حتى الأطفال صاروا يخافون منّا”، هكذا بدأ عامل التوصيل حسام علي (25 عاما) وهو يروي المواقف التي تعرض لها في الآونة الأخيرة بعد ارتباط عمليات اغتيال “الفاشنيستات” بسائقي الدراجات النارية، وزي عمال توصيل الطعام “الدلفري”.
ويقول علي خلال حديث لـه، إن “أصحاب مهنة توصيل الطعام أو المواد الكمالية الأخرى (الدلفري) أصبحوا محط سخرية وتنمر من قبل المجتمع بعد موجة الاغتيالات الأخيرة التي تم استخدام الدراجات النارية في تنفيذها”.
ويروي، “في أحد الأيام، وبعد مقتل (أم فهد)، وأثناء توصيلي طلبا لأحد المنازل في منطقة قريبة من زيونة (شرقي العاصمة بغداد) وعند دخولي الشارع، سمعت أحد الأطفال ينادي الآخرين محذرا إياهم هم مني بعبارة (هسه يكتلنه) حتى دخل الجميع إلى منازلهم”.
ويشير علي، إلى أن هذه الحادثة ليست الأولى التي يتعرض لها، حتى أن الأمر بات يزعجه إلى حد جعله يفكر في إيجاد مهنة أخرى للخلاص من الكلام القاسي والتنمر، “هناك من يطلق هذا الكلام الجارح فقط للفكاهة، دون التفكير ما يفعل بالمتلقي”، يضيف بحزن.
ومع صعوبة ظروفهم الاقتصادية وقلة فرص العمل، يواجه أصحاب مهنة التوصيل في العراق لاسيما توصيل الطعام وما يطلق عليهم بـ”الدلفري” موجه من الانتقادات والتنمر، من قبل مواطنين ظهرت بعد استخدام الدراجات النارية والزي الذي يرتدونه في اغتيال الكثير من المشاهير والمؤثرين.
وكانت آخر حادثة اغتيال بواسطة الدراجة النارية، استهدفت البلوغر غفران مهدي سوادي الشهيرة بـ”أم فهد” في حي زيونة وسط العاصمة أواخر نيسان أبريل الماضي، بعدما حاصرها مسلح على دراجة نارية، وتوجه نحو سيارتها، وأفرغ رصاصه بداخلها، كما وثقت كاميرات المراقبة في محل الحادث، وتركت هذه الحادثة جدلا كبيرا حول الأمن في العاصمة، وجددت المحاذير من أصحاب الدراجات.
لكن أمير طه (21 عاما) وهو عامل توصيل لأحد المطاعم شرقي العاصمة، يذكر من جهته، خلال حديث لـه أن المواقف التي يتعرض لها بعد مقتل البلوغرات، من تنمر وكلام بذيء لا تؤثر فيه وهو مستمر بعمله بروح عالية، يقول: “العراقيون بطبيعتهم يمتلكون روحا فكاهية في جميع الظروف، لذلك عندما اسمع أي كلام أنا أول من يضحك”.
ويضيف: “في اليوم الواحد أقوم بتوصيل كميات طعام لا تقل عن 10 طلبات تقريبا، وبين الواحدة والأخرى أسمع من الزبائن ومن كلا الجنسين مفردات للطرفة مثل “شايل كاتم”، “راح تقتلنا”، “أنتو تخوفون”، ولكن أتمازح معهم وتسير الأمور بصورة طبيعية”.
ويشير طه، إلى أن “هذه الجرائم والتصفيات جميعنا نعرف من ينفذها ويقوم بالتخطيط لها، لكن للأسف بتنا نحن من يدفع الثمن لاستخدامهم زي عامل التوصيل البسيط ودراجته النارية”.
ومسلسل اغتيال مشاهير البلوغرات ومشاهير السوشيال ميديا عبر الدراجات النارية في بغداد، ليس جديدا، إذ أعاد مقتل أم فهد إلى الأذهان حوادث مماثلة، كمقتل صانع المحتوى نور الصفار المعروف بـ”نور بي أم” بعدما واجهه مسلح بزي عامل ديلفري وأرداه قتيلا، وقبل ذلك تعرضت الموديل المشهورة تارا فارس، للقتل بالطريقة نفسها من قبل مجهولين يستقلان دراجة.
من جهتها، تتأسف الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي، خلال حديث لـه، لاستغلال وظيفة التوصيل لتنفيذ عمليات اغتيال طالت مؤثري السوشيال ميديا والمشهورات في الفترة الماضية، من قبل جهات إجرامية، فعمال التوصيل فئة بعيدة جدا عن هذه التهمة”.
وتضيف الفيلي، أن “هنالك رؤوسا كبيرة تخطط وتحدد الهدف، وتتم استخدام هذه الفئة بتنفيذ عمليات الاغتيال للنيل من فريستها”، لافتة إلى أن “عامل التوصيل لا ذنب له ويعمل من أجل توفير لقمة العيش، ولكن هناك للأسف من وضع سمعة سيئة على هذه الفئة باستخدامهم في هذه العمليات”.
وحول انتشار الخوف بين المواطنين، ترى أنه “غير مبرر، فإن من ينفذ عمليات الاغتيال ليس عامل توصيل حقيقي، بل قاتل مأجور مرتبط بجهات معينة، وتستهدف أشخاصا محددين وليس عامة الناس”.
وتلفت الباحثة الاجتماعية، إلى أن “المتضرر من هذه العمليات للأسف هم عمال التوصيل البسطاء الذين لا ذنب لهم في هذه العمليات التي شوهت سمعتهم وقطعت أرزاق كثير منهم بسبب موجة التنمر والكلام الجارح وخوف المجتمع منهم”.
وكانت وزارة الداخلية، وضعت في 22 أيار مايو من الشهر الحالي 10 ضوابط وآليات جديدة لتنقل دراجات التوصيل (الدلفري) في الشوارع، بينها تتعلق بتدقيق العاملين أمنياً في خدمة التوصيل، وأخذ تعهدات خطية كاملة من أصحاب المحال والمتاجر ممن لديهم عاملين بهذه الخدمة بعدم تشغيل هؤلاء العاملين إذا كانت دراجاتهم النارية غير مسجلة في دوائر المرور.
كما تضمنت الضوابط “توحيد جميع ألوان دراجات (الدلفري) واللون المقترح هو اللون الأصفر، وسيكون هناك شريط (ستيكر) مثبت على الدراجة مسجل مرورياً، وإلزام السائقين بارتداء الخوذة وستكون معالمهم واضحة لدى الأجهزة الأمنية وتمنح لهم تسهيلات في الحركة والتجوال والتنقلات وأي شخص يخالف هذه الضوابط سيتعرض للمساءلة القانونية”.
إلى ذلك، يرى الباحث في الشأن الأمني والعسكري عماد علو، خلال حديث لـه أن “عمليات اغتيال الفاشنيستات في الفترة الأخيرة بكثرة لها أسباب عديدة، أبرزها انتشار المخدرات على نطاق واسع بالإضافة إلى التفكك الأسري الذي يخلق أفرادا مهزوزين وغير أسوياء”.
ويؤكد علو، أن “استخدام الدراجات النارية في تنفيذ عمليات الاغتيال، تأتي لسهولة التنقل والإفلات من الازدحامات التي تشهدها شوارع العاصمة بغداد”، مبيناً أن “الدراجة تعتبر الوسيلة الأسرع التي من خلالها يتمكن المجرم من الهروب بين الشوارع والأزقة لما تمتلكه من سرعة وحجم صغير”.
ويردف أن “على وزارة الداخلية إجراء دراسة لأسباب ارتفاع معدلات الجريمة وكيفية الحد منها ووضع معالجات لها مع انتشار ظاهرة المخدرات والسلاح المنفلت في البلد”.