14 Jun
14Jun

"لا وطن للمسنين"* في العراق، فعشرات القصص المأساوية تكشف هذه الحقيقة، سواء في دور الرعاية أو في الشوارع أو على أبواب المحاكم ومراكز الشرطة، أو في دهاليز البيوت، مع تغاضي الاهتمام الحكومي والإعلامي بهذه الشريحة التي تعدّ أيامها الأخيرة بعد أن أفنت عقودا عديدة في العراق وعايشت حروبا وأزمات لا تحصى.

وتمثل نعيمة، إحدى هذه القصص المأساوية التي تمثل صورة لواقع المسنين في العراق، فبعد ثمانين عاما قضتها في خدمة أولادها لم تلق في النهاية إلا حجرة صغيرة في الطابق الثاني لبيت ابنها البكر بعد بيعها بيت زوجها وتقسيم الحصص على الأولاد.

وتقول نعيمة إنها تلقت معاملة سيئة من زوجة ابنها، حتى أنها عانت من نقص التغذية، إضافة إلى عدم وجود خدمات صحية في الطابق الثاني، لذلك تضطر للنزول والصعود على سلّم، مع أن الطبيب منعها من ذلك.

"فضلت السكن في دار رعاية المسنين، هنا أشعر بالراحة أكثر، فقد أحسست بالثقل في بيت أبني"، تضيف نعيمة التي لم تكشف عن اسمها الكامل.

ويصادف يوم غد، الخامس عشر من حزيران يونيو، اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين وهو أحد أعياد الأمم المتحدة ومناسبة سنوية عالمية يتم إحياؤها لرفع نسبة الوعي بالمشاكل التي تواجه كبار السن، كالهرم وإساءة معاملة كبار السن.

وذكرت منظمة الصحة العالمية، العام الماضي، أن واحداً من كل ستة أشخاص في عمر الستين وما فوق، يتعرض كل عام لشكل من أشكال سوء المعاملة، وهو اتجاه من المتوقع أن يستمر مع زيادة الشيخوخة بين السكان بشكل متسارع في العديد من البلدان.

وفي العراق، لم يسلم المسنون من الاعتداءات الجسدية واللفظية والنفسية والجنسية، إذ سجلت المحاكم العراقية خلال عام ونصف؛ ورود 2622 شكوى تعنيف لكبار السن، وأكد مجلس القضاء الأعلى أن هذه الأرقام تخص الاعتداءات التي طالت المسنين من قبل أفراد العائلة فقط، وهي تخص عام 2021 والنصف الأول من عام 2022.
هذه الأرقام تمثل ما وصل إلى المحاكم فقط، فالكثير من المسنين في العراق يعانون من صعوبة التنقل وعدم معرفة إجراءات الشكوى، وكذلك يرزحون تحت الأمية والجهل، فمن المتوقع أن لا تصل هذه الأرقام إلى نصف العدد الحقيقي.

وتقول الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي، إن "المُسن يحتاج إلى عناية واهتمام خاص كونه يعيش أيامه الأخيرة في الحياة التي أفناها في خدمة أولاده أو خدمة بلده، فمن حقه العيش بكرامة ورفاهية، لكن للأسف أن العراق يشهد حالات مأساوية عديدة".

وتؤكد الفيلي أن "ما يؤسف حقاً، رؤية أولاد يرمون أبويهم في الشارع أو في دور المسنين، هذه الدور تحتوي قصصا مأساوية عديدة لرجال ونساء بعضهم متمكنون ماديا، يتم رميهم هناك من قبل أولادهم طمعا بالإرث أو للتخلص من خدمتهم، نحتاج إلى قوانين رادعة لمثل هؤلاء".

وترى أن "السبب في ذلك، قد يرجع إلى خلل في التربية والقيم الأخلاقية"، مشيرة إلى أن "التحضير لحسن معاملة المسنين تجربة تبدأ منذ الصغر، فإذا زرعت في الأولاد خيرا ستحصده في المستقبل، كما يجب تعليم الأبناء على احترام الجد، فالأب يعتبر قدوة لأولاده ينهلون منه القيم والسلوك، ويجب أن يكون هناك نشاط إعلامي توعوي كبير في هذا الشأن".

