قلّل مراقبون من تأثير بيان "تنسيقية المقاومة"، الذي حمل تهديدا ووعيدا بعودة استهداف قوات الولايات المتحدة، ومنحه الحكومة مهلة لإنهاء الوجود الأمريكي في البلاد، وفيما أشاروا إلى أن هذا البيان لا يعدو كونه "تذكيرا" فقط بوجود تلك "التنسيقية"، رهنوا عودة العمليات المسلحة بحدوث خلاف بين الفصائل المسلحة ورئيس الحكومة، وهو ما استبعدوه في الوقت الحاضر بسبب مشاركتها في الحكومية.
ويقول المحلل السياسي غالب الدعمي، إن "قضية المقاومة أسدل عليها الستار، حيث انتهى هذا الموضوع والحكومة الحالية أصبحت بيد الجهات التي كانت ترفع شعارات المقاومة والتهديد والوعيد، لذلك العودة لاستهداف المصالح الأمريكية أصبح من الماضي".
ويضيف الدعمي، أن "الأمور الحالية، طالما تسير كما تريد بعض الأطراف السياسية والمسلحة، والتي أخذت حصتها في الحكومة الحالية من المناصب والأموال، فهذا يؤكد أنه لا عمليات عسكرية ضد أي هدف أمريكي"، مبينا أنه "في حال اختلاف الموازين وتراجع منافع بعض الأطراف السياسية أو المسلحة، فهنا يمكن إعادة عمليات استهداف المصالح الأمريكية سواء السفارة والقواعد وغيرها، لكن هذه العمليات لم تفعل أي شيء، وستكون مجرد صواريخ بهدف الضغط ليس إلا".
وكانت "تنسيقية المقاومة"، أصدرت أمس الأول السبت، بيانا أعلنت فيه: إدراكاً منها لخطورة المرحلة وضرورة تجاوزها، كان من ضمن إجراءاتها إيقاف العمليات العسكرية ضد التواجد العسكري الأمريكي داخل العراق، إلا أن ذلك يجب ألا يفهم منه القبول باستمرار هذا الوجود غير الشرعي وغير القانوني والمنتهك للدستور العراقي.. أن الهيئة التنسيقية للمقاومة العراقية وبناءً على الجهود التي تروم الحكومة العراقية القيام بها، فإنها تمنح فرصة أخيرة للحد من انتهاكات أمريكا، وليعلم الجميع أن لصبرنا حدودا، ولكل فعل رد فعل، وقد أعذر من أنذر.
حيثيات حرجة!
وتزامن بيان "التنسيقية"، مع خلافات بدأت تدب داخل جسد الإطار التنسيقي، وأبرزها بين ائتلاف دولة القانون وحركة عصائب أهل الحق، الأمر الذي أدى لانسحاب نائب عن كتلة صادقون النيابية المرتبطة بحركة عصائب أهل الحق، بعد أن انتقد زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي وحمله مسؤولية احتلال داعش لثلاث محافظات عراقية.
يشار إلى أن الإطار التنسيقي، عقد يوم أمس، اجتماعه الدوري بحضور رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس تحالف الفتح هادي العامري وزعيم حركة عصائب أهل الحق قيس الخزعلي وقادة الفصائل الآخرين، باستثناء المالكي، الذي كان حاضرا في أغلب الاجتماعات السابقة.
جدير بالذكر، أن رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، استقبل في 22 من الشهر الحالي، سفيرة الولايات المتحدة الأمريكية لدى العراق إلينا رومانسيكي، وبحث معها، وفقا لبيان مكتبه الرسمي، التعاون بين البلدين وبما يعزز أواصر العمل والتنسيق على الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية خدمة للمصالح المشتركة للشعبين الصديقين، وأشار المالكي في اللقاء إلى حاجة العراق لدخول الشركات الأجنبية لاسيما الأمريكية وفق ما أقرته اتفاقية الإطار الاستراتيجية المبرمة بين بغداد وواشنطن.
ومؤخرا، أثارت تحركات السفيرة الأمريكية في بغداد ألينا رومانسيكي، واجتماعاتها مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، والوزراء وزعماء الكتل السياسية، وخاصة قادة كتل الإطار التنسيقي، التساؤلات حول هذه التحركات، فقد كشف المتحدثون أن الإدارة الأمريكية سلمت ملف العراق للسفيرة دون تدخل وزارة الخارجية أو الرئيس الأمريكي بشكل مباشر، وذلك ما يضمن لها حرية التحرك ومرونة بإيصال الرسائل، فيما بينوا أن سبب هذه الخطوة هو وضع اشتراطات على السوداني تخص الفصائل المسلحة، وبعد أن يتم تنفيذها تعود العلاقة بشكل مباشر مع واشنطن ويتقنن دور السفيرة الحالي.
