كشفت حرب غزة، عن عمق الانقسام الذي تشهده الفصائل المسلحة العراقية، أو ما تعرف بـ"المقاومة"، حيث دخلت في سجالات علنية فيما بينها، لتكون هذه المرحلة امتدادا للخلافات المتجذرة حول "النفوذ والسلطة"، والتي ستزداد حدة مع قرب الانتخابات كما رأى مراقبون.
وتأتي الاستهدافات المتكررة للوجود الأمريكي على الرغم من الدعم السياسي الذي توفره تلك الفصائل للحكومة، التي تشعر بـ"حرج" أمام المجتمع الدولي جراء تلك العمليات، فيما قللت حركة عصائب أهل الحق من طبيعة تلك البيانات، ووصفته بأنه "عتاب إخوة".
ويقول مسؤول عسكري بإحدى الفصائل المسلحة، خلال حديث لـه إن "الفصائل المسلحة، شهدت انقساما وخلافات بعد أحداث غزة، فهناك فصائل عملت على التصعيد العسكري ضد القوات الأمريكية، فيما رفضت فصائل أخرى هذا التصعيد، ما أحدث انقساما بينها".
ويضيف المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه، أن "الفصائل كانت تجتمع تحت مسمى الهيئة التنسيقية للفصائل، لكن بعد أحداث غزة وحصول الانقسام بين الفصائل، تم تشكيل المقاومة الإسلامية في العراق، وهذا التشكيل يضم بعض الفصائل ولا يشملها جميعها، بسبب الاختلاف حول قضية التصعيد ضد الوجود الأمريكي".
ويردف أن "بيان كتائب حزب الله أزعج الكثير من الفصائل، وتحديدا حركة عصائب أهل الحق، فقد كشف أن تلك الفصائل لم تكن مع التصعيد وعملت على خلاف شعارتها ولم تمارس نشاط المقاومة ضد الأمريكان من أجل نصرة غزة، وهذا أوقعهم بحرج كبير أمام قواعدهم الشعبية".
يشار إلى أن الأمين العام لكتائب حزب الله أبو حسين الحميداوي، نشر يوم أمس الأحد، بيانا أعلن فيه "خفض وتيرة تصعيد العمليات على قواعد الاحتلال الأمريكي في المنطقة، وإيقافها ضد الكيان الصهيوني لحين انتهاء مدة الهدنة، أو القتال في فلسطين وحدودها مع لبنان"، وخلال البيان وجه تحية للفصائل التي شاركت باستهداف القوات الأمريكية وذكر بالنص: " الذين شاركوا في العمليات الجهادية العسكرية أنصار الله الأوفياء، حركة النجباء، كتائب سيد الشهداء، كتائب حزب الله، تحت راية المقاومة الإسلامية في العراق".
البيان أعلاه، سرعان ما أثار حفيظة حركة عصائب أهل الحق، حيث رد القيادي فيها جواد الطليباوي عبر بيان أكد فيه، أن "من المؤسف حقاً ما تم نشره في وسائل الإعلام، من بيان صادر باسم إخوة الجهاد في كتائب حزب الله، لما فيه من تجاوز على ركيزة مهمة في عمل المقاومة، والتي تكفل سرية العمل ومراعاة الظروف الأمنية.. إلا أنه من الغريب، ورغم علم مَن كتب البيان بالحقائق على الأرض، أن يعمد إلى ذكر أسماء فصائل وتغييب أخرى، دون مبرّر أو شعور حقيقي بالمسؤولية".
يشار إلى أن الفصائل المسلحة في العراق، دخلت على خط أزمة غزة منذ البداية، وعادت لاستهداف القواعد الأمريكية في الأنبار وأربيل، فضلا عن الموجودة في الأراضي السورية، ويجري الاستهداف بشكل يومي عبر الطائرات المسيرة والصواريخ قريبة المدى.
إلى ذلك، ينفي القيادي في حركة عصائب أهل الحق علي الفتلاوي، خلال حديث لـه، وجود "أي خلاف ما بين الفصائل المسلحة إطلاقاً، بل إن جميع المواقف موحدة وثابتة، والبيان كان مجرد عتاب أخوة ليس إلا، والتنسيق والتواصل ما بين كل الفصائل المقاومة مستمر دون أي انقطاع".
ويرى أن "للفصائل أهدافا مشتركة، وهي تعمل على تحقيقها، كلٌ من موقعه وكلٌ حسب اختصاصه، ولا خلاف بشأن مقاومة الاحتلال الأمريكي، بل الكل مجمع على إخراج القوات الأمريكية من العراق بكل الطرق المتاحة".
ويتابع، أن "هناك من يريد استغلال بعض البيانات لغرض إثارة الفتنة ما بين الفصائل، وهذا يخدم المحتل والعملاء ولا يخدم العراق والمجاهدين بشكل مؤكد"، دون أن يذكر أسماء الجهات أو الشخصيات المتهمة في حديثه، مضيفا "لا خلاف والكل متفق على مقاومة الاحتلال بالطرق السياسية والعسكرية، وهناك إجماع سياسي وشعبي على هذا الامر".
يشار إلى أن الجيش الأمريكي، شن فجر الأربعاء الماضي، ضربات جوية استهدفت مخازن السلاح لكتائب حزب الله، إحدى الفصائل المسلحة العراقية، في جرف الصخر شمالي بابل.
وجاء القصف الأمريكي، بعد أن أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون"، قبل يوم، تنفيذ ضربة في العراق ردا على هجوم استهدف عسكريين أمريكيين في المنطقة، عقب استهداف قاعدة عين الأسد في الأنبار بصاروخ باليستي، وفي هذه الضربة جرى استهداف عجلات تابعة لحركة عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله.
يشار إلى أن كتائب حزب الله، توعدت في بيانها، بتوسيع الهجمات ضد القوات الأمريكية، ردا على استهداف مقارها، وأكدت أنها "ستثأر" لعناصرها الذين قتلوا بالقصف.
من جهته، يبين المحلل السياسي محمد علي الحكيم، خلال حديث لـه، أن "الخلافات ما بين الفصائل المسلحة ليست بجديدة، فهي تخوض صراع نفوذ فيما بينها منذ فترة طويلة، وهذا الصراع دائما ما يكون على بعض المناصب وكذلك مناطق النفوذ، وغيرها من المغانم".
ويؤكد الحكيم، أن "بيان كتائب حزب الله الذي لم يذكر اسم حركة العصائب كجزء من حركات المقاومة، ورد الأخيرة على هذا البيان، يؤكد وجود هذه الخلافات والانقسام، وهذا تعمق بعد حرب غزة بسبب إصرار بعض الفصائل على التصعيد ورفضه من الأخرى، التي رأت أنه يوقع الحكومة بحرج كبير".
ويتوقع "ازدياد حدة الخلافات في المرحلة المقبلة، خصوصاً مع المشاركة الفاعلة لبعض الفصائل المسلحة في السباق الانتخابي"، مستدركا "لكن الأمور لن تتطور إلى الاشتباك المسلح بالتأكيد، فهناك ضابط لإيقاع تلك الفصائل، وهي إيران".
يذكر أن الموقف الحكومي من وجود القوات الأمريكية كان صريحا وداعما لها، رغم إدانة عمليات القصف التي استهدفت الفصائل العراقية، حيث أكد البيان الحكومي في حينها على أن الحكومة العراقية هي المعنية حصراً بتنفيذ القانون، ومحاسبة المخالفين، وهو حق حصري لها، ولا يحق لأية جهة خارجية أداء هذا الدور نيابةً عنها، فيما شدد على أن وجود التحالف الدولي في العراق، هو وجود داعم لعمل قواتنا المسلحة عبر مسارات التدريب والتأهيل وتقديم الاستشارة.