18 Jan
18Jan

لم يكن الحاج جاسم (60 عاماً) يتوقع يوماً ما خسارة مصدر رزقه الوحيد وغلق محله في نهاية "شارع الجسر" بسبب إنشاء مجسر الصدرين وسط مدينة السماوة مركز محافظة المثنى، عام 2012، الذي سبب شللاً تاماً في حركة المتبضعين وصعوبة الوصول إلى السوق "الفوكاني" كما يسمى شعبياً، نتيجة تلكؤ العمل به، وتراكم الأنقاض والنفايات في المشروع.

ويقول الحاج جاسم، خلال حديث لـه"منذ سنوات وأنا أعمل في محل لبيع إطارات السيارات ورثته عن أبي، وأجني منه أموالاً طائلة، لكن بعد هذه الكارثة (يقصد بها مجسر الصدرين)، أغلقت محلي، ومعي الكثير من المحال المجاورة التي تكبدت خسائر مالية فادحة بسبب تعسر وصول الزبائن إلينا، وبالتالي أجبرنا على الانتقال لمناطق أخرى مثل القشلة، وشارع الكورنيش لعرض سلعتنا".

ويضيف، "ليس هذا فحسب، فالاستياء وصل حداً لا يطاق، وأصبح التذمر لسان حال المواطن السماوي، ومن ضمنهم سائقو سيارات الأجرة بسبب هذا المشروع وما خلفه من مشاكل، بالإضافة إلى قطع أرزاق أصحاب بسطات سوق الجمعة كما يعرف شعبياً، والذي عادة ما تباع فيه مختلف أنواع الطيور والحيوات الأليفة، إلى جانب الدراجات النارية وأجهزة الهاتف المستعملة، وبالتالي تسبب مشروع المجسر بأضرار جسيمة".

يشار إلى أن العمل بمشروع مجسر الصدرين في السماوة بدأ في العام 2012 وبكلفة 66 مليار دينار (نحو 50 مليون دولار آنذاك) وبمدة إنجاز تصل إلى 43 شهراً في حينها، لكنه شهد تلكؤاً ولم يتم إنجازه لغاية الآن رغم مرور أكثر من 10 سنوات.

وسبق وأن أعلنت الحكومة المحلية استئناف العمل في المجسر والذي كانت نسبة إنجازه 38 بالمئة فقط بسبب التلكؤ، إلا أن نسبة التنفيذ ارتفعت مؤخراً إلى 84 بالمئة.

بدوره، يضطر علي (45 عاماً) سائق سيارة أجرة، بين فترة وأخرى إلى استبدال أدوات من سيارته بأخرى جديدة بسبب ما خلفه مشروع المجسر من مطبات أثرت سلباً على ديمومة السيارات".

ويتحدث علي عن "إغلاق العديد من الشوارع الرئيسة والفرعية منذ سنوات بسبب المشروع أيضاً، ما أدى بالعجلات لسلوك طرق فرعية ضيقة مليئة بالحفر".

فيما يؤكد أحد رواد سوق الجمعة، خلال حديث لـه، أن المشروع "أضرّ بعملنا بشكل كبير، ففي السابق كان البيع والشراء على قدم وساق سواء من الحمام والبلابل والموبايلات المستعملة، أما الآن فالمشروع صادر مكان عملنا واضطررنا إلى الانتقال لأماكن أخرى".

ويتكون مسجر الصدرين متعدد الطبقات من سبعة محاور خدمية بطول ثلاثة كيلومترات مختلفة الارتفاعات، من شأنها أن تسهم بفك الاختناقات المرورية الحاصلة في قلب المدينة، فضلاً عن ربط المحافظة ببقية المحافظات الجنوبية.

من جانبه، يوضح رئيس مهندسين أقدم ومعاون إدارة المهندس المقيم لمشروع تقاطع مجسر الصدرين، إحسان سعد، خلال حديث لـه أن "المشروع بدأ في العام 2012 وتوقف بسبب الأحداث الأمنية عام 2014 وما رافقها من أزمة مالية واقتصادية، ثم عاود العمل عام 2019 لكن أيضاً توقف جراء أزمة وباء كورونا، ليستأنف مجدداً عام 2021 مباشرة بعد إضافة الروافد الصندوقية، وحالياً نسب الإنجاز فيه تصل إلى 90 بالمئة ومن المفترض أن يتم افتتاحه منتصف العام الحالي".

ويتابع "سيكون هناك طريقاً دائرياً أرضياً تحت المجسرات يربط جميع الدوائر الحكومية لضمان انسيابية الحركة وبدون أي زحام مروري، أما الكلفة المالية الأولية للمشروع 66 مليار دينار ومع مرور الوقت ارتفعت إلى 84 مليار دينار من تخصيصات وزارة البلديات والأشغال العامة لمديرية البلديات العامة".

ورغم وجود ثلاثة جسور رئيسية على نهر الفرات الذي يقسم مركز المحافظة إلى نصفين، إلا أنها ليست كافية لحل أزمة الزحامات المرورية، فبرزت بعد العام 2010 مشاكل مروية كبيرة أثرت بشكل واضح على حركة سير المركبات في قلب المدينة باعتبارها محوراً تجارياً حيوياً للسكان، فأعدت دراسة وتصاميم مفصلة لإنشاء أكبر مجسر بالعراق بحسب الجهات المختصة، والذي يتضمن أعمالاً أرضية من حدائق ونافورة صغيرة وكذلك مناطق استراحة وجلوس للمواطنين بمساحة 27 ألف متر مربع.

وعلى الرغم من شكاوى المتضررين من مجسر الصدرين، لكن يبدو أن هناك من خلق لهم المشروع مصدراً للكسب المشروع، إذ يبين الصبي قاسم (12 عاماً)، خلال حديث لـه أن "إنشاء المجسر وفرّ ليّ فرصة عمل، فقد كان مرآب السيارات قريباً من سوق الخضار والناس يحملون أغراضهم بأنفسهم لكن حالياً أصبح بعيداً لذلك يضطر المتبضعين إلى الاستعانة بعربتي لنقل حاجياتهم مقابل أجر".

وبهذا الصدد، يقول مسؤول في بلدية المثنى، خلال حديث لـه إنه "سيتم التنسيق مع هيئة النقل وقائممقام السماوة لاختيار موقع ملائم كمرآب لسيارات النقل الداخلي، أما أصحاب البسطات والمحال المتضررة من المجسر فهناك عمل لاختيار ساحة مناسبة ونقلهم إليها ضمن التصميم الأساسي لمدينة السماوة لغاية العام 2038".

ويضيف "جميع الدوائر القريبة من المجسر تم تخصيص أراض لها لتنتقل إليها في المدخل الشمالي لمدينة السماوة وفي حال توفر التخصيصات المالية اللازمة سيتم المباشرة بهذه المواقع والانتقال إليها".

وغالبا ما ترافق المشاريع الحكومية شبهات فساد، خاصة مع تأخر إنجاز المشاريع أو إحالتها لشركات غير رصينة، وما تزال مسألة التعاقدات الحكومية من دون حل، وكان آخر ملف أثير، هو مطالبة شركة أهلية مصرف الرافدين بدفع 600 مليون دولار، كتعويض عن فسخ المصرف للعقد، وقد اكتسبت الشركة قرارا قضائيا أوليا، ما أثار الرأي العام في العراق.

وفي السياق، يوضح مدير التخطيط في المحافظة، قابل حمود، خلال حديث لـه أن "تخفيف الزخم والزحامات المرورية داخل المدن يتطلب فتحها وتوزيع الأنشطة الاقتصادية والانتقال إلى أطراف المدينة وفي مواقع متعددة بدل التركيز على قلب المدينة".

يشار إلى أن مسألة الطرق والجسور في العراق، من أبرز ما يثير تذمر المواطنين، نظرا لترديها بشكل كبير وعدم تطويرها، وخاصة الطرق الخارجية التي باتت مسببا للموت أكثر من الإرهاب.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة