افترق النهران، وانتهت حكاية عناق دجلة والفرات عند شط العرب في البصرة، بسبب تراجع مناسيب "الفرات" لمستويات خطيرة، فضلا عن وجود "السدة" التي أنشئت قبل 15 عاما لتغذية الأهوار عبر تحويل مجرى النهر، وهو هدف لم يتحقق بسبب شحة الإطلاقات المائية القادمة من تركيا.
والفرات، هو واحد من أكبر الأنهر الرئيسة في جنوب غرب آسيا، ويبدأ منبعه من تركيا، ويمر عبر الأراضي السورية إلى العراق، ويبلغ طوله الكلي أكثر من 2700 كيلومتر، وتقع عليه سبعة سدود داخل العراق، وهي سد حديثة والفلوجة والرمادي والكوفة والهندية والشامية والثرثار، وأغلبها أنشئت في ثمانينيات القرن الماضي، ويبدأ مساره داخل العراق من محافظة الأنبار مرورا بكربلاء وبابل والنجف والقادسية والمثنى وذي قار حتى يصل البصرة وينتهي بالخليج العربي.
ويقول معاون مدير عام هيئة تشغيل مشاريع وزارة الموارد المائية غزوان السهلاني،إن "السدة التي قطعت نهر الفرات عن نهر دجلة، كان من المفترض أن تسهم بالحفاظ على مناسيب الأهوار وتغذيتها عبر تحويل مجرى نهر الفرات نحوها ومنع تدفقه نحو البصرة عن طريق قضاء المدينة في المنطقة القريبة من أهوار الجبايش، لكن هذا الأمر مرهون بارتفاع منسوب النهر لأكثر من 160 سم، حتى تتمكن المياه من تجاوز السدة وإكمال جريانها".
ويضيف السهلاني، أن "منسوب نهر الفرات لم يحقق أي ارتفاع يسمح له بعبور السدة سوى في عام 2019، وفي حينها تمكن تجاوز السدة والوصول إلى الأهوار، وبعدها لم يتحقق الهدف من وجودها".
وتعرض النهر لتأثير المتغيرات المناخية وسوء إدارة المياه مما تسبب بانخفاض مناسيبه، إذ أصبحت إيراداته غير كافية لإكمال مساره المائي نحو البصرة ليتم على خلفية ذلك إنشاء سدة قاطعة عام 2008 تقع في المنطقة المحاذية لقضاء الجبايش شرق ذي قار وقضاء المديّنة شمال البصرة، بارتفاع 160 سم مكونة من قطع كونكريتية تتخللها أنابيب مغلقة يمكن التحكم بها في حال زيادة المناسيب وتصريفها.
وكان مرصد العراق الأخضر، كشف منتصف أيار مايو الماضي، عن وجود أزمة بمياه الشرب في مناطق العنكور والمجر بمحافظة الأنبار، أثرت على سكان هذه المناطق البالغ عددهم 13 ألف نسمة من الفلاحين والكسبة، وذلك نتيجة انخفاض مناسيب بحيرة الحبانية القريبة منها، ما دفع الأهالي إلى شراء مياه الشرب، فيما لجأوا إلى استخدام المياه الآسنة للغسيل.
وانتشرت آنذاك، العديد من الصور لجفاف بحيرة الحبانية، وخاصة في مناطق العنكور والمجر، فيما توجهت مباشرة بعض المنظمات الإنسانية، إلى توفير مياه الشرب لسكان تلك المناطق.
إلى ذلك، يوضح مدير الموارد المائية في محافظة البصرة جمعة المالكي، أن "لقاء نهر الفرات مع نهر دجلة انتهى ولم يعد هناك أي منفذ للتلاحم نتيجة انخفاض مناسيب الفرات".
ويبين أن "هذا الانخفاض دفع بوزارة الموارد المائية إلى نصب عشرات المضخات المائية عند منخفض الثرثار لرفد الفرات بكميات من المياه لرفع منسوبه المائي".
وكانت وزارة الموارد المائية أشارت في بيان سابق، إلى أن عملية نصب المضخات رفع منسوب الفرات، جاءت بسبب شح المياه التي يعاني منها البلد للسنة الرابعة على التوالي، وأدت إلى انخفاض مناسيب المياه في بحيرة الثرثار مما يستوجب نصب مضخات لسحب المياه منها والاستفادة من الخزين الميت لتعزيز نهري دجلة والفرات.
يذكر أن وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت الوزارة للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى اقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
وقد فقد العراق 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية أيضا.
من جانبه، يوضح أستاذ علم الجغرافيا رحيم حميد،أن "عدم دخول الفرات في تكوين شط العرب والتقاءه بدجلة سبب مشكلة في عمليات المد البحري، إذ يشهد شط العرب مدا بحريا من الخليج العربي يصل في بعض الأحيان إلى شمال قضاء القرنة، وهذا الأمر يجعل البيئة النهرية بيئة بحرية ويتسبب بتغيرات فيها".
ويتابع أن "انخفاض مناسيب الفرات أثر على طبيعة وجودة المياه، فبدلا من أن يكون جريان المياه بشكل مستمر أصبح الآن يصل إلى نقطة معينة ويتوقف ولا يمكن تصريفه، وهذا يؤثر على الخصائص الفيزيائية والكيميائية وينعكس بشكل سلبي على البيئة الأهوارية، حيث جعلها بيئة مائية مستقرة فيما يجب أن تكون بيئتها هي تدوير المياه لا ركودها، وهذا الأمر عرضها للتبخر وارتفاع نسبة الملوحة".
جدير بالذكر، أن بغداد، شهد عقد مؤتمر المياه الثالث في 6 أيار مايو الماضي، بحضور تركيا وإيران، وخلال المؤتمر أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني: اتخذنا الكثير من المعالجات لتقليل آثار ومخاطر شحِّ المياه، وشخّصنا المشكلة المائية مع دول المنبع وأسبابها.. ولقاءاتنا مع المسؤولين بالدول التي نتشارك معها في المياه، تركزت في ضرورة حصولنا على حصتنا الكاملة من المياه، وتكثيف الجهود الفنية لحل الإشكالات دبلوماسيا بعيداً عن لغة التصعيد.
من جانبه، يبين الخبير في الشأن المائي والبيئي جاسم الاسدي، أن "هناك سوء إدارة لملف المياه، وهذا الأمر هو من أبرز أسباب انخفاض مناسيب المياه في جميع الأنهر، بالإضافة إلى التغيير المناخي".
ويوضح الأسدي، أن "نهر الفرات انخفضت مناسيبه إلى مستويات كبيرة، فالمقرر لمستوى تصاريفه عند الحدود العراقية السورية أن يكون ما لا يقل عن 295 مترا مكعبا بالثانية، لكنه وصل قبل أسبوعين إلى اقل من 150 مترا مكعبا بالثانية، كما أن مستوى التصاريف له عند المنطقة بين السماوة والناصرية يجب أن لا تقل عن 60 مترا مكعبا بالثانية، لكنها وصلت 50 مترا مكعبا بالثانية، لذا نجد منسوب الفرات في الوقت الحالي يصل إلى 80 سم ومن المتوقع أن ينخفض إلى 50 سم في نهاية شهر آب المقبل، وهذا الأمر يشكل أزمة حقيقية للأهوار، فلا يمكن وفق هذه الظروف أن يستمر الفرات بتكوين شط العرب كما هو معروف، ولا يمكنه أن يغذي الأهوار أيضا".
يذكر أن تركيا تحاول منذ سنوات، استخدام مياه نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية، فأعلنت عن تشييد عدد من السدود، بدءا من العام 2006، منها سد إليسو الذي دخل حيز التشغيل عام 2018، ما حد من تدفق المياه إلى العراق، وأدى ذلك إلى تفاقم الخوف من النقص الحاد وعدم القدرة على تلبية الاحتياجات اليومية للزراعة والسكان.
كما غيرت إيران مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما ادى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.