14 Mar
14Mar

تبعات سلبية كثيرة، ترافق الموازنة الأكبر بتاريخ البلاد، من وجهة نظر متخصصين بالاقتصاد، تبدأ بالتضخم والخشية من الوقوع بمأزق في حال انخفاض أسعار النفط، لاسيما وأن معظمها ذهب كنفقات تشغيلية بعد الزيادة الكبيرة بالتعيينات، فيما لم يذهب للاستثمار سوى الجزء اليسير، وبحسب المتخصصين فإن الاستثمار هو من سيعود بالمردود المادي للدولة، وأن وعود الحكومة لن تنفذ بهذا الجانب، لافتين إلى تجاوزها الحد المسموح به من العجز المالي المقر في قانون الإدارة المالية بأكثر من الضعف.

ويقول الباحث المختص في الشأن الاقتصادي نبيل جبار التميمي، خلال حديث لـه إن "ارتفاع سقف موازنة الدولة بشكل مفاجئ أمر غير صحيح، خصوصاً أن هذه الموازنة تمثل ما يقارب 50 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة هذه الموازنة بشكل كبير ومفاجئ وليس تدريجيا، سوف يعرض الناتج المحلي الإجمالي لارتفاع كبير ما يؤدي إلى حصول تضخّم بالأسعار".

ويبين التميمي، أن "هذا الإجراء غير مدروس، فمن الممكن خلال السنة المقبلة، أن يحدث انكماش، وهنا ستكون الأسعار مرتفعة ومنخفضة وغير مستقرة، وهذا بسبب الإنفاق الكبير، الذي من الممكن أن يؤدي إلى مشاكل اقتصادية كبيرة وخطيرة، ولهذا كان مفترضا أن لا تتعدى الموازنة الـ(150) تريليون دينار عراقي".

ويضيف أن "مؤسسات الدولة غير قادرة على إنفاق التخصيصات المخصصة لها ضمن الموازنة، فلا توجد إمكانية لهذا الإنفاق، بسبب عدم وجود وقت كافٍ، وكذلك التلكؤ الذي يحصل في الكثير من المشاريع بسبب البيروقراطية والروتين، إذ أن مؤسسات الدولة يمكنها صرف أقل من 40 بالمئة من المخصصات المالية لها".

ويخلص المختص في الشأن الاقتصادي إلى أن "عجز موازنة 2023، أكثر من 63 تريليون دينار، وهو كبير جداً، خصوصاً أن هناك محددات ضمن قانون الإدارة المالية بان لا يتجاوز العجز الـ(3%) من الناتج المحلي الإجمالي، أي بمعنى أن العجز لا يتجاوز الـ(15) تريليون دينار، فهذا الشرط قانوني، ولا نعرف كيف تجاوزته الحكومة".

وصوت مجلس الوزراء يوم أمس، بجلسة خاصة، على قانون موازنة العام الحالي بقيمة 200 تريليون دينار (151 مليار دولار) وأعوام 2045 و2025، وأرسلها لمجلس النواب لغرض إقرارها.

وكشف المتحدث باسم الحكومة باسم العوادي، أن العجز في موازنة العام الحالي بلغ 63 تريليون دينار، سيغطى من مجموعة مصادر منها المبلغ المدور في وزارة المالية، من حصة حوالات الخزينة في البنك المركزي، وسندات وقروض داخلية ومصادر أخرى، كما جرى اعتماد سعر برميل النفط الخام المصدر بـ70 دولارا.

ووفقا للعوادي فأن الإيرادات النفطية تبلغ 117.252 تريليون دينار فيما تبلغ الإيرادات غير نفطيـة 17.301 تريلیون دینار، كما أن إجمالـي النفقات المقترحـة 197.828 تريلیون دينار والمشاريـع الاستثماريـة 47،555 تريليون دينار.

كما ظهر رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بمؤتمر صحفي بعد ذلك، وأعلن أن الموازنة التي تم التصويت عليها سيجري تكرارها لثلاث سنوات، وبإمكان وزارتي المالية والتخطيط إجراء التعديلات وبموافقة مجلس النواب في حال وجود تغييرات بالأرقام أو أسعار النفط أو الكميات.

كما أشار السوداني، إلى أنه: تم تأمين الاستحقاقات لجميع العقود والمحاضرين والشهادات العليا في الموازنة، ووضعنا في الموازنة إجراءات عملية بينها زيادة مساحة الشمول في شبكة الحماية، ولأول مرة يتم إنشاء صندوق للمحافظات الأكثر فقراً، ودعم المحافظات المحررة وخصصنا مبلغ 500 مليار دينار لتأمين مشاريع الخدمات ودعم العوائل النازحة، إضافة إنشاء صندوق لدعم قضاء سنجار وسهل نينوى وخصصنا مبلغ 50 مليار دينار.

وتابع السوداني: ارتفاع الموازنة جاء بسبب تثبيت المحاضرين والعقود في كل الوزارات فضلاً عن المديونية، وهذا العام سيتم تسديد أكثر من 12 تريليون دينار من المديونية الداخلية والخارجية وواجبة الدفع، كما أن البترودولار سيكون ترليوني دينار يوزع بين المحافظات، وتنمية الأقاليم في الموازنة ستكون ترليوني دينار ونصف.

تضخم وإشكال
بالمقابل، توضح الباحثة في الشأن المالي والاقتصادي سلام سميسم، خلال حديث لـه أنه "عندما يتحول 75 بالمئة من الموازنة كموازنة تشغيلية و25 بالمئة منها للاستثمار، فهذا يعني أن هذا البلد كل ما يرد إليه من إيرادات تذهب للإنفاق دون أي مردود، فالاستثمار هو الشيء الوحيد الذي يعطي مردودا".

وتبين سميسم أن "الرواتب التي تدفع للموظفين في كافة مؤسسات الدولة، مقابل إنتاجية منخفضة، تجعل هؤلاء عبئا وكلفة، فالدولة تمنح نفقات أكثر مما يأتي من مردود، خصوصاً أن أي إنتاج مادي من هؤلاء الموظفين غير موجود، وهذا الأمر لوحده سيزيد من العجز، والعجز ليس في الموازنة فحسب إنما في الموازين الأخرى مثل زيادة الاستيراد ما يؤدي إلى عجز في الميزان التجاري، وحدوث تضخم إضافي في مفاصل الاقتصاد".

وتضيف أن "تخصيص ما يقارب 47 تريليون دينار كموازنة استثمارية، لا يمكن أن يفي بالوعود التي أطلقتها الحكومة العراقية الحالية، بخصوص المشاريع ودعم الاقتصاد وغيرها من الوعود، فهذا المبلغ ربما سيتم خلاله تنفيذ القليل من تلك الوعود، الموازنة خلت من الجوانب التنموية، ولن يتم تحقيق أي تنمية اقتصادية في ظل هذه الموازنة".

وتتابع الباحثة في الشأن المالي والاقتصادي أن "العمل على إقرار موازنات لثلاث سنوات مقبلة، فيه إشكال، فهناك مبدأ أساسي هو وحدة الموازنة، أي تكون كلها واحدة وسنوية أي بمعنى أن تعد الموازنة بشكل سنوي، والعمل على إقرار موازنة لأكثر من سنة يكون لبلد لديه إنتاج ثابت، لكن في بلد مثل العراق يعتمد فقط على النفط ومع عدم استقرار أسعاره في السوق العالمي، فأن هذه الخطوة غير منطقية وربما تكون لها تعبات في المستقبل".

يذكر أن السوداني، تضمن برنامجه الحكومي توجها لتطوير قطاعات الاستثمار والصناعة، فضلا عن تأكيده مؤخرا على ضرورة دعم القطاع الخاص، وهو ما أشار له بمؤتمره يوم أمس الخاصة بالموازنة.

يشار إلى أن أعلى موازنة في تاريخ البلد، كانت في عام 2012، خلال تولي نوري المالكي لدورته الحكومية الثانية، بواقع 118 مليار دولار، وعدت في حينها بـ"الموازنة الانفجارية".

يشار إلى أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولارا.

السيناريو القاتم
بدوره، يرى المختص في الشأن المالي عبد الرحمن المشهداني، خلال حديث لـه أن "العراق خلال العام الحالي قادر على تأمين المبلغ الكبير لأعلى موازنة بتاريخه مع أعلى عجز في الموازنة في تاريخه أيضا، وهذا بسبب استقرار أسعار النفط حالياً، وكذلك وجود وفرة مالية متوفرة من قانون الأمن الغذائي من العام الماضي وكذلك وفرة من فرق أسعار النفط خلال السنوات الماضية، ولهذا فأن العجز الحقيقي في الموازنة سيكون (20) تريليونا وستتم تغطيته من خلال الديون والقروض الداخلية أو الخارجية".

ويبين المشهداني أن "هناك مشكلة ومخاوف من السنوات المقبلة، خشية تعرض أسعار النفط في السوق العالمي لانخفاض أو انهيار كما حصل في السنوات الماضية، خصوصاً بعد أن أصبحت أكثر من 70% من الموازنة هي تشغيلية فقط وغلبها للرواتب، ولهذا هناك مخاوف من عدم توفير أموال الرواتب إذا ما انخفضت أسعار النفط".

ويضيف أن "الحكومة في حال لاقت أي أزمة مالية، فسوف تذهب إلى البنك المركزي العراقي، وتطلب منه مجدداً رفع سعر صرف الدولار لمواجهة هذه الأزمة أو القروض، والأمر بالحالتين ستكون له عواقب سلبية على الاقتصاد العراقي على مختلف الأصعدة".

يشار إلى أن الحكومة السابقة، توجهت إلى الاقتراض مرتين لدفع رواتب الموظفين خلال العام 2020، بسبب الأزمة المالية وانهيار أسعار النفط، قبل أن يتحقق فائض مالي نتيجة لارتفاع أسعار النفط من جهة، وتغيّر سعر صرف الدينار مقابل الدولار من جهة أخرى.

وكان رئيس مجموعة البنك الدولي ديفيد مالباس حذر في تشرين الأول أكتوبر الماضي، من أخطار التضخم وتباطؤ النمو الاقتصادي وانخفاض الإنتاجية واستنزاف إمدادات الطاقة العالمية وارتفاع أسعار الفائدة على البلدان النامية، متوقعا أن تستمر تلك الأخطار إلى ما بعد عام 2023. ورجح أن تسير الأمور في البلدان النامية من سيئ إلى أسوأ حتى لو استقرت أوضاع الاقتصادات المتقدمة، وشبه أخطار العالم النامي بـ"الانتكاسة".

وأظهرت بيانات البنك الدولي مؤشر التضخم مرتفعا جدا في العام المقبل، مقابل انخفاض مؤشر النمو الاقتصادي.

قانونيا
من جهته، يؤكد الخبير القانوني علي التميمي، خلال حديث لـه أن "دمج موازنات ثلاث سنوات أمر ممكن دستوريا وقانونيا بدلالة المادة 78 من الدستور والمادة 4 فقرة 2 من قانون الإدارة المالية والدين العام رقم 6 لسنة 2019، التي أجازت الدمج وهي متوسطة الأجل لثلاث سنوات قادمة وتكون السنة الأولى وجوبية التطبيق كما هي".

ويضيف التميمي أن "الموازنتين اللاحقتين قابلة للتعديل من البرلمان وحسب الظروف، وهو أمر يلائم فلسفة تشريع الموازنات التي هي خطة مالية مستقبلية والتي تحول دون تأخر التشريع ويمكن أن تقدر قيمة النفط وسعر الدولار وتحدد فيها التعيينات والوظائف بثبات تام يضمن تطبيقها ويمنع التغييرات".

يذكر أن قانون الإدارة المالية، ألزم بتمرير الموازنة في شهر تشرين الأول أكتوبر من العام الذي يسبق إقرار الموازنة له، وهو ما لم ينفذ طيلة السنوات الماضية، وغالباً ما تقر موازنة كل عام في منتصفه.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة