تشهد الخطة الزراعية الشتوية لمحافظة الأنبار، تراجعا كبيرا مقارنة مع العام الماضي، بسبب تناقص الأراضي المزروعة في الموسم الحالي بالنظر لشحة المياه، بالإضافة إلى ظهور مشاكل عدة على مستوى دعم الفلاحين، ما سيؤدي لتقليل إنتاجها من المحاصيل وخصوصا الحنطة.
مسؤولون في زراعة الأنبار، أقروا بمشاكل في هذا الحقل، أبرزها غياب الدعم بالأسمدة وتجهيز الفلاحين بالمرشات وآليات الري الحديثة، لكن الوزارة في الوقت ذاته، أشارت إلى أنها ستأخذ بالحسبان فرق الأسعار وتعوض المزارعين.
ويقول المدير العام لمديرية زراعة الأنبار سنان محمد علي، خلال حديث لـه، إن "محافظة الأنبار تحظى بخطة زراعية مدعومة من ناحية البذور، ولكن تم إلغاء الدعم الخاص بالأسمدة، مع فرض زيادة بسعر التسويق، الأمر الذي سيؤثر بصورة سلبية كبيرة على المزارعين".
ويوضح علي، أن "الخطة الزراعية الخاصة بالأنبار بلغت 86 ألف دونم مروي على الأنهار، وما يقرب من 390 ألف دونم مروي على الآبار، وهذه الحصة قليلة مقارنة بالمواسم الماضية، ففي الموسم الماضي، كان الإنتاج أربعة أضعاف الحالي، حيث سوقنا 400 ألف طن من الحنطة إلى السايلو، وبحدود 100 طن على الشركات، علي مساحة تفوق المليون دونم، لكننا فوجئنا بخفض الخطة الزراعية للأنبار في هذا الموسم"، مستدركا "لكننا نأمل في الأيام المقبلة زيادة مساحة الخطة وزيادة حصتها من المرشات".
ويضيف، "أكملنا الاستعدادات من أجل استقبال الموسم الشتوي المتمثل بزراعة محصولي الحنطة والشعير وباقي المحاصيل الشتوية الأخرى"، لافتا إلى أن "هناك إقبالا كبيرا من قبل المزارعين على اقتناء المرشات واستخدام آليات الري الحديث، بدلا من الاعتماد على الري السيحي، الذي يتسبب بهدر كميات كبيرة من المياه، لكن المشكلة هي أننا إلى الآن لم نتمكن من تزويدهم بأي جهاز محوري أو للري بالتنقيط أو الرش، فالمزارعون باتوا يشترونها من الأسواق على حسابهم الخاص".
وأقرت وزارتا الزراعة والموارد المائية، نهاية الأسبوع الماضي، الخطة الزراعية الشتوية التي تبدأ من تشرين الأول أكتوبر الحالي، وتتضمن زراعة 1.5 مليون دونم على المياه السطحية، وزراعة 4 ملايين دونم، اعتمادا على المياه الجوفية، وأكدتا الاستمرار بتأمين الاحتياجات الأخرى من المياه علي مستوى الاستخدامات المدنية والبيئية وسقي البساتين بمساحة 1.1 مليون دونم، موصيتين بضرورة التعاون بينهما لإنجاح الموسم الزراعي واستخدام التقنيات الحديثة في الزراعة ومنع التجاوزات بمختلف أنواعها.
ويتعرض العراق لمخاطر التصحر بسبب موجات الجفاف الناتجة عن قلة الحصص المائية لنهري دجلة والفرات بعد بناء عدة سدود عليهما من قبل تركيا وإيران، على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة "رامسر" للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران، وأصبحت سارية المفعول عام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.
من جهته، يبين المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، خلال حديث لـه، أن "جميع المحافظات التي تزرع الحنطة لديها خطة زراعية شتوية لهذا الموسم، ومن ضمنها محافظة الأنبار".
ويضيف الخزاعي، أن "الموسم الماضي كان أقل مشاكل بالنسبة للفلاح، وكانت هناك سرعة بإطلاق المستحقات المائية، وأغلب الفلاحين كانوا يشعرون بالارتياح فيما يتعلق بالدعم المقدم أولاً، وتبسيط الإجراءات ثانياً، ثم سرعة صرف مستحقاتهم المالية".
ويوضح، أن "الدعم المقدم للأسمدة في السنة الماضية كان دعم المدخلات، بينما تحول الآن إلى دعم المخرجات، والسعر الذي سيقدم إلى الفلاح يأخذ بنظر الاعتبار فارق سعر الأسمدة، ويضاف إلى سعر الاستلام من الفلاح، وبالتالي فإن هذه عملية تقلل من حالات الفساد".
وكان برنامج الأغذية العالمي WFP التابع للأمم المتحدة، حذّر في 12 أيلول سبتمبر الماضي، من استخدام المياه الجوفية الموجودة في العراق، واصفاً استغلالها بـ”كارثة” في طريقها إلى الحدوث، إذ إنَّ هذا النوع من المياه يأتي من الأمطار ويُحتفظ به في أحواض داخل الأرض لحفظ التوازن، وأن استهلاكها سيعرضها للنضوب بمرور الوقت.
وبرزت خلال السنوات الأخيرة، أزمة الجفاف بشكل جلي في العراق، فبعد أن تمّ تقليص المساحات الزراعية إلى 50 بالمئة في العام الماضي، تفاقمت الأزمة مؤخرا عبر فقدان أغلب المحافظات مساحاتها الزراعية، وأبرزها ديالى وبابل، حيث أعلن مسؤولون فيها عن انعدام الأراضي الزراعية بشكل شبه كامل، بسبب شح المياه.
إلى ذلك، يبين المزارع، محمد فنوص، خلال حديث لـه، أن "السنوات السابقة كانت تشهد دعما للقطاع الزراعي، سواء من ناحية توفير البذور أو الأسمدة وبقية المواد التي تسهم في إنعاش الجانب الزراعي بمحافظة الأنبار، لكن سبل الدعم الحكومي اختفت مؤخرا".
ويوضح فنوص، أن "الأسمدة الحالية مستوردة، بينما في السابق كانت متوفرة بمعمل فوسفات عكاشات الأنبار وكذلك في البصرة"، مشيرا إلي "فقدان الدور الكبير للجمعيات الفلاحية".
ويتابع "لا تتوفر مادة الكاز ولا الزيت (الدهن) للآلات الساحبة، إذ بدأت الزراعة بالانحسار، وذلك لأسباب عديدة منها غلاء الحراثة، والبذور ليست متوفرة بأسعارها المدعومة من قبل الدولة، إضافة إلى أن سعر الأسمدة مبالغ به، كل ذلك ساهم بهجرة الفلاح لأرضه الزراعية، ولا ننسى المعضلة الكبرى التي تواجه المزارع الأنباري، وهي شح المياه في نهر الفرات والبحيرات التي جفت بشكلٍ شبه كامل".
يشار إلى أن مسؤولين في محافظة الأنبار، أعلنوا سابقاً أن سد حديثة قد يخرج عن الخدمة في وقت قريب، وهو الحال ذاته لبحيرة الثرثار، بعد نصب مضخات ضخمة لسحب مياهها من قبل وزارة الموارد المائية، وذلك بعد جفاف بحيرة عانه، وإلى جانب الثرثار وسد حديثة، فإن بحيرة الحبانية خرجت عن الخدمة مؤخرا، وتسببت بقطع المياه لمناطق كثيرة كانت تعتمد عليها، وبلغ عدد المتأثرين بها حوالي 7 ملايين نسمة.
وشهدت بغداد، عقد مؤتمر المياه الثالث في 6 من شهر أيار مايو الماضي، بحضور تركيا وإيران، وخلال المؤتمر أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني على اتخاذ معالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وتشخيص المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها، مؤكدا أن اللقاءات مع مسؤولي الدول تركزت على ضرورة حصول العراق على حصته الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا، بعيداً عن لغة التصعيد.