يستعد المجتمع المدني لمنازلة جديدة مع مجلس النواب الساعي لتشريع قانون حرية التعبير والتظاهر السلمي برغم الجدل الذي صاحب إعداد مسودته الأولى في 2011 واستمر حتى الآن، ففي الوقت الذي دافع نواب عن ضرورة تشريعه لتنظيم وضع التظاهرات في البلاد، اتهمه آخرون بتقييد الحريات ومخالفة الدستور والمواثيق الدولية، وطالبوا بفصل القانونين وتأجيل التشريع.
ويقول عضو اللجنة القانونية البرلمانية عارف الحمامي، خلال حديث لـه، إن "هناك توجها نيابيا مدعوما بالأغلبية النيابية لتشريع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، وهذا القانون لا يهدف إلى تكميم الأفواه كما يروج البعض لذلك، بهدف إثارة الرأي العام".
ويضيف الحمامي، وهو نائب عن الإطار التنسيقي ممثلا لائتلاف دولة القانون، أن "مجلس النواب قرأ القراءة الأولى للقانون في شهر أيار (مايو) الماضي، وتم أخذ ملاحظات النواب والكتل عليه، إضافة إلى عقد اجتماعات مختلفة مع منظمات المجتمع المدني المختلفة، والأخذ بالكثير من ملاحظاتها ومقترحاتها".
ويتابع أن "مجلس النواب لم ينهِ المسودة النهائية للقانون، لكن مع عودة المجلس للعمل بعد انتهاء زيارة الأربعين، سيتم العمل على إعادة المسودة النهائية من أجل عرضها للقراءة الثانية والتصويت عليها في القريب العاجل"، موضحا أن "هذا القانون مهم جداً لتنظيم التظاهرات وعدم توجيه الإساءات وتهديد السلم المجتمعي والأمن القومي تحت عنوان حرية التعبير".
وحاول البرلمان تمرير القانون، بإدراجه على جدول أعماله، ليرفع منها بضغط من منظمات المجتمع المدني ونواب وكتل مدنية سجلت اعتراضات وملاحظات على مسودة القانون، في ظل محاولات محمومة لتشريع قانون جرائم المعلوماتية المثير للجدل.
من جانبه يبين النائب المستقل هادي السلامي، خلال حديث لـه، أن "قوى السلطة ما زالت تصر على تشريع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، وفق ما تريده من أجل مصالحها الشخصية والحزبية بهدف تكميم الأفواه تحت عناوين مختلفة، لذلك كان لدينا رفض وملاحظات كثيرة وكبيرة على فقرات القانون عنده مناقشته سابقا".
ويوضح السلامي، أن "النواب المستقلين لن يسمحوا بتمرير هذا القانون في حال أصرت قوى السلطة على تشريعه، وستكون لنا طرقنا القانونية والبرلمانية لمنع تشريعه، بالإضافة إلى أن الضغط الشعبي سيكون في تزايد، لأن هذا قانون يخالف الدستور ويصادر الحريات".
ويؤكد أن "قوى السلطة تريد من هذا القانون منع أي اعتراض شعبي عليها، خشية من تكرار ما حصل في تشرين الأول (أكتوبر) 2019، فهي تريد قانون يمنع أي تظاهرات شعبية حقيقية تنادي بالإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين".
ويرفض ناشطون وصحافيون مسودة القانون، كونها مقيدة لحرية الرأي والتعبير، ومخالفة للدستور العراقي الذي كفل للفرد والمجتمع هذا النوع من الحريات.
ويرى رؤوف محمد، عضو منظمة تواصل لتمكين الشباب، في حديث لـه، أن "نسخة القانون المعروضة للتصويت تعود للعام 2011، وهي نسخة تساهم في تقييد الحريات العامة التي كفلها الدستور وتخالف المبادئ والمعايير الدولية الملزمة للعراق بموجب الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي انضم لها العراق".
ويوضح محمد، أن "هناك غموضا في تشريع القانون من قبل شقي السلطة التنفيذية و التشريعية، فالحكومة لم تقم بسحب مشروع القانون المقدم، رغم مرور 12 عاما على تقديم المسودة، واكتفت بتقديم ملاحظات هي عبارة عن مقترحات على نص القانون، في حين لم توضح اللجان المختصة في مجلس النواب، مسار التشريع الذي يتم اتباعه".
جدير بالذكر أن السوداني، ضمَّن في منهاجه الحكومي، فقرة خاصة بتمرير قانون حرية التعبير عن الرأي.
ويتساءل محمد، "كيف سيتم إشراك المجتمع المدني في عملية التشريع"، لافتا إلى "زيادة المخاوف من تمرير القانون في ظل مناخ سياسي غير مناسب لتشريع القانون داخل مجلس النواب".
وبشأن الخطوات التي تبنتها المنظمات المدنية لمواجهة التشريع، يؤكد الناشط، توجهها إلى "توحيد مواقف المجتمع المدني من القانون والاستعداد لإطلاق رؤيته في الأيام القادمة"، داعيا إلى "تأجيل التشريع، ورفض اشتراط موافقة السلطات على تنظيم التظاهرات والاكتفاء بإخطارها".
يشار إلى أن المادة 38 من الدستور تنص على: تكفل الدولة، بما لا يخل بالنظام العام والآداب: أولاً:- حرية التعبير عن الرأي بكل الوسائل. ثانياً:- حرية الصحافة والطباعة والإعلان والإعلام والنشر. ثالثاً:- حرية الاجتماع والتظاهر السلمي، وتنظم بقانون.
في الأثناء، يبين الخبير في الشأن القانوني سالم حواس، خلال حديث لـه، أن "تشريع قانون حرية التعبير عن الرأي والاجتماع والتظاهر السلمي، من قبل مجلس النواب فيه مخالفات دستورية للمواد التي أعطت حرية التعبير والتظاهر في الدستور، وهذا يفتح المجال للطعن بالقانون من قبل أي جهة أو شخص متضرر أمام المحكمة الاتحادية العليا".
ويوضح حواس، أن "فقرات الدستور العراقي واضحة جدا بإعطاء كامل الحرية في التظاهر والتعبير، وعدم أخذ أي إذن للتظاهرات، لأن التظاهر السلمي حق مكفول لكافة العراقيين"، متابعا أن "مجلس النواب عليه الاستماع لكافة الآراء القانونية وليس منظمات المجتمع المدني المعنية بالحريات فقط، إذ أن هذه القوانين تحتاج إلى آراء قانونية حتى لا يكون القانون مخالفا للدستور أو أي من القوانين النافذة، فهناك الكثير من القوانين شرعت وفيها مخالفات دستورية وقانونية، وعملت المحكمة الاتحادية العليا على إلغاء بعض فقراتها وموادها".
جدير بالذكر، أن الأمر رقم 19 حول حرية التجمع، والصادر عن سلطة الائتلاف المؤقتة بقيادة الحاكم الأمريكي بول بريمر، لا زال ساري المفعول، ويحظى بقبول نسبي بين الناشطين ومنظمات المجتمع المدني، حيث يتيح حرية التظاهر بمجرد إخطار السلطات قبل حدوثها بـ24 ساعة، وليس على المتظاهرين الحصول على إذن أو موافقة.
ولا زالت مواد قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، نافذة على الرغم من تعارض العديد منها مع حرية التعبير، لا سيما المتعلقة بإهانة السلطات والمؤسسات الحكومية، والسب والقذف بحق مسؤولين أو متنفذين، حيث كانت تستخدم بشكل واسع خلال فترة النظام السابق، والتي تم تعطيلها بأمر بريمر في 10 حزيران يونيو 2003.
وشهد شهر نيسان أبريل الماضي، حالات ملاحقة لمحللين سياسيين وناشطين، وفق مواد في قانون العقوبات، بناءً على دعاوى ترفعها الحكومة في الغالب.