أسهم انتشار السلاح غير المرخّص والمنفلت بتزايد ظاهرة الصراعات والنزاعات العشائرية، وإضافة لتسبّبها بإزهاق أرواح الأبرياء وتشويه سمعة البلاد من ناحية هيبة الدولة في محيطيها الإقليمي والدولي، فقد وصلت هذه الظاهرة التي استفحلت خلال الفترة الماضية إلى تحوّلها لخلل خطير يهدّد السلم الأهلي والمجتمعي في العراق، ويعزو خبراء ومختصون أمنيون ذلك إلى الضعف في إنفاذ القانون من قبل المؤسستين العسكرية والأمنية في ردعها.
وقال الناطق باسم وزارة الداخلية، اللواء خالد المحنا، في تصريح : إنَّ "وزارة الداخلية بذلت جهوداً بمجال نزع الأسلحة غير المرخصة، كما أنَّ هناك لجنة عليا برئاسة وزير الداخلية تتولى إعداد الخطط والستراتيجيات بما يتعلق بنزع السلاح".
وبين أنَّ "خطة اللجنة تتمحور حول القيام بحملات دائمة، لاسيما في المناطق التي تشهد نزاعات، ويتم ضبط الأسلحة النارية غير المرخصة، وخلال الفترة الماضية استحوذنا على أكثر من 7 آلاف قطعة سلاح بين خفيف ومتوسط تم ضبطها ومصادرتها".
وأشار إلى الجهود الأخرى "التي تتمحور حول التوعية والتثقيف من قبل الأجهزة الخاصة كالشرطة المجتمعية ومديرية شؤون العشائر بشأن كثير من الظواهر الشاذة في المجتمع ومنها (الدكات العشائرية) والصراعات وحيازة الأسلحة الخطرة، إضافة إلى جهود مضنية أخرى في مجال منع توسّع موضوع حيازة الأسلحة، حيث جرى تقليل عمليات منح الإجازات للجهات المشمولة وفق ضوابط حيازة الأسلحة الخفيفة".
من جانبه أوضح الخبير الأمني الدكتور أحمد الشريفي،أنه "لا شك أنَّ هناك نوايا لاتخاذ حزمة من الإجراءات الرادعة للنزاعات العشائرية التي باتت تهدّد الأمن والسلم الأهلي، فضلاً عن تهديد هيبة الدولة باعتبار أنَّ ما يحدث من نزاعات يقع تحت نظر الإعلام العابر للحدود وهذا يعد إساءة للعراق في محيطه الإقليمي والدولي، على اعتبار أنَّ هناك نزاعات عشائرية ذات بعد اجتماعي وهذه تمس بسلامة موقف المجتمع العراقي تجاه توازناته الإقليمية والدولية وتهز هيبة الدولة".
وبشأن علاج هذه الظواهر الخطيرة، أكد أنَّ "العلاج لا يكون فقط في التشريعات والقوانين، كون القانون مقيداً بالتنفيذ، فإذا لم يكن لصانع القرار في السلطة التنفيذية قدرة إنفاذ القانون سيتعثر في تنفيذ القانون وإن شرّع"، وأشار إلى أنَّ "ما يؤسف له؛ أنَّ النزاعات العشائرية أخذت بعداً هدد السلم الأهلي وكان الرادع تشريع قانون عدّها إرهاباً وأصبح ضمن المادة 4/ إرهاب، ولكن إمكانية إنفاذ القانون من قبل الدولة شابها الضعف".
وأضاف، "نحن بحاجة إلى أن تكون المؤسسات الأمنية والعسكرية بعيدة عن التوازنات السياسية، لأنها تؤدي إلى خفض قدرة الردع الأمني والعسكري من قطعاتنا إزاءها بسبب المجاملة السياسية وبسبب ارتباط كثير من الشخصيات التي تدعي أنها شيوخ عشائر بجهات سياسية فتؤثر في إسكات المعالجة الأمنية والعسكرية".
وأشار الشريفي إلى أنه "في البعد القانوني يجب أن يصار إلى حملة إعلامية تضع هؤلاء المتنازعين أمام الاستحقاق الوطني، وأن تظهر لهم مدى الضرر الملحق بسببهم في المجتمع العراقي بسمعة وهيبة الدولة العراقية، وثم من بعد ذلك يجري توسيع صلاحيات المؤسستين الأمنية والعسكرية في الاشتباكات ومواجهتها إلى درجة استخدام القوة دون أن يتعرّضوا للمساءلة القانونية، فبالتالي هم ينفذون القانون".
وشدد على أنَّ "قوة وهيبة المؤسسة الأمنية والعسكرية تأتي من قوة وهيبة واستقلالية القرار السياسي، فإذا لم يكن القرار السياسي بعيداً عن المؤثرات الحزبية والمجاملات الاجتماعية آنذاك نستطيع أن نتحدث عن آليات ردع"، واختتم الخبير الأمني حديثه بالقول: "هناك قانون، لكنَّ هناك عجزاً في إنفاذ القانون، وهذا هو الخلل الذي يجعل من هذه الظاهرة تتفاقم إلى الحدِّ الخطير الذي وصلت إليه".