أكثر من 800 ألف وحدة سكنية، وتشكل ما نسبته ثلث الحاجة الفعلية لعموم البلاد.
تحذيرات
مع استمرار أزمة السكن، تبرز الحاجة إلى معالجات سريعة لتدارك آثار الارتفاع المطرد في أسعار الوحدات السكنية.
وفي هذا الصدد يقول الخبير الاقتصادي مصطفى أكرم حنتوش، إن الارتفاع الجنوني في أسعار العقارات، قد يولد أزمات جديدة ويؤدي إلى حدوث مشكلات اقتصادية بسبب التضخم الناتج عن هذا الارتفاع والذي قد ينسحب على جوانب أخرى، مثل أسعار الذهب وانهيار العملة المحلية، ما لم يتم تدارك الأزمة سريعاً من خلال بناء مجمعات عمودية وتوزيع الأراضي السكنية بين المواطنين من أصحاب الدخل المحدود.
وأشار حنتوش إلى وجود فجـــوة كبيرة بين مدخولات الموظف وأسعار العقارات، التي وصلت في بعض المناطق إلى (5 – 7) ملايين دينار للمتر المربع، ويكون بذلك الموظف وذو الدخل المحدود، بحاجة إلى عشرات السنين لادخار وجمع مثل هذا المبلغ.
وحذر حنتوش من منح القروض للمشاريع العشوائية الباهظة الأسعار، وقال إن ذلك يؤدي إلى نتائج عكسية، وبدل ذلك يجب منح القروض للمشاريع السكنية الاقتصادية على غرار مجمع بسماية السكني، أو لبناء قطع الأراضي السكنية.
الفساد يفاقم الأزمة
الناشط في مجال مكافحة الفساد، سعيد ياسين، يشير إلى أن ارتفاع أسعار العقارات بدأ منذ العام 2006 صعوداً، لكن الأزمة تفاقمت بشكل كبير بعد وضع العراق على القائمة الرمادية في ملف غسل وتهريب الأموال قبل نحو ثلاثة أعوام، الأمر الذي تسبب بالتضييق على التحويلات المالية من قبل الولايات المتحدة واخضاع تحويل الأموال لمنصة الكترونية، مبيناً أن هذه الإجراءات دفعت أصحاب الأموال المجهولة المصدر، لمحاولة تبييضها وغسلها من خلال شراء العقارات، كما في قضية المتهمين في ملف سرقة الأمانات الضريبية.
وأوضح ياسين في حديثه أن حركة الأموال في شراء العقارات تتركز في المناطق الراقية، بمركز مدينة بغداد، الأمر الذي يتزامن مع وجود أزمة سكن حقيقية وغياب إدارة هذه الأزمة.
وأشار إلى أن عدم مراقبة ورصد وتدقيق الوظائف الأكثر عرضة للفساد هي من أسباب تضخم الأموال لدى عدد غير قليل من موظفي القطاع العام، لا سيما أعضاء اللجان التي لها علاقة بالعقود والمناقصات والمشتريات الحكومية، وكذلك لجان الإحالة واستلام المشاريع، واللجان الخاصة بالكشف في قطاعي الجمارك والضرائب، إضافة إلى المتورطين بعمليات الابتزاز والرشاوى والعمولات من بعض أصحاب النفوذ الإداري والسياسي والتابعين لهم.
ويضيف الناشط في مجال مكافحة الفساد، بقوله: كما فشلت هيئة الاستثمار الوطنية والمحلية في وضع خارطة إسكان، وقامت بمنح إجازات لا جدوى منها سوى خدمة أصحاب الدخول المالية العالية في مراكز المدن ومنها بغداد التي وصل فيها سعر الوحدة السكنية إلى (350 – 450) ألف دولار، الأمر الذي تسبب أيضاً بالضغط على البنى التحتية والخدمية لمراكز المدن القديمة، لخدمة الطبقة المترفة والتي تمثل نسبة محدودة من عموم المواطنين.
ويؤكد ياسين أهمية إيجاد آليات قانونية للسيطرة على التعاملات المالية، من خلال تفعيل التداول الالكتروني للعملة، وأتمتة المؤسسات ورصد تضخم الأموال لدى فئات محددة سواء من الموظفين أو غير الموظفين، منوهاً إلى أن العقارات تقف في مقدمة القطاعات في بيئة غسل الأموال، يليها الذهب والأحجار الكريمة الثمينة وأنواع محددة من السيارات الفارهة.
من أين لك هذا؟
تفعيل مبدأ “من أين لك هذا” وتأطيره بقانون، يسهم إلى حد كبير في معالجة جرائم غسل الأموال، وفقاً لما تحدث به الخبير القانوني أمير الدعمي.
ويشير الدعمي في حديثه إلى أن الدستور العراقي يكفل للفرد حرية السكن وشراء العقار في أي مدينة أو منطقة ضمن حدود العراق، وبذلك نكون بحاجة إلى متابعة حركة الأموال في شراء العقارات، ويتم ذلك من خلال تشريع قانون “من أين لك هذا” على أن يشمل الجميع بدءاً بأعلى سلطة في الهرم وإلى أبسط مواطن، مؤكداً أن هذا القانون من شأنه أن يحد من ظاهرة غسل الأموال والتضخم وغيرها من الجرائم المالية.
الدور التشريعي والرقابي
لجنة الاستثمار النيابية، وعلى لسان نائب رئيسها حسين السعبري، تؤكد أن الجزء الأكبر من مسؤولية أزمة السكن، تتحمله السلطة التنفيذية.
ويؤكد السعبري أن الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية تقع على عاتقها مسؤولية معالجة أزمة السكن، كون الأزمة تخضع في الدرجة الأساس لعملية العرض والطلب، موضحاً أن الارتفاع الكبير في أسعار العقارات يعود إلى قلة العرض، مقابل تزايد الطلب على الوحدات السكنية.
وعلى العكس من ذلك، يقول السعبري، في ما لو قامت الحكومة بتهيئة قطع الأراضي السكنية، وتوزيعها بين شرائح المجتمع، سيزداد معها العرض، ويقل الطلب، ويؤدي بالنتيجة إلى انخفاض الأسعار بشكل عام.
وكشف عن وجود خلل وشبهات فساد بأكثر من (18) مشروعاً سكنياً، تمت متابعتها من قبل اللجنة ورفعها إلى هيئة الاستثمار.
وفي الجانب الاخر – والحديث للسعبري- هناك الكثير من المشكلات التي تواجه المستثمر، في العديد من الدوائر ذات العلاقة، منها دوائر الزراعة والدوائر المالية والعقارات، والتي تتسبب هي الأخرى في عرقلة المشاريع السكنية، يضاف لها الفساد الذي يشوب عملية منح إجازات الاستثمار.
أما بالنسبة للمجمعات التي يسكنها الأغنياء والميسورون، فيؤكد السعبري أن لجنة الاستثمار قدمت طلبا إلى هيئة الاستثمار لإلزام المستثمر بالجدوى الاقتصادية التي يقدمها، وتحديد سعر الوحدة السكنية، إضافة إلى متابعة موضوع بيع الوحدات السكنية في هذه المجمعات بعقود وهمية، ويقوم المستفيد بشراء هذه الوحدات من المستفيد الثاني بسعر أعلى، وهذا يعد التفافاً على القانون، ووجهاً من أوجه الفساد، بحسب وصفه.