17 Jun
17Jun

تركت مواسم الجفاف والسياسات المائية التي اتخذتها دول الجوار، العراق على حافة التصحّر، وعلى الرغم من الإنذارات التي يطلقها خبراء البيئة، إلا أن المسؤولين الحكوميين لم يبالوا، فمعظم من تسلموا إدارة الملفات البيئية لم يكونوا متخصصين، ولا يملكون إمكانية إدارتها، وفقا لخبراء.

وينذر الخبراء بموسم "كارثي"، إن كان الشتاء المقبل شحيحا بالمطر، محذرين من اكتمال "السد القاتل" في تركيا، وغياب أي تحرك حقيقي لمعالجة ملف المياه والتصحر، فيما طرح أحدهم حلا لمشكلة المياه باستخدام الآبار الارتوازية.

ويصادف اليوم السبت، السابع عشر من حزيران يونيو، اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف WDCDD وهو يوم عالمي من أيام الأمم المتحدة يهدف لتعزيز الوعي بالتصحر والجفاف، كونهما من أكبر التحديات البيئية.

ويقول الخبير الزراعي والبيئي عادل المختار، أن "اليوم العالمي لمكافحة التصحر هو مناسبة للتوقف حول أزمة التصحر التي يمر بها العراق، خصوصا مع برودة المبادرات التي تطلق سنويا كمبادرة الخمسة ملايين شجرة التي أطلقتها الحكومة وغيرها، والتي لا تعدو عن كونها مبادرات إعلامية فقط، ليس لها أي تنفيذ على أرض الواقع".

زمن الوفرة
ويضيف المختار، أن "المعنيين بهذا الملف يجب أن يلتفتوا إلى مسألة مهمة وهي كيفية إدارة ملف المياه، فالعراق حتى في ظل هذا الوقت الحرج مازال يتعامل مع الري كأنه في زمن الوفرة، غير مبال بالتغييرات المناخية والجفاف، وفي أكثر من مرة ذكرت أن الوضع سيكون كارثيا فيما لو كان الشتاء المقبل جافا أيضاً ولم يكن كافيا من ناحية الأمطار، إذ سيكون الزحف الصحراوي مضاعفا".

وعن إدارة السياسة الدولية بملف المياه، يتابع، أن "جميع الدول متخوفة من مواسم الجفاف والتغير المناخي، وقد حضّرت لهذا مسبقا بإنشاء السدود والخزانات، وبالمقابل فإن العراق أهمل هذا الملف، ولم يستغل حتى الإطلاقات التي تمنح له، إذ يبددها بالزراعة وطرق الري التقليدي الذي يناسب زمن الوفرة، فإيران عندما أصبح لديها فائض أطلقت نهر الكارون نحو العراق، لكنه لم يستغل تلك الإطلاقات"، محذرا من "سد جديد تبنيه تركيا وهو سد الجزرة الذي يقع على دجلة بين سد إليسو والحدود العراقية، وهذا السد أسميه السد القاتل ففي حال اكتماله، سيحد من الإطلاقات نحو العراق كثيرا".

وكانت إيران قد غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما أدى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.

كما أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.

أزمة عالمية
بدوره، يفيد الخبير البيئي إياد عبد المحسن، بأن "وزارات الصحة أو البيئة أو التربية والتعليم العالي وهي الوزارات المعنية بهذا الملف، لا يتوفر فيها مختصون حقيقيون لإدارة ملف التصحر لأن هذه الظاهرة تحتاج إلى خبراء حقيقيين يحملون خلفيات علمية عن هذا الموضوع، إذ أن نسبة عالية ممن يدخلون إلى مجال البيئة بعد 2003 هم غير مختصين لاسيما أن الموضوع تطبيقي يحتاج إلى مختصين أكفاء وعمليين ومعرفة شاملة بالمواقع البيئية العراقية".

ويؤكد عبد المحسن، أن "أزمة الجفاف دولية تحسست خطورتها كل دول العالم، بسبب تراكمات احتراق الوقود الأحفوري للفحم ومن ثم البترول في القرون السابقة وتراكم ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان، الذي بدأت آثاره تظهر وأدت إلى الاحتباس الحراري وتمثلت بانصهار الجليد وظهور مناطق تصحر والصراعات الدولية على المياه".

نهران مريضان
ويشير، إلى أن "العراق بحاجة إلى تخطيط كامل ودراسة شاملة للمواقع البيئية لتنفيذ حملة كبيرة لمواجهة التصحر والجفاف، على أن تستخدم التكنولوجيا الحديثة في تقنيات الري لإدارة المياه بترشيد"، لافتا إلى ضرورة "إدارة الملف المائي بشكل صحيح، فحرب المياه موجودة في كل دول العالم، وهناك أنهر جفت وأنهر بقيت حية، وأنهر مريضة، والوصف الأخير هو ما ينطبق على دجلة والفرات".

ويتابع، أن "إيران قطعت 42 مصدرا مائيا تمتد من ميسان وديالى والكوت بعضها تصب في دجلة، وبالنسبة للفرات فإن ما يدخلنا عند مدينة القائم هو 40 بالمئة فقط، وجزء من الصراع الموجود في شمال سوريا على المياه".

ويرى عبد المحسن، أن "العراق ليس بلدا صحراويا، فعندما نقسم النظم الأرضية إلى غابات وأقاليم حشائش وصحارى وغيرها، يظهر العراق في التقسيم العالمي كإقليم حشائش أو براري وسهوب، حتى أن الكمأ يظهر في البوادي التي يضمها وهذا دليل آخر، لأن الصحراء لا تمتلك إمكانية توليد هذا الفطر، على الرغم من وجود كثب رملية متحركة ظهرت بسبب مواسم الجفاف وتنحصر في قضاء بيجي وقضاء الفهود في الناصرية".

جدير بالذكر، أن بغداد، شهد عقد مؤتمر المياه الثالث في 6 أيار مايو الماضي، بحضور تركيا وإيران، وخلال المؤتمر أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في عام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة الى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات إلى البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجاناً لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.

تصحّر مصطنع
وبحثا في الأسباب، يذهب الخبير البيئي، إلى أن "التغيّر المناخي وعدم سقوط الأمطار لمواسم متعددة بسبب الاحتباس الحراري سبب جفافا متكررا، وأحدث تصحرا لأنه ليس هناك غطاء نباتي، وما موجود من عشب ذهب ضحية الرعي الجائر، إذ أصبح سطح التربة خاليا من النباتات وتآكل بسبب الرياح والظروف الخارجية، وأصبح مهباً للعواصف الرملية، ولا يمكن إنكار أن الحرب مع تنظيم داعش غربي العراق، عطلت الزراعة هناك وتركت مساحات من الأراضي عرضة للاحتباس الحراري وعوامل التعرية، وهذا ما أسميه تصحرا مصطنعا، لكن هناك إمكانية لإنهائه بإعادة استخدام الأرض استخداما صحيحاً وفق آليات ري حديثة".

ويبدو الحديث عن استخدام الأراضي وإعادة زراعتها أشبه بالمستحيل مع أزمة المياه الحالية، غير أن الخبير يقترح حلاً آخر، ويؤكد أن "العراق يملك أكبر احتياطي للمياه الجوفية في المنطقة، وأنا لا أقصد بها المياه التي تستخرج من عمق 15 متراً، فالأخيرة أسميها مياها أرضية، التي تحوي نسبة من الملوحة"، لافتا إلى أن "المياه الجوفية هي مياه الآبار الارتوازية التي تستخرج من عمق 200 متر بآلات مخصصة لذلك، وهي مياه عذبة قد تخرج دون الحاجة إلى مضخات أو باستخدامها".

لكنه يتهم "أيدي خفية" بالوقوف وراء عدم اعتماد حل الآبار الارتوازية، بهدف تدمير الزراعة في العراق، كما يقول موضحا، "فالفلاح العراقي ممنوع من التفكير بهذه الآبار منذ العهد الملكي والوجود البريطاني الذي فرض سياسات الزراعة، بحجة أن هذه المياه احتياطي للأجيال اللاحقة تستخدم في أوقات حرجة، ونحن الآن نحتاجها أكثر من أي وقت آخر".

ويشير إلى أن "هذه المياه لو تم استغلالها، ينبغي بالبداية ببرنامج عاجل، يبدأ من فحص ذرات التربة التي تحملها العواصف الغبارية وتحديد أماكنها لزراعتها بنباتات عشبية، على أن يتم استلهام تجارب الصين التي حولت الصحارى إلى واحات خضر ومنتجعات سياحية".

وتمنع الحكومة حفر الآبار الارتوازية، إذ تضع وزارة الموارد المائية محددات وقوانين تحديد مواقع ومواصفات وأعماق هذه الآبار وتوزيعاتها، وفي عام 2021 أصدرت وزارة الموارد المائية قراراً مفاجئاً بإيقاف منح إجازات حفر الآبار الارتوازية في الأنبار.

وكانت وزارة الزراعة، أعلنت في عام 2020، عن حاجة العراق إلى أكثر من 14 مليار شجرة لإحياء المناطق التي تعاني من التصحر، بالإضافة الى إطلاقها مشروعا يرتكز على توزيع الشجيرات إلى البلديات في بغداد والمحافظات ومنظمات المجتمع المدني مجاناً لزراعتها داخل المدن وحولها لتدعيم الحزام الأخضر لمنع زحف الصحراء نحو المدن.

من جانبه، يؤكد الخبير البيئي حمزة رمضان، أن "الحكومة تتحدث عن دراسة استراتيجية لمكافحة التصحر مصممة من قبل خبراء إيطاليين وأردنيين، ولكن يبدو أن رائحة الفساد غير بعيدة عنها، فالدراسة لا تمت إلى الاستراتيجية بصلة ولم تخرج على ضوء التغير المناخي، وليست لدى أحد الجرأة على كشف هذا، حتى وزير البيئة نفسه على الرغم من خبرته بهذا المجال".

وعن أزمة المياه، ينذر رمضان بـ"أوضاع كارثية إذا لم تتحرك الحكومة إلى بمفاوضات حقيقية واتفاقيات ملزمة، وعدم الاكتفاء بالمحادثات فقط"، متوقعا أن "الصيف المقبل في الوضع الحالي سيشهد صراعات أهلية بين الفلاحين على المياه، كما يحدث في سوريا الآن".

وشدد على أن "كل المبادرات هي عبارة عن كلام إعلامي لا أكثر، فيجب عند الحديث عن زراعة أو حزام أخضر الإعلان عن الخطة وكم تستهلك من المياه وتحديد المساحة الطولية والعرضية والبدء بنقل الآلاف من خريجي الزراعة حتى لو كان على سبيل التعاقد والمباشرة في العمل، وليس إطلاق الحملات على الفيسبوك والإعلام".

وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة