شبّه نواب ومتخصصون التسول بـ"إدمان المخدرات"، بعد أن أقروا بصعوبة السيطرة عليه والحد منه، رغم إشادتهم بحملة وزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى، لكنهم كشفوا في الوقت ذاته، عن طرق وأساليب غير اعتيادية للمتسولين، بينها تبادلهم المناطق والمحافظات، وفيما بينت وزارة العمل أن أغلب هؤلاء مشمولون برواتب الرعاية الاجتماعية، حذر باحث من خطورة التسول على الفتيات، وخاصة ممن لم يبلغن سن الرشد، وهو ما يؤدي لسلوكهن طرقا أخرى.
ويقول عضو لجنة متابعة البرنامج الحكومي، النائب محمد البلداوي، خلال حديث لـه إن "وزارة الداخلية ومجلس القضاء الأعلى، أدركا بشكل واضح خطورة موضوع التسول الذي أصبح مهنة يستغل من خلالها الطبقات الهشة والضعيفة والمعدمة، من قبل أصحاب النفوس الضعيفة، حيث بدأوا يتاجرون بالأطفال والنساء، خاصة في المناطق البعيدة عن الوعي والثقافة والعلم".
ويقارن البلداوي الأمر بتجارة المخدرات، وتجارة الأعضاء البشرية، ويقول إن "الأمن الوطني والأجهزة الأمنية ألقت القبض على أكثر من حالة لببيع الأطفال وعصابات سرقة الأطفال ونقلهم إلى مناطق أخرى لغرض التسول والاستغلال، كما أن هنالك من استغل الفقر المدقع وقلة الوعي والثقافة من أجل استثمار هذه الحالة واستغلال مشاعر الناس، ولا سيما في أيام شهر رمضان، حيث أصبحت تجارة يستغل فيها الإنسان وتمتهن كرامته".
وأظهرت وثيقة تحمل توجيها من رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، إلى محاكم الاستئناف، بشأن حملة مكافحة الاتجار بالبشر وإنهاء ظاهرة التسول، لما تشكله من خطر على أمن المجتمع، كما ورد في الوثيقة.
ويلفت إلى أن "موضوع التسول يجعل من الإنسان عاهة مستديمة على المجتمع، فمن يدمن على عملية التسول لا نستطيع علاجه، فهو أشبه بمدمن المخدرات"، مشيرا إلى أن "اجتثاث المسؤولين عن هذه العصابات حالة إيجابية، ويجب على المجتمع أن يتعاون لفسح المجال للمحتاجين فعلا".
ويتابع البلداوي، أن "ما تقوم به وزارة العمل والشؤون الاجتماعية والمنظمات الإنسانية ومنظمات المجتمع المدني والمرجعيات الدينية التي تعيل الملايين من العوائل الضعيفة والهشة المتعففة، عمل كبير ومع ذلك هناك من يستغل بعض العوائل والأطفال من أجل تجارة رائجة، بالتالي نحن نقف مع القضاء ومع وزارة الداخلية ومع المجتمع ومع العشائر والشيوخ من أجل مكافحة هذه الظاهرة".
وخلال الأسبوع الماضي، أعلنت وزارة الداخلية عن بدء حملة كبرى لمنع التسول في عموم العراق، بإشراف اللجنة العليا لمكافحة الاتجار بالبشر، ومن خلال قسم مكافحة الاتجار بالبشر في مديرية مكافحة الجريمة المنظمة بوكالة الاستخبارات والتحقيقات الاتحادية.
وتعج طرقات وتقاطعات العاصمة بغداد بمئات المتسولين، بينهم أطفال ونساء ورجال كبار في السن، وأعدادهم ترتفع بصورة مستمرة، وخاصة الأطفال والفتيات بأعمار المراهقة، من دون أن يكون هناك أي رد فعل حكومي تجاه تنامي هذه الظاهرة.
وكان رئيس الحكومة السابق مصطفى الكاظمي، أعلن عن إطلاقه حملة لمكافحة التسول، وقال في حينها "شخّصنا عصابات تستغل قضايا إنسانية أبشع استغلال من خلال التسوّل ووجهنا وزارة الداخلية متابعة الموضوع ومعالجتها وملاحقة هذه العصابات وتقديمها أمام القانون"، وقد أصدر بوقتها توصية لوزارتي الداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية لمعالجة الظاهرة.
وزارة العمل آنذاك، أعلنت عقب التوصية مباشرة، عن استعدادها لتنفيذ مقررات مجلس الوزراء بخصوص الحد من ظاهرة التسول بالتعاون مع الداخلية، فيما أعلنت الداخلية من جانبها أن الكاظمي أكد على تكثيف الجهود لمحاربة عصابات التسول.
وبالتوجه لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يوضح المتحدث باسمها نجم العقابي، خلال حديث لـه أن "الوزارة لا تمتلك قاعدة بيانات تخص المتسولين، ولكن الكثير منهم مشمول براتب الرعاية الاجتماعية من كبار السن وغيرهم وكانت لدينا حملات كبرى سابقا على المتسولين وأخذنا تعهدات منهم بعدم العودة للتسول مرة أخرى".
وعن الحلول التي تقدمها الوزارة، يوضح العقابي "بالنسبة للأطفال إذا كانوا مشردين يوجد لدينا دور خاصة لإيوائهم، أما المتسولون فمن مهام جهات أخرى إضافة إلى أنهم من ضمن عوائل، فإذا كانت عائلة المتسول مطابقة للشروط الخاصة بالرواتب الاجتماعية فبالتالي يتم شمولهم".
ويرى أن سبب إطلاق حملة للتصدي لهذه الظاهرة هو "انتشار المتسولين في التقاطعات والخطورة على حياتهم هو ما دفع وزارة الداخلية بالإضافة إلى جهات ساندة، لاسيما أن هذه الحملات تنظم من جهات عدة وليست وزارة بذاتها"، مؤكدا أن "المتسولين يتبعون نظاما في انتشارهم، فأهل المحافظات يأتون لبغداد وسكنة بغداد يذهبون إلى المحافظات".
وكان المتحدث باسم وزارة الداخلية اللواء خالد المحنا، كشف سابقا، عن وجود ثلاثة أنواع من المتسولين: النوع الأول هم المتسولون المحتاجون، وهم الأشخاص الذين يكونون تحت خط الفقر، ويقومون بالتسول لتوفير أدنى مستوى من احتياجاتهم الفعلية، أما النوع الثاني فهم الأشخاص من الجنسيات غير العراقية ومن بينهم الهنود والسوريون، والنوع الثالث وهو متعلق بعصابات الجريمة المنظمة، التي تستغل المتسولين.
إلى ذلك، يبين الباحث الاجتماعي محمد المولى، خلال حديث لـه أن "هنالك فرقا كبيرا بين الأطفال المتسولين وبين التسرب المدرسي، فحينما نتجول بالقرب من المتسولين وتحديدا الأطفال نسمع الكثير من القصص يمكن من خلالها تمييز من هم هؤلاء، وعلى الحكومة أن تتخذ القوانين المناسبة في ما يخص هذا الأمر".
ويشير إلى أن "التسرب المدرسي هو حالة منتشرة لأسباب كثيرة منها اقتصادية واجتماعية وعائلية، وعلى الدولة أن تأتي بقانون لرعاية الأسرة العراقية على أن يشمل هذا القانون جميع الأسر العراقية في التعداد لتكون هناك رؤية حقيقية للوضع الاقتصادي والوضع العام، فمن غير هذه الرؤية الإستراتيجية ستبقى هذه الظواهر موجودة في المجتمع ولن نستطيع معالجتها لأنها متشعبة، وليس لها قاعدة بيانات ولذلك نشدد على أن تكون هنالك قاعدة بيانات مع عمل تعداد عام للسكان ضمن الهيئة المقترح وجودها أو ضمن هذه الرؤية داخل الدوائر الساندة وهذا هو الطريق الصحيح".
ويشدد المولى على ظاهرة خروج الفتيات للتسول في عمر صغير، لافتا إلى أن "هذه الشرائح مهددة بالخطر، ويجب أن تتابع لأنها نواة عانت الفقر والحرمان فتكون معدة لكل الانحرافات، وهنا تكون جميع الأجناس مهددة بالانحراف وقد تكون بعيدة عن السلوك الأخلاقي".
وينص قانون التعليم الإلزامي في العراق رقم 118 لسنة 1976، النافذ لغاية الآن، على: أن يعاقب بغرامة لا تزيد عن 100 دينار، ولا تقل عن دينار واحد، أو بالحبس لمدة لا تزيد عن شهر واحد، ولا تقل عن أسبوع واحد، أو بكلتيهما، ولي الولد المتكفل فعلا بتربيته، إذا خالف أياً من احكام هذا القانون.
وكان الجهاز المركزي للإحصاء، كشف في 2019 أن العام الدراسي 2017 – 2018، هو أكثر الأعوام تسرباً للطلبة من المرحلة الابتدائية، حسب إحصائية أجراها على جميع المحافظات، واتضح أن أغلب المتسربين من المدارس الابتدائية دون سن 15 عاما، بواقع 131 ألفا و368 طالبا، نسبة الإناث منهم 47 بالمائة، فيما كان عدد المتسربين للعام الدراسي 2016– 2017 هو 126 ألفا و694 طالبا.