تشكل النفايات الإلكترونية في العراق واحدة من أبرز المخاطر التي تهدد صحة الإنسان والبيئة، في ظل انعدام مواقع الطمر الصحي وغياب طرق إعادة تدويرها بشكل صحيح، ما يضيف أزمة بيئية جديدة للبلاد، بعد التغير المناخي الذي تسبب بكارثة بيئية.
ويعاني العراق من قلة توفر مواقع طمر نفايات صحية ونظامية وفق المحددات البيئية، لاسيما وأن النفايات الاعتيادية التي تم رفعها خلال عام 2021 تجاوزت 17 مليون طن، وتم وضعها في 221 موقعا للطمر الصحي، منها 149 موقعا غير خاضعة للمحددات البيئية.
ويقول عضو مرصد العراق الأخضر البيئي، عمر عبد اللطيف، خلال حديث لـه، إن "النفايات الإلكترونية أصبحت تضاهي النفايات الصلبة والسائلة التي تشكل تلوثا للبيئة، خاصة وأنها تحتوي على المعادن والبلاستك، ولا يمكن أن تتحلل في مدة سريعة".
ويضيف عبداللطيف، أن "كمية تلك النفايات تزداد بشكل مستمر، خصوصا وأن المواطن العراقي أصبح يستخدم أجهزة كثيرة ويستبدل أغلبها بشكل مستمر، وبالتالي فإن رمي تلك الأجهزة دون الاهتمام بمصيرها أو إخضاعها للتدوير، سيؤدي لمشاكل كبيرة"، مبينا أن "كمية النفايات الإلكترونية في العراق تقدر بـ4 ملايين طن، وتركها في التربة أو في العراء يشكل خطرا كبيرا، لذا يجب التخلص منها عبر إعادة التدوير".
يشار إلى أن المرصد، سبق وأن أصدر بيانا أكد فيه أن كمية النفايات الإلكترونية التي يتم إتلافها سنويا، تصل إلى نحو 50 مليون طن في جميع أنحاء العالم، والعراق يعد من البلدان التي تفتقد لمعامل متخصصة في تدوير النفايات ومنها الإلكترونيات.
وكانت منظمة الصحة العالمية، أصدرت في تشرين الأول أكتوبر الماضي، بيانا حول مخاطر النفايات الإلكترونية بيّنت فيه أنها "نفايات خطرة لأنها تحتوي على مواد سامة أو يمكن أن تطلق مواد كيميائية سامة عند معالجتها بشكل غير مناسب، ويُشتبه، بأن الكثير من هذه المواد السامة تسبّب ضرراً على صحة الإنسان، وقد أُدرج العديد منها في قائمة المواد الكيميائية العشر التي تثير قلقاً في مجال الصحة العامة، بما في ذلك الديوكسينات والرصاص والزئبق".
إلى ذلك، يؤكد الأكاديمي المتخصص بالجغرافية البيئية عباس المرياني، خلال حديث لـه، أن "المتغيرات المناخية التي يشهدها العراق وسط هذا النوع من النفايات، تشكل خطرا واضحا على الواقع البيئي".
ويردف المرياني، أن "الخطر الأكبر هو أن هناك من يحاول التخلص من النفايات عبر الحرق، وهذا بحد ذاته تلوثا للهواء يضاف إلى طبيعة المواد التي تحملها النفايات المحترقة، لذا يتطلب الأمر إجراء حكومي فاعل مع توعية المواطن بخطورتها".
يذكر أن بعض الدول عمدت مؤخرا إلى إعادة تدوير هذه النفايات الإلكترونية للاستفادة منها، فيما اتجهت بعض الشركات إلى حيل أخرى للتخلص منها عبر التبرع بها إلى دول فقيرة تفاديا للكلف المالية التي يتم دفعها للتخلص منها.
وكان مدير قسم مراقبة وتقييم الأنشطة الصناعية والخدمية في مديرية البيئة الحضرية في وزارة البيئة جليل حسين، قد أقر في تصريح صحفي سابق، بمواجهة العديد من المشاكل البيئية التي تمثل تحدياً خلال المرحلة الراهنة، وأن هناك ضرورة لاتخاذ الاجراءات والتدابير اللازمة لمواجهتها والحد من تاثيراتها منها تلوث المصادر المائية مع قلة الاطلاقات والجفاف وشح الامطار وتراكم المخلفات الخطرة.
وأعلنت وزارة البيئة، في العام الماضي، عن توجه حكومي لتشريع قانون جديد لمعالجة المخلفات الصلبة، لإنتاج الطاقة الكهربائية واستثمار غاز الميثان، فيما أشارت إلى أن أمانة بغداد كان لديها في العام 2006 مشروع لتدوير النفايات، لكن لم يحصل على الموافقة بسبب وجود مقترحات لإنشاء مجمعات سكنية، وبالتالي فإنه سيؤثر على صحة المواطن، كما بينت آنذاك، أن كل شخص يخلّف يوميا من 1 إلى 1.25 كغم من المخلفات في عموم العراق، وفي محافظة بغداد يوميا تنتج ما بين 8 إلى 10 آلاف طن من المخلفات، 40 بالمئة منها نفايات عضوية أي بقايا الطعام.
يشار إلى أن دراسة أجرتها الباحثة رسل علي عبد الواحد، حول النفايات الإلكترونية، ونشرت في موقع كلية الهندسة، أكدت فيها أن السوق المحلية في العراق بدأت تغزوها الاجهزة الإلكترونية المستعملة والجديدة ذات المناشئ الرديئة ومع تزايدها ونتيجة مناشئها الرديئة يعرضها للاستهلاك المبكر، لتتحول إلى نفايات، في الوقت الذي لا يمتلك المواطن العراقي الخبرة الكافية للتعامل مع هذه النفايات، بالتالي تكون عملية التخلص منها صعبة وتشكل خطرا على صحته وبيئته، ما يتطلب دورا من الحكومة بمنع دخول الإلكترونيات من مناشء رديئة، لتجنب سرعة تحولها إلى نفايات، مع توعية المواطن بطرق معالجتها.
وتعد ظاهرة حرق النفايات من الظواهر المنتشرة بكثرة في بغداد والمحافظات الأخرى، ودائما ما ترتفع غمامة سوداء تغطي سماء المنطقة مع رائحة كريهة، تستمر لساعات طوال، نتيجة لحرق النفايات.
وتعاني العاصمة بغداد من عدم وجود مواقع طمر نفايات نظامية، حيث كشف معاون مدير دائرة المخلفات الصلبة والبيئة في أمانة بغداد أحمد عبد الإله، في وقت سابق، عن وجود ثلاث شركات إحداها تركية قدمت طلبات للاستثمار في مشروع تدوير النفايات وإنتاج الطاقة الكهربائية، فيما بين أن هناك مفاوضات مع وزارة الكهرباء لشراء الطاقة الكهربائية الناتجة عن المشروع، لكن البدء بهذا المشروع يحتاج إلى تشريعات قانونية تزيل العقبات من أمامه.