وبالإشارة إلى التطور الرقمي، توضح انه "مع الانفتاح التكنولوجي، صارت العائلة الواحدة مشتتة وكل فرد فيها غارق في بحر الأجهزة، والأواصر العائلية بدأت تضمحل إن لم تختف نهائيا، وزيارة الأحفاد للأجداد أيضاً قلت، لذلك فإن المسنين الآن أصبحوا في عزلة عن المجتمع بسبب التطور التكنولوجي".

وعن دور الدولة تجاه كبار السن، تؤكد أن "موافقة حكومية حصلت على إنشاء دار خاص بالمسنين بالتعاون مع الناشط هشام الذهبي"، غير أنها تنتقد "الجهات التنفيذية لأن هذه المبادرات يجب أن تكون حكومية وليست فردية فقط، إذ يجب على الدولة تخصيص بعض المشاريع الاستثمارية في هذا الجانب، لأن المسنين يستحقون العيش بكرامة وكذلك على الدولة الاهتمام بالجانب الصحي وتوفير العلاج بأسعار مناسبة لهم".

وأكدت دراسة نشرت في عام 2020 أن أعلى ثلاث نسب لكبار السن من السكان الذكور في العراق، بلغت 24.1 بالمئة في بغداد و8.4 في أربيل و8.1 في نينوى، أما أدنى ثلاث نسب فتمثلت في كل من المحافظات المثنى وميسان وكربلاء بنسب بلغت بالتتابع 2.1 و2.7 و2.8، نتيجة لسوء الأوضاع الصحية والمعيشية خاصة في المحافظات الجنوبية من العراق.

وبالنسبة للقوانين التي تعالج الاعتداءات على المسنين، يذكر الخبير القانوني عقيل عوكي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "القانون النافذ في العراق الذي يعالج هذه القضية هو قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 لكنه لم يعط خصوصية للمسنين أو لقضايا الاعتداء عليهم، إذ يساويهم مع باقي الفئات والطبقات، والشكاوى التي تصل إلى محاكم الأسرة والتي تتعلق بالعنف ضد كبار السن تتقيد بقانون العقوبات الذي يفرد بعض المواد لمعاقبة المتهمين وحسب جسامة الفعل".

ويرى عوكي أن "النصوص القانونية الحالية لا ترتقي لمستوى الطموح، ومن الممكن الضغط على الجهات التشريعية والحكومة المركزية لتعديل العقوبات وإضافة بعض الفقرات أو تشريع قانون جديد يعالج الأعداد المتزايدة لجرائم العنف الأسري".

ويؤشر الخبير القانوني أن "كثيراً من المسنين يتم رميهم في الشارع دون مأوى من قبل أبنائهم بلا أي حساب أو رادع قانوني مع أن البلد يفتقر لأبسط الخدمات التي تقدم للمسنين من دور رعاية أو إيواء، والنصوص القانونية الحالية لا ترتقي لمستوى حماية المسن ولا تقدم الدعم القانوني الذي من شأنه الحد من هذه الحالات".

يذكر أن قانون دور رعاية المسنين رقم 4 لسنة 1985 ينص على أن "دور رعاية المسنين تهدف إلى تقديم الخدمات الاجتماعية والصحية والنفسية والثقافية والترفيهية إلى المستفيدين لتمكينهم من التغلب على الآثار التي نجمت عن عجزهم وضمان حياة كريمة هادئة لهم خلال مدة بقائهم في هذه الدور".

وتضمن القانون أعلاه، كافة التفاصيل الدقيقة، وحتى أنه تضمن المستلزمات التي توزع لرعايا الدار، بدءا من الملابس الداخلية وأدوات النظافة الشخصية وحتى الفواكه وأنواعها وغيرها من الأمور اليومية.

وغالبا ما تنشر في وسائل التواصل الاجتماعي، العديد من الشكاوى والصور، حول الواقع السيء لدور رعاية المسنين وذوي الاحتياجات الخاصة، فغالبا ما تكون متسخة والأسرة متهالكة وتفتقر لأبسط مقومات الحياة اليومية.

* (لا وطن للمسنين No Country for Old Men) هو عنوان لفيلم أمريكي أنتج عام 2007 وحاز على الأوسكار بعد عام، مقتبس من رواية للكاتب كوباك مكارثي تحمل الاسم نفسه، استوحت "العالم الجديد" هذا العنوان للتضامن مع آلاف المسنين في العراق ممن يتم الاعتداء عليهم، بمناسبة اليوم العالمي للوعي ضد إساءة معاملة المسنين.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة