28 Jul
28Jul

يضع حيدر الهلالي منشفة رطبة على رأسه تقيه من الحرارة، ويقف قرب قدر الطبخ، لينتظر اكتمال طبخ "القيمة النجفية" ثم يوزعها على الناس، بعدما جمع أموال طبخها طوال عام كامل، مع أخيه.

يومياً، وطيلة أيام شهري محرم وصفر، لا تخلو المناطق في بغداد، من عائلة تطبخ الطعام لتوزعه مجاناً على الناس، متحدية الظروف الاقتصادية، وارتفاع أسعار الدولار والمواد الغذائية.

الهلالي، تأثر وأسرته من ارتفاع سعر صرف الدولار، لكن هذا التأثر، لم يمنعهم من ممارسة طقوسهم التي اعتادوا عليها في كل يوم تاسع من شهر محرم، وهم يقفون لتوزيع "القيمة النجفية" على المواطنين.

ويقول الهلالي "لم ننقطع عن طبخ القيمة، ولم نقلل كميتها تحت أي ظرف اقتصادي، فما نجمعه كل سنة نزيد عليه ولا ننقصه، لكن ارتفاع الدولار، رفع أسعار المواد الغذائية".

وشهد سعر صرف الدولار ارتفاعاً غير مسبوق، فقد تجاوز الـ155 ألف دينار لكل مئة دولار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل عام، وخصوصاً المستوردة، وهي تشكّل هدفاً رئيسياً لأصحاب المواكب، لكي يطبخوا الطعام للزائرين والناس.

ويحيي المسلمون الشيعة في العراق والعالم، يوم العاشر من محرم، مع توافد مئات الآلاف من الزوار القادمين من داخل البلاد وخارجها إلى مدينة كربلاء حيث مرقد الإمام الحسين حفيد النبي محمد، والتي تحمل زيارتها رمزية كبرى في هذه الذكرى، التي تجسد مقتله في العاشر من شهر محرّم على يد جنود الخليفة الأموي يزيد بن معاوية، خلال معركة في كربلاء.

وشهدت المناسبة في العام الماضي، التي صادفت في شهر آب أغسطس، تراجعا ملحوظا بكميات الطعام التي وزعتها المواكب الحسينية، كما كشف تقرير ، بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية بعد الحرب الروسية- الأوكرانية.

دعم حكومي غائب
الشيخ صلاح الخزعلي، مسؤول هيئة المواكب الحسينية في جانب الرصافة، يشرح عن تحديات تواجهها المواكب الحسينية سنوياً، وخلال الزيارة الأربعينية، فيما يكشف عن انعدام الدعم لكل المواكب.

ويبين الخزعلي: "نسجَّل سنوياً، ما بين 250 إلى 300 موكب على مستوى الرصافة فقط، وتبدأ حدودها من جسر ديالى جنوبي بغداد، ولغاية نهاية منطقة الحسينية شمالا".

وعن عدد المواكب بشكل عام، يعطي الخزعلي إحصائية تقديرية: "من قطع منطقة الوند إلى كربلاء هناك 2800 موكب، ومن قطع الوند للإسكندرية هناك قرابة الألف موكب، ومن اللطيفية إلى حدود القناة هناك 850 موكباً".

ويوضح أن "ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب استغلال التجار وارتفاع الدولار، يضيّق على أصحاب المواكب، لكنه لن يمنعهم من طبخ وتوزيع الثواب، وبالكميات التي اعتادوا عليها، فهذا الأمر يمثل لهم تحدياً نفسياً داخليا".

وعبر "العالم الجديد"، دعا الخزعلي الحكومة إلى "تقديم الدعم إلى أصحاب المواكب، كأن يكون عبر الأموال أو توزيع كيس من الرز".

أزمة ثلج سنوياً!
ويتابع الخزعلي، أن "المواكب تعاني سنوياً وبسبب ارتفاع درجات الحرارة، من أزمة بالثلج، لأن المعامل معدودة في بغداد والمحافظات التي تمر عبرها الزيارة، ولا تستطيع أن تستوعب حجم الطلب، فنضطر لأن نهاتف أصحاب المعامل في صلاح الدين وغيرها من المحافظات لتزويدنا بالثلج، وهذه القضية يجب أن تلتفت إليها الحكومة أيضاً".

ويزور أكثر من 20 مليون شخص، محافظة كربلاء، سنويا لتأدية الزيارة الأربعينية، وهي ذكرى مرور 40 يوماً على مقتل الإمام الحسين، وعلى طول الطريق للمحافظة تُنصب المواكب لتقديم الخدمة إلى الزائرين، وكل ذلك يكون على حسابهم الشخصي.

وبين مدة وأخرى، تشهد السوق العراقية أزمة تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بدأت بتغيير سعر صرف الدولار ومن الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن ثم ارتفاع الدولار خلال العام الحالي إلى مستويات قياسية.

يشار إلى أن دول جوار العراق، تشهد تحديد أسعار المواد الغذائية، سواء المستوردة أو المحلية، من قبل الدولة، فيما يخضع القطاع الخاص إلى عقوبات صارمة وغرامات كبيرة جدا في حال أقدمت أي سلسلة متاجر على رفع الأسعار، حيث تخضع جميعها لضوابط أجهزة رسمية متخصصة ولا يمكن حدوث تلاعب بالأسعار، إلا في حالات الانهيار الاقتصادي أو حدوث اختلاف كبير بسعر صرف العملات مقابل الدولار.

زيادة من دون نقصان!
أبو علي الطباخ، صاحب محل لبيع المواد الغذائية، وتأجير أدوات الطبخ، يبين خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "أغلب الناس التي تطبخ بكميات كثيرة، يكونون أصحاب شركات كبرى، أو مجموعة تجار يشتركون فيما بينهم، لطبخ أكبر كمية ممكنة من القيمة".

ويضيف أبو علي، أن "الغالبية العظمى من الناس، تدّخر شهرياً مبلغاً من المال، حتى تطبخ الكمية المعتادة، فهناك مجموعة إخوان، يمتلكون سلسلة مطاعم لديهم صندوق ثابت، يودعون فيه شهرياً 300 دولار، غير مكترثين بما حققوا من ربح أو لم يحققوا، وفي السنة يجمعون 36 ألف دولار، وبها يطبخون الكمية التي يريدون".

وعن أيام كورونا، يوضح أبو علي، أن "بعض الناس تركوا طبخ الطعام وتوزيعه، ولجأوا إلى توزيع أكياس من المواد الغذائية على المحتاجين، إلا أن بعضاً من الذين يطبخون، أجلوا طبخهم إلى السنة التالية، وبها طبخوا أيضاً كمية جيدة من القيمة".

وعن صعود أسعار لحوم الغنم، التي تعد مادة أساسية لطبخ القيمة، يوضح أبو علي: "لما وصل سعر كيلو لحم الغنم إلى 20 ألف دينار، بدَّل الناس الغنم بلحم العجل، لأنه أرخص".

ويؤكد، أن "أسعار المواد الغذائية ارتفعت بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وهي ترتفع أيضا، مع وجود تجار يستغلون هذه المناسبة لتحقيق أرباح تساوي أرباح سنة كاملة في شهر محرم".

ويشير إلى أن "الناس لم تقلل طبخ الثواب منذ العام 2019 ولغاية اليوم، وكلها تزيد كمية الطبخ، فهناك رجل كان يطبخ سنوياً 15 كيساً من الرز و500 كغم من اللحم، إلا أنه في العام الحالي، زاد الكمية وأوصلها إلى 25 كيساً من الرز وطن واحد من اللحم".

ويشتهر شهر محرم، أو ما يسمّى شعبياً "عاشور" بشيوع أكلات تراثية ينتظرها أغلب العراقيين حتى من الطوائف والأديان الأخرى، وأشهر تلك الطبخات هي "القيمة"، التي تتكون من الحمص واللحم كمواد أساسية، إضافة إلى التوابل الخاصة بها وطريقة تحضيرها.

وعند التواصل مع أحد أصحاب محال المواد الغذائية في منطقة جميلة، اطلعت "العالم الجديد"، على أسعار المواد الغذائية، فوجدت زيادة حصلت منذ العام 2020، ولغاية ارتفاع أسعار صرف الدولار.

علي الساعدي، صاحب محل لبيع المواد الغذائية في منطقة جميلة يبين خلال حديث لـ"العالم الجديد": "منذ دخول داعش إلى العراق، أصبحت المادة التي سعرها ألف دينار أربعة آلاف، وبقيت مرتفعة، حتى نزلت تدريجياً ووصلت إلى 1500 دينار عام 2017".

ويوضح، أن "انقطاع الاستيراد يسهم بارتفاع أسعار المواد الغذائية، لأن الاعتماد على المحلي لا يحقق متطلبات السوق"، مبيناً، أن "كيس الرز (30 كغم) كان قبل فترة فيروس كورونا سعره 45 ألف دينار، لكن في فترة كورونا، ارتفع لأكثر من 68 ألف دينار، ومنذ ذلك الحين بقي مستقراً عند الـ55 ألف دينار".

ويؤكد، أن "ارتفاع الدولار يؤذي المواطن بشكل مباشر، والتاجر هو المستفيد، لأنه يشتري المئة دولار من البنك المركزي بـ132 ألفا ويبيع على سعر الـ155 ألفاً، وهو ما أثر على المواطنين بشكل عام، وليس وقت طبخ الثواب فقط".

ويشير إلى أن "الناس قللت الطبخ في فترة كورونا واتجهت لتوزيع المساعدات الغذائية، ولكنها عادت بعد سنة، غير مهتمة للدولار، فإن نسبة الناس الذين يشترون المواد الغذائية لأجل الطبخ، زاد من 60 بالمئة عام 2019، إلى 90 بالمئة، لأنهم يطبخون مهما كانت الظروف".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة