كشفت تصريحات وزير الخارجية التركي، بشأن بقاء قوات بلاده في العراق وعدم خروجها، عن "ضعف" الدولة العراقية أمام الجارة الشمالية بحسب مراقبين، وفيما عزا البعض ذلك "الضعف" إلى المحاصصة وتشظي مواقف القوى الداعمة والرافضة لهذا الوجود العسكري، ألقى آخرون مسؤولية ذلك على عاتق الحكومة السابقة التي وافقت عليه، في حين، اكتفى "الإطار التنسيقي" الراعي للحكومة الحالية، بحصر مقاومته في السبل الدلبوماسية.
ويقول المحلل السياسي خالد المعيني، خلال حديث لـه إن "السياسة الخارجية للبلد، هي انعكاس لفلسفة الدولة، وفلسفة الدولة في العراق هي المحاصصة، بالتالي ليس هناك مركز قرار واحد لإدارة ملف السياسة الخارجية في العراق ما جعل الدول الاخرى تطمع بالتجاوز على سيادته، لأن هناك اكثر من موقف يمثل البلد".
ويضيف المعيني، أن "من الامثلة، هو ما يخص جانب الأحزاب الكردية، إذ أن هنالك موقفين، الأول مرتمٍ بأحضان تركيا والموقف الثاني مرتمٍ بأحضان إيران، وبالتالي الأتراك أو الإيرانيين يراهنون على تشتت الموقف او السيادة العراقية، ومن هنا يأتي الضعف العراقي"، متابعا أن "عملية مغادرة القوات الأجنبية ليست رهينة لطرف واحد في العراق، بمعنى أنه عندما يوجد طرف معين يرى أن التواجد التركي غير مشروع، في المقابل يوجد طرف آخر يرحب بالتواجد التركي ويقدم له التسهيلات، وهذا هو ما تراهن عليه دول الجوار".
ويلفت إلى أنه "من الناحية القانونية فالموضوع برمته مرتبط بتواجد حزب العمال الكردستاني في العراق، وهذا التواجد أيضا لا يحظى بموقف موحد من القوى العراقية، فهناك أيضا من يعتقد أن تواجدهم غير شرعي وإرهابي ويهدد تركيا وهناك من يعتقد أن تواجدهم شرعي".
ويستطرد، أن "الحكومة العراقية ستكتفي بالتصريحات الدبلوماسية الخفيفة برفض هذا الوجود دون أي إجراءات جدية، فالموضوع متعلق بالكرد بالدرجة الأساس، خاصة وأن قسما من الأحزاب الكردية مرحب بالتواجد التركي والحكومة المركزية غير قادرة على فرض أجندتها على إقليم كردستان، ولذلك سيتم الاكتفاء بالتصريحات وليس أكثر".
وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، كشف يوم أمس، أن: انسحابنا من شمال العراق وشمال سوريا يعني توقف عملياتنا العسكرية ضد الإرهاب واقتراب الإرهابيين من حدودنا وهذا يشكل تهديدا لأمننا القومي، أي أن التنظيمات الإرهابية ستملأ الفراغ الذي سيحدث في حال انسحبت القوات التركية من شمال سوريا، لذا فأن القوات التركية لن تنسحب من العراق وسوريا.
ومنذ مطلع العالم 2021، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.
وكان قضاء سنجار هو الهدف التركي المعلن، حيث يعتبر معقلا لعناصر حزب العمال الكردستاني، وهو ما دفع بالفصائل المسلحة العراقية لإرسال ألوية عسكرية إلى القضاء، وتمركزت فيه لصد أي عملية تركية محتملة داخل القضاء الذي يقع جنوب غربي نينوى، ويعد موطنا لتواجد أبناء المكون الإيزيدي في العراق، والذي تعرض إلى إبادة على يد تنظيم داعش في آب أغسطس 2014، حيث اختطف التنظيم آلاف النساء والأطفال، فضلا عن قتل آلاف آخرين، ومؤخرا تم الاعتراف بما تعرض له المكون كـ"إبادة جماعية"، في العديد من بلدان العالم.
ونفذت القوات التركية، عمليات اغتيال مطلع شهر آذار مارس الماضي، طالت قادة إيزديين في الفوج 80 المرتبط بالحشد الشعبي، وذلك بعد اغتيال آمر الفوج بير جكو واثنين من مرافقيه، باستهداف عجلتهم في سنجار.
وسلطت تقارير سابقة الضوء على العمليات التركية الأخيرة، وفيه أكد متخصصون بالقانون والأمن أن ما أقدمت عليه تركيا يعد خرقا للاتفاقية الموقعة بين بغداد وأنقرة في ثمانينيات القرن الماضي، والتي لا تسمح بتنفيذ مثل هذه العمليات، وأشاروا إلى أنه من حق العراق الرد العسكري نظرا لتصنيف ما جرى بـ"العدوان".
إلى ذلك، يبين القيادي في ائتلاف دولة القانون وائل الركابي، خلال حديث لـه، أن "تصريح وزير الخارجية التركي بشأن بقاء قوات بلاده في العراق وعدم خروجها، غير مقبول، خاصة وأن وجود هذه القوات لم يتم باتفاق مع العراق، فلو كان هناك اتفاق لجرى الإعلان من قبل الحكومتين العراقية والتركية".
ويؤكد أنه "لغاية الآن لم يصدر أي موقف رسمي من الحكومة العراقية بشأن بقاء القوات التركية في الأراضي العراقية، لكن سيكون هناك رد دبلوماسي"، مبينا أن "مثل هذه التصريحات التركية لا تجابه بتصريحات نارية وإنما بالدبلوماسية، وهو الطريق الذي تؤمن به الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني".
ويشير الركابي، إلى أن "المرحلة الحالية تشهد العديد من الاجتماعات بين دول الجوار، وخاصة تركيا وسوريا وإيران، وهناك تحرك على الصعيد الدولي يخص تواجد القوات التركية في الأراضي العراقية والسورية، لذا ربما تصريح وزير الخارجية التركي يتعلق بهذه التوافقات والمباحثات الجارية، التي تهدف لإنهاء القلق التركي الذي تدعيه، بشأن المناطق الشمالية للعراق وسوريا".
وحول اللجوء للخيار العسكري مع تركيا لإخراج قواتها من العراق، يوضح الركابي: "العراق غير مستعد للدخول بحالة حرب، ولذلك لابد أن يكون في القضية شيء من التعقل، رغم اعترافنا بأن الوجود التركي خطأ ومرفوض من قبل الجميع ويعتبر انتهاكا لسيادة البلد، لكن ليس من المعقول أن يكون الرد منطويا على حماقة الدخول بحرب وبعيدا عن التفاهم، لذلك نرى أن الدبلوماسية ليست عيبا، بل حكيمة إذا انتهت بإخراج القوات الأجنبية".
وكشفت معلومات في تقرير سابق، أن رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي أبلغ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال لقائهما، بعجزه عن تنفيذ اتفاق بغداد– أربيل للسيطرة على سنجار وطرد عناصر حزب العمال الكردستاني منها، ومنح الضوء الأخضر لأردوغان بالدخول الى سنجار، تحت مظلة تحالف الناتو، تحسبا لردود أفعال سلبية من قبل الفصائل المسلحة، في حال دخول تركيا بمفردها لسنجار، وذلك بحسب مصادر دبلوماسية كانت حاضرة للقاء الذي جرى في أنقرة، وتخللته مأدبة فاخرة على أنغام الطرب العراقي التراثي.
وفي تموز يوليو 2022، قصفت القوات التركية مصيفا سياحيا في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما تسبب بإصابة ومقتل 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.
وتقدم العراق بشكوى لدى مجلس الأمن الدولي بشأن القصف التركي، وعقد المجلس جلسة في 26 تموز يوليو الماضي، وفيها أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الأدلة من موقع الاعتداء على مصيف دهوك، تضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة، هي ذاتها التي يستخدمها الجيش التركي، وأن هناك حالة من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب إلى الشمال بسبب الاعتداء التركي.
من جانبه، يرى المحلل السياسي محمود الحسيني، خلال حديث لـه، أن "وجود القوات التركية في العراق، يعود للحكومة السابقة برئاسة مصطفى الكاظمي، حيث أعطى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في حينها ثلاثة خيارات للكاظمي لمواجهة حزب العمال الكردستاني، وأبرزها دخول هذه القوات، وهو ما حظي بموافقة الحكومة السابقة".
ويؤكد الحسيني، أن "التصريحات التركية الجديدة، تشير بوضوح إلى وجود ضعف لدى العراق بالتعامل مع تركيا، لذا أصبح لزاما أن يستخدم العراق بعض أوراق القوى للضغط على تركيا"، مستطردا أن "تعامل تركيا مع العراق لم يتوقف عند هذه القوات، بل ملف المياه والنفط أيضا، وكل هذه الملفات تتعامل معها بمنطق القوة لأنها لم تجد طرق رادعة من العراق".
يشار إلى أن تقرير مفصل ناقش مسألة امتناع العراق عن اللجوء إلى مقاطعة تركيا اقتصاديا، ووفقا لخبراء بالشأن الاقتصادي فإنهم عزوا الأمر إلى جملة أسباب، من بينها أن القطاع الخاص يقود الجانب الأكبر من التبادل التجاري مع تركيا، لكنهم مع ذلك أكدوا أن الورقة الاقتصادية ستكون ضاغطا فاعلا لو استخدمت باحتراف.
يذكر أن البرلمان التركي صوت في 26 تشرين الأول أكتوبر الماضي، على تمديد وجود القوات العسكرية التركية لعامين آخرين في العراق وسوريا، وفوض الحكومة بإرسال المزيد من القوات.
يشار إلى أن رئيس الوزراء التركي السابق بن علي يلدرم، أقر في العام 2018، بوجود 11 قاعدة عسكرية، قائلا "قمنا بإنشاء 11 قاعدة عسكرية وضاعفنا عدد جنودنا وقواتنا في تلك القواعد لمطاردة مقاتلي حزب العمال الكردستاني قبل التوغل إلى حدودنا".
وتنتشر القواعد التركية في مناطق: بامرني، شيلادزي، باتوفان، كاني ماسي، كيريبز، سنكي، سيري، كوبكي، كومري، كوخي سبي، سري زير، وادي زاخو والعمادية.