يقف حسين عبد الأئمة، صاحب موكب حسيني في حي الجهاد بجانب الكرخ من العاصمة بغداد، بالقرب من “موكبه” الذي اقتصر خلال شهر محرم من هذا العام على تقديم الماء والشاي والكعك، بعد أن كان عامرا بالأكلة الشهيرة التي ارتبطت ارتباطا وثيقا بهذا الشهر “القيمة” والرز طوال الأيام العشرة الأولى من محرم، نظرا لارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب صعود سعر صرف الدولار الأمريكي أمام الدينار العراقي.
ويحيي المسلمون الشيعة في العراق والعالم، يوم العاشر من محرم حيث يتوافد الملايين من الزوار من داخل البلاد وخارجها على مدينة كربلاء، التي تضم مرقد الإمام الحسين حفيد النبي محمد، وتحمل الزيارة رمزية كبرى في هذه الذكرى، التي تجسد معركة الطف الشهيرة.
ويقول عبد الأئمة (60 عاما)، خلال حديث لـه، إن “الطبخ أصبح قليلا منذ وباء كورونا ولغاية الآن بسبب ارتفاع سعر الدولار منذ أواخر العام 2020، وخلال شهر محرم الجاري لم أقم كما هو معتاد بالطبخ طوال الأيام العشرة الأولى من محرم، بل فقط يومي السابع والعاشر منه”.
ويضيف “أنا وأفراد عائلتي وأقاربي وبعد انتهاء مراسم عاشوراء نبدأ بجمع المال استعدادا للعام المقبل ورغم ما جمعناه من مال لكننا لم نجمع ما يكفي لتكاليف الطبخ طوال عشرة أيام”.
وشهد سعر صرف الدولار ارتفاعا منذ حلول شهر محرم الهجري من العام الحالي ليصل إلى 150 ألف دينار لكل 100 دولار، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية واللحوم بشكل عام.
ولا يقتصر تأثير ارتفاع اسعار المواد الغذائية على المواكب الحسينية الخاصة بالرجال، بل كذلك المجالس الحسينية النسوية هي الأخرى تأثرت بهذا الارتفاع، اذ خلت بعض البيوت من هذه المجالس التي كانت تقام سنويا بهذه المناسبة.
وتؤكد رويدا هادي جلاب (40 عاما) من منطقة السيدية في العاصمة بغداد، خلال حديث له ، أن “مجلس العزاء يقام سنويا في منزلنا خلال أيام شهر محرم، إلا أن الارتفاع الفاحش في أسعار المواد الغذائية دفعنا إلى عدم إقامة المجلس خلال الأعوام الأخيرة”.
وتبين أن “كلفة إقامة المجلس لمدة عشرة أيام والذي نقدم خلاله الشاي والمعجنات وشيئ من الفاكهة والماء تتجاوز المليون ونصف المليون دينار (بين 700 و 1000 دولار)، وهو مبلغ ليس بالقليل بالنسبة لنا، لذا وجدنا من الأفضل التبرع بهذا المبلغ إلى المؤسسات الدينية والخيرية”.
وشهدت الأسواق المحلية ارتفاعا ملحوظا في أسعار المواد الغذائية واللحوم بنوعيها الحمراء والبيضاء وذلك بالتزامن مع حلول شهر محرم.
وتشكل ظاهرة ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وخاصة اللحوم والفواكه والخضار، في شهر محرم قلقا لدى أصحاب المواكب الذين يقيمون الولائم ويقدمون الطعام في هذا الشهر للتبرك والثواب.
بدوره، يوضح حميد الحسني (42 عاما)، صاحب موكب في مدينة الصدر شرقي بغداد، خلال حديث لـه، أن “موكبنا يقوم على جمع التبرعات ولدينا صندوق ندخر به الأموال شهريا ولا نفتحه إلا في شهر محرم من أجل شراء المواد الغذائية والذبائح وإعداد الطعام خلال الأيام العشرة الأولى من الشهر الحرام”.
ويشير إلى أنه “كل عام ترتفع أسعار المواد الغذائية خلال شهر محرم، وهو ما يربك أوضاع أصحاب المواكب، فموكبنا كان يقدم ثلاث وجبات من الطعام يوميا قبل رفع سعر صرف الدولار في العام 2020، لكننا بعد ذلك اقتصرنا على تقديم الشاي فقط، وندخر ما لدينا من مال لإعداد الطعام في اليوم العاشر من المحرم لعدم القدرة على مجاراة ارتفاع الأسعار”.
ويطالب الحسني، الجهات المعنية بـ”مراقبة الأسعار في الأسواق واتخاذ الإجراءات المناسبة بحق المخالفين وإيجاد حلول جادة لمنع التلاعب بقوت المواطنين”.
وكانت وزارة التجارة قد أعلنت الثلاثاء الماضي، عن اتخاذ إجراءات عاجلة للحفاظ على استقرار الأسعار خلال شهر محرم، مؤكدة أن خلية الأزمة اتخذت إجراءات عاجلة للحفاظ على استقرار الأسعار، منها تعزيز مخازن المواد الغذائية التابعة للوزارة بالمواد الأساسية، وتأمين آلاف الأطنان منها في المنافذ التسويقية، إضافة إلى إطلاق حملة رقابية لمتابعة الأسعار بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية للحد من جشع بعض التجار المستغلين للوضع الحالي.
من جهته، يشرح عبد الباقي جابر (30 عاما)، صاحب محل للمواد الغذائية بمنطقة البياع في بغداد، خلال حديث لـه، أنه “منذ اليوم الأول من شهر محرم يهرع لنا أصحاب المواكب لشراء كميات كبيرة من الرز والدقيق والمواد الغذائية الأخرى بكميات كبيرة جدا”.
ويتابع “جميع المواد الغذائية في محلي نفدت، وحين أذهب لسوق الشورجة للتسوق وجدت أن هناك شح في تلك المواد مقابل الطلب المتزايد عليها والذي أدى بدوره إلى ارتفاع الأسعار”.
ويدعم خبراء الاقتصاد، آراء التجار وأصحاب محال المواد الغذائية في أن الطلب المتزايد على هذه المواد يؤدي إلى شح المعروض وارتفاع الأسعار.
وبهذا الصدد، يقول الخبير المالي مصطفى حنتوش، خلال حديث لـه، إن “الارتفاع الذي يحصل في بعض البضائع خلال المناسبات الدينية وخاصة في شهر محرم يخضع لقاعدة العرض والطلب، وعلى الحكومة توزيع السلات الغذائية قبل المناسبات لتفادي ارتفاع أسعار المواد الغذائية”.
ويضيف “الارتفاع في الأسعار حالياً هو نتيجة لزيادة الطلب على اللحوم والمواد الغذائية من قبل أصحاب المواكب، وهو ارتفاع مؤقت لا يشكل قلقا اقتصاديا لأنه سيزول بانخفاض الطلب على المواد الغذائية بعد انتهاء مناسبة عاشوراء”.
يشار إلى أن دول جوار العراق، تشهد تحديد أسعار المواد الغذائية، سواء المستوردة أو المحلية، من قبل الدولة، فيما يخضع القطاع الخاص إلى عقوبات صارمة وغرامات كبيرة جدا في حال أقدمت أي سلسلة متاجر على رفع الأسعار، حيث تخضع جميعها لضوابط أجهزة رسمية متخصصة ولا يمكن حدوث تلاعب بالأسعار، إلا في حالات الانهيار الاقتصادي أو حدوث اختلاف كبير بسعر صرف العملات مقابل الدولار.