26 Jun
26Jun

 على ضفاف نهر ديالى الغربية وسط مدينة بعقوبة تعلو من بعيد قبة مرقد الشريف في دلالة على أشهر وأقدم مقابر ديالى على الإطلاق والتي يعود تاريخها إلى قرابة 800 سنة، لتبدأ مع الوقت رحلة تحولها إلى مقبرة كبيرة ومترامية لتدفن جثامين الآلاف من كل القوميات والأطياف لدرجة يندر أن تجد أسرة في المحافظة ليس لديها قريب يرقد في الشريف.
ويقول قائممقام قضاء بعقوبة عبدالله الحيالي، خلال حديث لـه، إن “الشريف أقدم مقابر ديالى على الإطلاق ويمتد تاريخ إنشائها إلى قرون، وهي تضم رفات شخصيات عراقية معروفة في كل المجالات؛ سياسية وأدبية وعلمية وإسلامية”.
ويضيف أن “مساحة المقبرة بدأت تضيق بالقبور لدرجة لم يعد بالإمكان إيجاد مساحات كافية لدفن المزيد من الموتى، لذا تم الشروع في الإجراءات لتخصيص 20 دونما قرب ناحية بهرز (10 كم جنوب بعقوبة) في منطقة برغة، لتكون بديلا عن الشريف لدفن جثامين الموتى”.
ويتابع الحيالي: “تم إبلاغ الأهالي بذلك، لكن اعتيادهم وتعلقهم بالمقبرة وما تشكله من مكانة روحية كبيرة تدفعهم للاستمرار بالدفن هناك، رغم دعواتنا المتكررة إلى الانتقال للمقبرة الجديدة”.
وتتباين الآراء حول عمر مقبرة الشريف بين 700-900 سنة وربما تصل إلى 1000 سنة وفق البعض، فالمقبرة التي تقع على مقربة من ضفاف نهر ديالى وسط بعقوبة تعد إحدى اقدم مقابر شرق العراق، وهي تشكل نقطة جذب في مواسم الأعياد لكل الطوائف التي تزور أحباءها ممن رحلوا عن الدنيا.
من جهته، يؤكد المؤرخ عبد الله حسيب، خلال حديث لـه، أن “المقبرة سميت بهذا الاسم تيمنا بضمها رفات الشيخ أبي عبد الله محمد بن علي بن عرفة البعقوبي الحسني، الشافعي الأشعري، (توفي 655 هـ/1257م) من أعلام التصوف العراقي وأعلام مدينة بعقوبة مركز محافظة ديالى العراقية في العصر العباسي الثاني ومن جملة مشايخ الشيخ عبدالقادر الجيلاني القطب الصوفي الكبير وهذا ما مدون في كتب التاريخ”.
ويضيف أن “قبره لا يزال شاخصا حتى الآن بعد إقامة مرقد كبير حوله وقبة باتت أيقونة على مستوى بعقوبة”، لافتا الى أن “المقبرة جمعت ضحايا 11 حربا على مدار قرون ابتداء بالحروب الإسلامية وصولا إلى العثمانية والبريطانية وحروب الشمال والثمانينيات والخليج الأولى والثانية وصولا إلى حرب الإرهاب والتي كانت الأثقل بنزيف الدماء لدرجة بانه لا تجد شارعا في المقبرة يخلو من شواهد شهداء سنوات الدم في ديالى”. في إشارة إلى الفترة الدامية بين 2006-2009 والتي كانت الاضطرابات الدامية على أشدها بسبب تنظيم القاعدة.
أما علوان حسن، وهو محام، فقد أشار إلى أن “36 شخصا من أهله وأقاربه مدفون بالشريف”، لافتا الى أن “أقدم قبر يعود لأحد أجداده الذي استشهد في مقاومة الإنجليز في ثورة 1920”.
ويضيف أن “التجاوزات على الأملاك العامة بعد 2003 بسبب ضعف الدولة وصلت الى مقبرة الشريف وتم اقتطاع الكثير من أراضيها وتقلصت بنسبة كبيرة، فمن يزور المقبرة يفهم ما أقوله لدرجة بانه تم بناء مجمع سكني عند مقترباتها وسط صمت الجهات الحكومية بكل عناوينها”.
ويلفت إلى أن “الانتقال إلى مقبرة أخرى صعب مع تعلق الأهالي روحيا بها لكن بالفعل المقبرة باتت تضيق وحان الوقت للانتقال إلى مقبرة أخرى”.
وتشير الوثائق الموجودة في وزارتي البلديات والتخطيط العراقية، إلى أن عدد المقابر الرسمية أو العشوائية المنتشرة في عموم البلاد ارتفع خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية ليبلغ نحو ألفي مقبرة، وكثير منها يتمركز حول المدن وعلى مداخلها خصوصا.
من جانبه، يذكر أبو عبد، (هكذا فضل ذكر اسمه) وهو متعهد دفن وصانع قبور، خلال حديث لـه، أن “مقبرة الشريف شاهد على فظاعة الحروب والفتن في ديالى، إذ تجد قبور أسر كاملة طحنتهم الحروب والفتن بشكل يعطي صورة مأساوية عما جرى في هذه الأرض”.
ويضيف أن “مقبرة الشريف جمعت الشيعي والسني والعربي والكردي والتركماني على أرض واحدة دون أي تفرقة”، لافتا إلى أنه يعمل في المقبرة منذ 19 سنة ومغادرتها أمر صعب، بل هو يأمل أن يكون مثواه الأخير في مقبرة الشريف.
وأقر بأن “مقبرة الشريف فقدت 35% من مساحتها على الأقل بعد 2003 بسبب التجاوزات التي تحولت إلى أزقة سكنية ومحال”، متخوفا من أن “يأتي يوم وتتحول مقبرة الشريف إلى مول تجاري أو قطع أراض لصفوة المجتمع من الساسة لأننا في بلد كل شيء جائز فيه للأسف”.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة