بدأ العدّ التنازلي لإقرار الموازنة العامة، وفق الموعد المحدد من قبل تحالف إدارة الدولة، لكن ورغم كل الحديث حول تخفيض قيمتها وقيمة العجز، إلا أن اللجنة المالية كشفت عن موافقة التحالف على تمريرها دون تعديلات، مع التوجه إلى زيادة الضرائب لسد جزء من العجز، وهو ما حذر منه متخصصون بالاقتصاد، حيث أكدوا أن فرض الضرائب على الوقود أو مواد أخرى، سيؤدي لرفع قيمة السلع، وبالتالي رفع نسبة التضخم.
ويقول عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، خلال حديث لـه، إن "القرار النهائي لائتلاف إدارة الدولة وهم من شكلوا الحكومة والمسيطرون على مجلس النواب، أنه لا تخفيض لمجمل الموازنة، وفي هذه الحال سيبقى العجز كما هو".
ويضيف كوجر، أن "من الممكن فرض جباية على المواطنين، خاصة وأن هذا الإجراء موجود في كل دول العالم، ففي أوروبا مثلا وصلت الضرائب بين 36 – 40 بالمئة، بينما الضرائب العراقية تصل إلى 5 بالمئة على بعض المشتقات النفطية، وهذا هو التوجه الحالي للحكومة، فالضرائب شيء طبيعي ومعمول به في كل دول العالم".
ويوضح، أن "المواطن لا يدفع واجباته الضريبية من كهرباء وماء وشوارع وغيرها، كما أن هذه الضرائب تفرض على من لديه الإمكانات الكافية، فمثلا الضرائب التي فرضت على البنزين فهي تخص أصحاب السيارات أي من لديهم الإمكانات الكافية لتأديتها".
وكانت النائب الثاني لرئيس اللجنة المالية إخلاص الدليمي، أكدت يوم أمس، أن اللجنة وصلت إلى رؤية مفادها بأنه من الصعب جداً تخفيض حجم الإنفاق فيها، إذ وجدنا إنفاقاً حقيقياً تحتاج إليه الدولة بسبب الالتزامات أو المبالغ المالية التي تحملتها بسبب ظروف استثنائية، من تظاهرات ومشكلات أخرى كبيرة، فضلاً عن أنَّ إطلاق التعيينات أضاف أعباء مالية كبيرة عليها، لكننا نحاول معالجة خلل العجز بتعظيم إيرادات الدولة ووضع نصوص تحقق جباية.
يشار إلى تحالف إدارة الدولة، قرر أن يكون يوم 17 من الشهر الحالي، موعدا أوليا للتصويت على الموازنة الثلاثية (3 سنوات)، وذلك في اجتماعه يوم 10 من الشهر الحالي، بحضور رئاستي الحكومة والبرلمان.
يذكر أن اللجنة المالية، استضافت خلال الأيام الماضية أغلب الوزراء، وناقشت معهم تخصيصات وزاراتهم، وخاصة الوزارات ذات التخصيصات المرتفعة.
وكان مجلس النواب، أنهى الشهر الماضي، القراءة الثانية لمشروع قانون الموازنة، ومناقشة تقرير اللجنة المالية بشأنها، وقد تضمن التقرير ملاحظات كثيرة وتفصيلية، وجداول تقارن بحجم النفقات بين موازنة 2021 و2023.
بدوره، يؤكد الباحث في الشأن الاقتصادي جليل اللامي، خلال حديث لـه أن "موضوع فرض ضرائب جديدة في الموازنة العامة يأتي من أجل تعظيم الإيرادات غير النفطية ورفع نسبة مساهمتها إلى 15 بالمئة، وهي خطوة قد تلجأ الحكومة العراقية لها".
ويضيف أن "هذا يعني تعميق معاناة المواطنين أكثر حيث سيحدث ارتفاع في تكلفة نقل الأشخاص والبضائع وارتفاع جديد في أسعار السلع والخدمات سواء المنتجة محليا أو المستوردة، وهو ما قد يؤدي إلى تجاوز نسبة التضخم السنوي المحددة بالموازنة والذي يفوق 5 بالمئة".
ومن جملة ما تضمنه تقرير اللجنة المالية، ارتفاع عدد الموظفين مقارنة بموازنة 2021، وفيه: ارتفاع أعداد الموظفين في وزارة التربية بنسبة 525 بالمئة، ليبلغ عدد القوى العاملة فيها أكثر 963 ألف شخص، ووزارة الصحة سجلت بدورها، ثاني أكبر ارتفاع بنسبة 320 بالمئة، ليبلغ عدد موظفيها أكثر من 488 ألف شخص، تلتها هيئة الحشد الشعبي التي ارتفع عدد منتسبيها من 122 ألفا إلى 238 ألف منتسب بزيادة بنسبة 95 بالمئة.
كما سجلت مخصصات بعض الوزارات، وفقا للتقرير، ارتفاعا متفاوتا، فوزارة النفط ارتفعت بواقع 60 بالمئة بتخصيص جديد قدره 6 تريليونات، فيما قفزت وزارة التخطيط بنسبة 720 بالمئة، من 500 مليار دينار إلى 4.1 تريليون دينار، وتخصيص وزارة الإعمار والإسكان ارتفع بنسبة 171 بالمئة، ووزارة النقل بنسبة 211 بالمئة، فيما ارتفع تخصيص وزارة الداخلية 230 بالمئة ووزارة الدفاع 67 بالمئة.
من جانبه، يرى الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي ملاذ الأمين، خلال حديث لـه أن "من حق الحكومة فرض ضرائب من أجل معادلة الموازنة المالية في البلاد، ففي كل دول العالم يفترض أن تستقطع الضرائب من المواطن في حالات معينة في البيع أو الشراء أو مقابل خدمات، لكن بعد أخذ الحكومة للضرائب في المقابل يجب أن تقوم بإنشاء بنى تحتية وإنشاء شوارع وخدمات".
ويضيف الأمين أن "النظام الضريبي الموجود في العراق لا يتخذ المسارات الصحيحة الموجودة في دول العالم، فهو غير مفروض على المواطنين بصورة عادلة ومتساوية، إذ تفرض من دون وجه حق على مواطنين دون غيرهم، مما شجع مجموعة من المضاربين القريبين من الدوائر التي تفرض الضرائب على العمل بالمعاملات المبطنة والقيام بالكثير من المسائل التي تضر بسمعة الضريبة".
ويسوق الأمين مثالا أن "الضريبة عندما تفرض على مصنع معين، يقوم صاحب المصنع بزيادة سعر المنتج الخاص به، والذي يدفع ثمن ذلك المواطن المشتري والمستهلك النهائي"، متمنيا على "الحكومة أن تأخذ بنظرها مراعاة الطبقات الفقيرة، ففرض الجباية أو الضريبة على المصانع أو المعامل يؤدي إلى زيادة سعر السوق بشكلٍ تلقائي لأن أصحاب المعامل همهم الأول هو الربح وعند فرض الضريبة عليهم يرفعون سعر المنتج".
ومن جهة أخرى، يشير إلى أن "العجز بالموازنة لم يتم الإعلان عنه ولا عن مقداره ولا عن مدة استمراره، ولكنه يؤثر بشكل كبير على قيمة النشاطات الاقتصادية، مما يؤدي إلى تخوف الكثير من الشركات الاستثمارية من التعامل مع العراق".
يذكر أن موازنة العام 2021، أقرت بتقدير سعر برميل النفط الواحد 45 دولارا، وقيمتها 129 تريليون دينار (نحو 88 مليار دولار)، فيما سجلت عجزا قدره 28 تريليونا (نحو 19 مليار دولار)، وفي حينها كان متوسط سعر برميل النفط عالميا نحو 64 دولارا.