20 May
20May

بعد 20 عاما على تغيير النظام، يعود الحديث مجددا لإعادة إحياء الأسواق المركزية، وعلى الرغم من تأكيد مستشار حكومي، بأن البلاد ابتعدت عن النظام المركزي منذ عقدين، وأن سياسة السوق المفتوحة باتت هي المتحكمة في التجارة الخارجية، إلا أن متخصصين كشفوا عن وقوف جهات متنفذة وراء عدم عودتها (الأسواق المركزية)، كونها تسيطر على التجارة ومراكز التسوق الخاصة "المولات" المنتشرة بعموم البلاد، في ظل دعوتهم لإعادة العمل بالأسواق المركزية لأنها ستكون مفيدة جدا للطبقات الهشة والفقيرة.

ويقول المستشار المالي والاقتصادي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، خلال حديث لـه إن "النظام الاقتصادي الجديد في العراق أخذ منحى مختلفا في موضوع مركزية التجارة الخارجية، اذ تكفلت السوق وانفردت في عمليات التجارة الخارجية قدر تعلق الأمر بالعرض والطلب على السلع المستوردة سواء أكانت استهلاكية أم لوازم ومدخلات إنتاج وغيرها، في حين رفعت الدولة يدها من هذه التجارات نهائيًا باستثناء التمسك ببرنامج البطاقة التموينية او السلات الغذائية حاليا".

ويضيف صالح: "لكون الأسواق المركزية ارتبطت باستيرادات الحكومة المركزية من السلع الاستهلاكية وبعض اللوازم، فقد أهملت منذ عشرين عاما وأصبحت أطلالا من الماضي الاقتصادي دون الاستفادة منها"، مقترحا "تحويل هذه الأسواق بعد إعادة إعمارها لتعمل لمصلحة الجمعيات الاجتماعية والتعاونيات وتتولى الأسواق الجديدة بيع السلع بأسعار تنافسية للمواطنين ومنحها فرصا لتسويق الإنتاج المحلي أو السلع المستوردة وعلى نحو يعمل على اعتدال الأسعار واستقرار السوق دون المضاربة والاحتكار ولاسيما المواد الحياتية والضرورية سواء من المواد الصيدلانية أو الحاجات الإنسانية المهمة المتعلقة بحياة المواطن".

وكانت وزارة التجارة، أعلنت يوم أمس الخميس، وجود خطة لإعادة تأهيل وتشغيل الأسواق المركزية، عن طريق إبرام عقود مع القطاع الخاص وبتوليفة جديدة ونموذج جديد يضاهي النموذج العصري العالمي في الدول المتقدمة، لكنها أشارت إلى أن المسألة تحتاج إلى وقت، كون الأسواق المركزية متروكة منذ 20 عاماً، بغية مصادقة المخططات ومراجعة بعض الدوائر البلدية وأمانة بغداد.

وكانت وزارة التجارة أعلنت، أواخر العام الماضي، عن مخاطبة مجلس الوزراء من أجل تفعيل البيان التأسيسي لها، الذي ينص على منع افتتاح جمعيات استهلاكية إلا من خلال الأسواق المركزية، وفيما بينت أن الجمعيات الحالية تصل أسعارها إلى 5 أضعاف السعر الحقيقي، أكدت أنه لا يوجد في الوقت الحالي أي منفذ للجمعيات الاستهلاكية الحكومية التابعة للأسواق المركزية، وأن هناك مساعي لعودة الأسواق المركزية، ومن ثم العمل على إعادة الجمعيات الاستهلاكية المرتبطة بها.

إلى ذلك، يوضح الخبير الاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـه أن "بغداد تمتلك تسعة أسواق مركزية إضافة إلى 18 سوقا مركزيا موزعة على باقي المحافظات، قبل أن تتم سرقتها ونهبها عام 2003 إذ وصلت إلى مرحلة حتى الرفوف الموجودة فيها تعرضت للنهب وتم العبث في الكثير من حاجياتها، ولكي تتم إعادة فتحها فإنها تحتاج إلى أموال كثيرة".

ويضيف الكناني أنه "بعد عام 2003 بدأت عملية إدخال البضائع من جميع الدول المجاورة وحتى أصحاب البسطيات والأكشاك أصبحوا مستوردين إذ فتح باب الاستيراد على مصراعيه وبدأت الناس تستورد البضاعة من دول الجوار وأدخلت جميع أنواع البضائع من سيارات وأثاث وغيرها ما جعل الاهتمام بالأسواق المركزية يقل خاصة أن وزارة التجارة لم تعالج هذا الموضوع نهائيا".

ويلفت إلى أن "الدولة لم توفر مخصصات مالية لإعادة وإحياء الاسواق المركزية ومن أهم هذه الأسواق هو سوق الثلاثاء الذي بني على الطراز العباسي القديم، وكذلك بنايات الأسواق الحرة الموجودة في بغداد وهي من أروع البنايات إضافة الى شركات كبيرة في وزارة الإعلام والتجارة وجميعها مهملة ومغلقة".

ويوضح الكناني أن "المستفيد من غلق الأسواق المركزية هم أصحاب المولات والتي أغلبها تابعة لأشخاص متنفذين، بينما كانت الأسواق المركزية تابعة لوزارة التجارة ولديهم مخازن واعتمادات رسمية ولو كانت تلك الاعتمادات عاملة حتى الآن لما حدثت مشكلة البنك الفيدرالي والحوالات المصاحبة والموازية والسوق الموازي فلو كانت الدولة فعلا تهتم لما استوردت كميات كبيرة وضختها في السوق بأسعار عالية فهي تمتلك مخازن وتمتلك سبل نقل ويمكنها فتح اعتماد العملة الحقيقية وإذا ما تمّ استخدام جميع هذه الوسائل لن يتمكّن أي سوق من منافستهم".

وتأسست الأسواق المركزية في العراق عام 1981، وحملت تسمية "الأورزدي باك"، وضمت بضاعة في حينها من مختلف المناشئ العالمية، وتنوعت بين المواد الغذائية والأثاث والساعات والمواد الاستهلاكية الأخرى.

وتعرضت مباني الأسواق المركزية إلى التدمير في عام 2003، نتيجة لأسباب عديدة منها السرقة والقصف الذي تعرضت له من قبل قوات التحالف الدولية آنذاك.

وكان المتحدث باسم وزارة التجارة محمد حنون، أعلن في كانون الثاني يناير 2021، أن الوزارة عملت على منح عدد من الأسواق المركزية إلى شركات الاستثمار العالمية بغية استغلالها وإعادة تأهيلها لتعاود مجددا تقديم الخدمات للمواطنين، ومنها أسواق الصالحية والشعب والمستنصرية والعدل في بغداد، فيما بين أن الإحالة تمت إلى شركة "دايكو" العالمية.

من جانبه، يرى الباحث والمختص في الشأن الاقتصادي عبد السلام حسن، خلال حديث لـه، أن "تفعيل الأسواق المركزية يحمل إيجابيات كثيرة لاسيما بالنسبة للطبقة الفقيرة من المواطنين إذ ستعود عليهم بالنفع لأن أسعارها مدعومة".

غير أن حسن يضيف أن "هذه الأسواق حتى وإن تمت إعادة تفعيلها، فهي لن تعود كالسابق، بسبب ضعف الرقابة والسيطرة على السوق، لكنها ستسهم بوفرة غذائية تساعد بتخفيف الأسعار لأنه كلما زاد العرض قلّ الطلب، إذ ستسهم بتوفير السلع الرخيصة وكثرتها في الأسواق ما يتيح للطبقات الفقيرة شراءها".

وشهدت السوق العراقية ارتفاعا كبيرا بأسعار المواد الغذائية منذ عامين، المرة الأولى بعد تغيير سعر صرف الدينار أمام الدولار، وهو ما تسبب برفع الأسعار نظرا لأنها جميعها مستوردة، وحتى المحلية منها فإن موادها الأولية مستوردة، والموجة الثانية للارتفاع جرت بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، التي تسببت برفع الأسعار بشكل عالمي، خاصة بعد توجه العديد من الدول لمنع تصدير المواد الغذائية.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة