ينتظر البرلمان وصول قانون حماية الملكية الفكرية الذي أتمّ مجلس الوزراء صياغته، من أجل قراءته قراءة أولى، وإذ شددت وزارة الثقافة على ضرورة سن القانون بوصفه خطوة مهمة لتثبيت الحقوق، دعت المبدعين لتسجيل نتاجاتهم واختراعاتهم لديها من أجل حمايتها بموجبه، لكن قانونيين وصحفيين أبدوا ترحيبا مشوبا بالقلق بسبب عدم إتاحة مسودة القانون ومشاركتها مع الجمهور.
ويقول المتحدّث الرسمي لوزارة الثقافة والسياحة والآثار، أحمد العلياوي، إن "الملكية الفكرية أحد الموضوعات ذات الأهمية القصوى في الإنتاج الثقافي والإبداعي في العالم، والعراق جزء من الدول التي تعمل على حفظ حقوق هذه الملكية الفكرية، فإن هناك مجموعة من الأنشطة والفعاليات الإبداعية التي يؤديها المبدعون والمفكرون عبر العالم وهناك اتفاقيات والتزامات بحفظ حقوق المؤلفين في مختلف القطاعات الإنتاجية والإبداعية".
ويضيف العلياوي، أن "هناك آلية لحفظ المنتج بكل صنوف المعرفة بوصفه ملكية فكرية عن طريق تسجيله تسجيلا رسميا وعلى وفق مجموعة من المعايير والشروط"، مؤكدا أن "وزارة الثقافة والسياحة والآثار تمتلك قسما يُعنى باستقبال طلبات جميع الراغبين بتسجيل أعمالهم بوصفها حقوقا فكرية وملكية وبشكل أصولي، ثم يصار إلى التسجيل بشكل قانوني، وهذا يمنح المؤلف حصانة وحقا في ما أنتج".
وفيما يحثّ "جميع المنتجين والمبدعين أن يسجلوا أعمالهم لتكون ملكا لهم في داخل وخارج البلد، لأن هذا الإجراء يتيح لهم مقاضاة أي جهة تستغل أعمالهم وتنسبها لنفسها من دون وجه حق"، لم يخف أن "الحراك في هذا المجال ليس بالمستوى المطلوب، نأمل أن يجد هذا الموضوع أثره في الساحة الثقافية والمعرفية، فدائما ما أحث على أن يصلوا إلى هذا القسم لأنه يحفظ لهم حقوقهم من الضياع، ولطالما سمعنا شكاوى عن وجود تعدٍ أو تجاوز أو سرقات طالت أعمال مبدعين".
ويأمل العلياوي، أن "يمضي تشريع هذا القانون مُصوّتاً عليه في مجلس النواب، لأنه خطوة مهمة في سياق تثبيت حقوق المبدعين والمفكرين العراقيين والفنانين وكل الطبقات التي تعمل وتنتج، فالقانون سيكون نافذة وإطارا مهماً لحفظ الملكية الفكرية، ونأمل أن نعزز مثل هذا الدور لأن لدينا منتجات معرضة للانتهاك والسرقة من دون قانون".
ويعتقد أن "القانون المزمع تشريعه يوفر الحماية المطلوبة والتفاصيل متروكة للنقاش في مجلس النواب، ونحن في وزارة الثقافة جزء من هذا الموضوع نقدم رؤيتنا وتجربتنا لاسيما مع وجود تحديات كبيرة في عالم السوشيال ميديا والتواصل الاجتماعي وشيوع النشر غير المراقب وهذا ما يجعلنا متعاونين لترصين التفاصيل القانونية التي من المؤمل أن تنتج حماية مطلوبة للملكية الفكرية".
وتعرف الملكية الفكرية على أنها إبداعات العقل الإنساني من اختراعات ومصنفات أدبية وفنية وتصاميم وشعارات وأسماء وصور مستخدمة في التجارة، وهي محمية قانونا بموجب حقوق منها مثلا البراءات وحق المؤلف والعلامات التجارية التي تمكّن الأشخاص من كسب الاعتراف بابتكارهم أو اختراعهم.
وكان مجلس الوزراء، في جلسته المنعقدة أمس الأول الثلاثاء، صوت على مشروع قانون حماية المُلكية الفكرية الذي دققه مجلس الدولة، ووجه بإحالته إلى مجلس النواب استناداً إلى أحكام الدستور، مع الأخذ بعين الاهتمام الملحوظات الواردة من الدائرة القانونية في الأمانة العامة لمجلس الوزراء.
من جانبه، يوضح الخبير القانوني عدنان الشريفي، أن "الملكية الفكرية لا تنحصر بالكتاب فهي تشمل المخترعين والمبتكرين والصناعيين والعلماء والفنانين وكل عمل إبداعي، ونحن بحاجة إلى تشريع هذا القانون بسبب ما نلاحظ من كثرة الاستيلاء والاقتباسات والتحريف على حقوق المبدعين".
ويضيف الشريفي، أن "العراق يمتلك قوانين متعددة في هذا الجانب كقانون حماية حق المؤلف رقم 3 لسنة 1971، وقانون العلامات التجارية الذي يحمي العلامة من التقليد، ويفترض بالقانون الجديد أن يجمع شتات هذه القوانين، خصوصا مع الانفجار التكنولوجي الذي نعيشه حالياً".
ويرى أن "الحكومات غالبا ما تقع في أخطاء عند صياغة القوانين، إذ يفترض أن تعرض مسودة القانون على جميع الشرائح المعنية كاتحاد الأدباء والصناعيين وغيرهم من الفئات المستهدفة كي يبدوا ملاحظاتهم، ولا يكتفوا برؤية مجموعة محددة"، معتقدا أن "الانطلاقة لم تكن موفقة، لاسيما أن العراق مقبل على الانضمام لمنظمة التجارة العالمية التي تهتم بالملكية الفكرية وضمان حقوق المخترعين".
ويشير الشريفي، إلى أن "القانون يفترض أن يتعرّض حتى لما ينشر في التواصل الاجتماعي باعتباره ملكية فكرية"، مرجحا أن "ينطوي القانون على عقوبات جزائية بحق المخالفين، تتناسب مع الآثار التي تتركها تلك المخالفات، فعلى سبيل المثال تكون آثار سرقات العلامات التجارية كبيرة على المنتج الأصلي بسب التقليد".
ويسعى العراق إلى تلبية متطلبات الانضمام كعضو لمنظمة التجارة العالمية، وسط تحديات كبيرة تتعلق بما يصفه مراقبون "تشوهات" هيكلية واقتصادية وتشريعية عرقلت عملية الحصول على العضوية بشكل رسمي. وكان قسم منظمة التجارة العالمية التابع لوزارة التجارة أكد إعداد الخطط اللازمة للانضمام إلى المنظمة، مشيرا إلى أن الوزارة عملت على إنجاز ملفات الانضمام الفنية على صعيد السلع والخدمات والملكية الفكرية.
من جانبه، يجد الصحفي مروان كاظم،أن "قانون حماية الملكية الفكرية يحتوي تفاصيل كثيرة، وما لم تتح مسوّدته أمام الرأي العام لا يمكن لأحد إبداء رأي فيه، فما الذي يعدّه ملكية فكرية وعلى أي معيار يعتمد في فرز الملكية العامة الشائعة عن الملكية الخاصة، لاسيما في ما يخص العمل الصحفي".
ويؤكد كاظم، أن "الكثير من وسائل الإعلام عند نشرها مواد إعلامية لا تشير إلى مصادرها وأصحابها، بل من الممكن أن تتجرأ وتنسبها لنفسها ومثل هذه المخالفات أو الجرائم تحدث العشرات منها يومياً"، لافتا إلى أن "الملكية الفكرية عنوان كبير يقدح الكثير من الأسئلة، فهناك أفكار مكتوبة تسرق وهناك أيضا أفكار محكية في جلسات نقاشية جانبية، يفترض أن يشملها القانون، لأنها أيضا تسرق وتقتبس".
ويتابع أن "القانون لا يمكن الحكم عليه حتى لو شرع، لأن المهم تطبيقه، فالكثير من القوانين موجودة لكنها مركونة على رفوف المكتبة التشريعية العراقية تنتظر التطبيق السليم".
وغالبا ما يشكو الصحفيون والنخب الثقافية في العراق من اتساع ظاهرة سرقة الملكية الفكرية دون تحرك حكومي للحد منها، ووسط فوضى الظروف الأمنية والسياسية، لم يقتصر التجاوز على الملكيات الفكرية بالإنتاجات الأدبية وحسب بل صار يتخذ أشكالا عدة من الانتهاكات في مختلف المجالات.