ما دور الخلافات؟
بالمقابل، يبين الخبير الأمني سرمد البياتي،أن "الفترة المقبلة، وحسب اعتقادنا لن تشهد إعادة عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق، خصوصاً أن تنسيقية المقاومة، قريبة حاليا من حكومة محمد شياع السوداني، لكن في حال وجود اختلاف بوجهات النظر بين التنسيقية والسوداني، قد يتجدد الاحتكاك ما بين بعض الفصائل والأمريكان".
ويلفت إلى أن "هناك مجالا كبيرا لحكومة محمد شياع السوداني من قبل تنسيقية المقاومة، وهذا المجال يتمثل بعدم عودة أي عمليات عسكرية من أجل عدم إحراج الحكومة وعدم التصعيد الأمني، لما له من تأثيرات على عمل وأداء الحكومة، لذلك يكون البيان من باب التهديد والتذكير فقط".
يذكر أن ملف إخراج القوات الأجنبية من العراق، كان من أبرز ما نادى به الإطار التنسيقي خلال الحكومة السابقة، واستخدمه ضدها، فيما اتخذت الحكومة الحالية المشكلة من قوى الإطار، الصمت تجاه هذا الملف، وهو ما ربطه محللون سياسيون حسب تقرير سابق، بهدنة أمريكية إيرانية، بالإضافة إلى عدم التأثير على حكومة السوداني.
ومنذ عامين، صعدت الفصائل المسلحة وقوى الإطار التنسيقي من مطالباتها بإخراج القوات الأمريكية من العراق، وضغطت بكل السبل لتحقيق هذا الأمر، وهذا إلى جانب ظهور فصائل بأسماء وهمية، تبنت كافة عمليات استهداف المصالح الأمريكية في العراق.
جدير بالذكر، أن استهداف المصالح الأمريكية عبر الطائرات المسيرة والصواريخ، كان حاضرا في ذروة الأزمة السياسية التي استمرت لأكثر من عام، حيث جرت استهدافات عدة ومن أبرزها ضد القاعدة العسكرية الأمريكية قرب مطار بغداد الدولي، وذلك في أيار مايو 2021.
إلى ذلك، يبين رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن "ما تسمى بتنسيقية المقاومة، هي جزء وامتداد للأجندة الإيرانية، والتي تعتبر نفسها في مواجهة مستمرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يؤكد أن ايران وحلفاءها هم في استمرار بالمواجهة المسلحة بمختلف أشكالها مع أمريكا".
ويستطرد أن "بيان التنسيقية حول موضوع الهدنة المؤقتة لمنح فرصة لحكومة السوداني، لا ينسجم مع السياسة العراقية الخارجية ومع سياسة الحكومات المتعاقبة، فالولايات المتحدة الأمريكية تتواجد في العراق ضمن إطار العلاقات الدبلوماسية التي تمت إعادتها بعد عام 2003، وضمن إطار اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين بغداد وواشنطن".
ويوضح أن "القوات الأمريكية المتواجدة في العراق ليست محتلة، بالتالي لا يوجد أي مبرر لقصف أي أهداف أمريكية، كما أن بيان ما تسمى بتنسيقية المقاومة، لا يتضمن سندا واقعيا، فالتهديد بعودة العمليات العسكرية على الأمريكان وقوات التحالف الدولي، هو شن هجوم على المؤسسات الدستورية العراقية، فهذه القوات تتواجد بعلم وموافقة تلك المؤسسات العراقية، والتهديد بعودة العمليات العسكرية ضد الأهداف الأمريكية، يمثل حالة انتهاك لسيادة العراق".
يذكر أنه منذ عملية اغتيال واشنطن لكل من قائد فيلق القدس قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، في 3 كانون الثاني 2020، صعدت الفصائل المسلحة من خطابها ضد الوجود الأمريكي وبرزت فصائل مسلحة بأسماء وهمية، تبنت أغلب عمليات الاستهداف التي بدأت بالعبوات الناسفة ضد أرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي والصواريخ ضد السفارة الأمريكية والقواعد الأخرى وخاصة في مطار بغداد، ومن ثم انتقلت إلى الطائرات المسيرة.
وقد أعدت تقارير سابقة إحصائيات بشأن الفصائل الوهمية التي تتبنى استهداف القوات الأمريكية، وعدد عملياتها عبر سلسلة تقارير، وكانت أبرزها في عام 2020، حيث جرى تشكيل 9 فصائل جديدة، تبنت تنفيذ 76 استهدافا.