يشهد العراق أزمة بيئية تهدد التنوع الإحيائي فيه، حيث تتعرض كثير من الحيوانات البرية لخطر الانقراض والهلاك، وتعود أسباب هذه الأزمة إلى عدة عوامل رئيسة تشمل التقصير الحكومي في حماية البيئة، والتغيرات المناخية العالمية، بالإضافة إلى غياب المحميات الطبيعية الفعالة داخل البلاد، وفقا لمختصين في الشأن البيئي.
ويقول الناشط البيئي، مصطفى المحمود، خلال حديث لـه إن “التغير المناخي يعد واحدا من الأسباب الرئيسة التي تؤثر في البيئة الطبيعية بالعراق، فارتفاع درجات الحرارة وانخفاض مستويات الأمطار يؤدي إلى تقليص مصادر المياه والغذاء للحيوانات”.
ويضيف المحمود، أن “تزايد النشاط الصناعي وغياب الرقابة البيئية والقوانين الصارمة والرادعة، بدوره أدى إلى تلوث الهواء والمياه، ما ينعكس سلبا على صحة الحيوانات والنباتات في المناطق المتضررة”، كما لا ينسى تأثير “الصيد الجائر الذي أصبح مشكلة كبيرة تهدد حياة الكثير من الأنواع الحيوانية في العراق، وتؤدي إلى انخفاض أعدادها على نحو خطير”.
ويعرج المحمود، على “التوسع العمراني غير المنظم الذي أسهم في تدمير المواطن الطبيعية للحيوانات، وصعب عليها العثور على مأوى وغذاء”، مؤكدا من جهة أخرى، أن “الحروب والنزاعات المستمرة في العراق تسببت في تدمير البنية التحتية والبيئية على حد سواء، ما أدى إلى نفوق أعداد كبيرة من الحيوانات، بسبب القصف الحربي والتلوث”.
وعلى مدى سنوات، أخفقت الحكومات العراقية في وضع سياسات وإجراءات فعالة لحماية الحياة البرية والحفاظ على التنوع البيئي، فقد غابت الرقابة البيئية والإجراءات الرادعة ضد الصيد الجائر، بالإضافة إلى ضعف تنفيذ القوانين البيئية، وكل ذلك أسهم في تدهور الوضع البيئي، بالإضافة إلى الفساد الإداري والمالي في بعض المؤسسات الحكومية المعنية بالبيئة.
من جهته، يشير رئيس المركز الإستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، خلال حديث لـه إلى أن “العراق يحتل المرتبة الخامسة في عدد الحيوانات المهددة بالانقراض في المنطقة العربية”.
ويكشف أن “أبرز الحيوانات المهددة في مناطق وسط العراق وجنوبه وغربه وشماله هي: غزال الريم، كلب الماء “ماكسويل”، الرفش الفراتي، الوعل الجبلي، والبلبل أبيض الخدين”، القضاعة ، الزكين طويل الذنب، الرفش الفراتي، الأسماك العمياء، النمر، الرخم، الأفعى القرناء”.
ويكمل الغراوي، أن “التنوع البيولوجي في العراق تأثر بعدد لا يُحْصَى من العوامل، أهمها التغييرات المناخية والعواصف الرملية والجفاف والتصحر والأنشطة البشرية والصيد الجائر وحرق الوقود الأحفوري وإزالة الغابات”.
ويطالب الغراوي الحكومة بـ”تفعيل اتفاقية رامسار لحماية التنوع البيولوجي، ومنع الصيد بالنسبة إلى الحيوانات المهددة بالانقراض واعتباره من الجرائم الخطرة، وإنشاء الكثير من المحميات الطبيعية في عموم محافظات العراق”.
وتعد المحميات الطبيعية من أهم الوسائل للحفاظ على التنوع البيئي وحماية الحيوانات من الانقراض، وفي العراق، تفتقر البلاد إلى وجود محميات طبيعية فعالة، ما يعرض كثير من الأنواع الحيوانية للانقراض نتيجة لعدم وجود أماكن آمنة تحميها من الصيد الجائر وتدمير مواطنها الطبيعية.
وتشهد المنطقة ارتفاعا متواصلا في درجات الحرارة، وتغيرات في نمط هطول الأمطار، مما يؤثر سلبا في البيئات الطبيعية للحيوانات، والجفاف المتزايد ونقص الموارد المائية دفع بكثير من الحيوانات إلى الهجرة بحثًا عن مصادر جديدة للمياه، مما يعرضها لخطر الهلاك نتيجة التغيرات البيئية السريعة.
إلى ذلك، يقول مربي الحيوانات، فراس سمير، خلال حديث لـه، إن “تربية الحيوانات في العراق تعاني من تحديات كبيرة، نتجت عن خسائر مالية وحيوانية كبيرة”، مشيراً إلى أن “مشاريع تربية الحيوانات تفتقر إلى التمويل اللازم من قبل الحكومة”.
ويردف، أن “المناطق الريفية تفتقر إلى البنية التحتية المناسبة لتربية الحيوانات، مثل المرافق البيطرية والمراكز الصحية”، مبيناً أن “المربون بحاجة إلى التدريب المستمر والمعرفة الحديثة في تربية الحيوانات، وهذا لا يتوفر على نحو كافٍ”.
وشهدت البلاد تراجعاً ملحوظًا في مستوى الإنتاج الحيواني بعد عام 2003 نتيجة التجاهل الحكومي للمطالبات والمناشدات من أجل دعم هذا القطاع لما يشكل من مورد اقتصادي مهم للبلاد ويعتمد عليه آلاف المربين والمزارعين.
وفي السياق، يدعو المختص في مجال البيئة، ياسين الخالدي، خلال حديث لـه إلى “إنشاء محميات في العراق لحماية الحيوانات لأن إنشاء مناطق محددة يمنع فيها أي نشاط بشري يمكن أن يضر بالحيوانات أو موائلها الطبيعية”.
ويؤكد الخالدي على ضرورة “تطبيق قوانين صارمة ضد الصيد الجائر والتعدي على المحميات الطبيعية”، داعياً إلى “نشر الوعي بين الناس حول أهمية حماية الحيوانات وطرق المحافظة على البيئة”.
ويكمل المختص البيئي، أنه “يجب إنشاء مراكز لإعادة تأهيل الحيوانات المصابة وإعادتها إلى موائلها الطبيعية”، مطالباً بـ”الاستفادة من الخبرات الدولية والتعاون مع منظمات البيئة العالمية”.