01 Jun
01Jun

بغداد وأنقرة، علاقة تحكمها ملفات شائكة كثيرة، فبعد فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بولاية رئاسية جديدة أمدها 5 سنوات، وجد مراقبون أن مسار العاصمتين لن يتغيّر كثيرا، وستكون الدفة بيد أردوغان وليس العراق، وهو من سيحدد شكل المرحلة المقبلة، رغم أنه لن يتجه للكثير من التغييرات وسيبقي الأمور على وضعها الحالي وخاصة بملفات المياه والأمن والسياسة، لكن وجهة نظر أخرى، تستند إلى رغبة تركيا بالتقارب مع الولايات المتحدة وابتعادها عن المحور الروسي الإيراني، ما قد ينعكس على طبيعة تعاطيها مع العراق بشكل واضح.

ويقول رئيس مركز التفكير السياسي إحسان الشمري،"لن يكون هناك أي تغيير بسياسة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تجاه العراق، خصوصاً وهو المتعاطي بشكل كبير جداً والمدرك طبيعة مراكز القوى في الداخل العراقي، ولهذا سياسة اردوغان تجاه العراق سوف تستمر دون أي تغيير فيها".

ويبين الشمري، أن "تركيا حصلت في زمن أردوغان على الكثير من المصالح نتيجة سياستها تجاه العراق، منها زيادة حجم التبادل التجاري ونجاح سياسة الردع ضد حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، مع وجود علاقات متميزة مع قوى سياسية عراقية، ولهذا لا تغيير في سياسة الرئيس التركي تجاه العراق بعد فوزه في الانتخابات التركية الأخيرة".

ويضيف أن "الرئيس التركي ربما سيبدي بعض المرونة، وهذا أمر متوقع تجاه بعض الملفات، لكن لا نعتقد أن أردوغان سيمضي نحو عقد اتفاق بملف المياه وغيرها من الملفات، فهذا بعيد جداً، كما سيعمل على زيادة الاستثمارات التركية في الداخل العراقي، وسيكون له اهتمام بملف النفط والطاقة، وسيكون متحكما بجزء من هذا الملف".

ويتابع رئيس مركز التفكير السياسي أن "العراق يمتلك قاعدة تعاط وتعامل مع الرئيس التركي، وهذا يتيح للعراق اذا ما استثمر أدواته واستثمر علاقاته الشخصية مع أردوغان، أن يوجد فارقاً، لكن من وجهة نظري لم نشهد هذا الفارق من قبل العراق، خصوصاً أن العراق سابقاً لم يستثمر حتى أوراق الضغط التي يمتلكها، ولهذا العلاقات العراقية – التركية، سيحددها أردوغان أكثر مما تحددها الحكومة العراقية".

وفاز الأحد الماضي، الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بالانتخابات الرئاسية، بعد منافسة قوية أمام كمال أوغلو، حيث جرت الانتخابات على جولتين، وفي كلا الجولتين حصل أردوغان على النسبة الأعلى من الأصوات، لكنه في الأولى لم يصل لنسبة الـ50 بالمئة المقررة للفوز.

ويرتبط العراق مع تركيا بملفات كثيرة، تشمل كافة المجالات، ولعل أهمها ملف المياه، حيث قللت تركيا الإطلاقات المائية للعراق بشكل كبير، وبلغت نسبة ما يرده 30 بالمئة فقط من استحقاقه الأساسي، وذلك عبر بنائها السدود على نهري دجلة والفرات، لتوليد الطاقة الكهربائية.

ولا توجد اتفاقية مياه بين العراق وتركيا، وإنما هناك بروتوكولات تم توقيعها بين الجانبين على مر العقود الماضية تتعلق بحصص المياه العابرة إلى الأراضي العراقية.

والملف البارز الآخر، هو الأمني، المتمثل بتنفيذ أنقرة عمليات عسكرية واسعة عبر الطيران والتوغل البري، في إقليم كردستان، بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، الذي تصنفه أنقرة على أنه إرهابي.

ومنذ مطلع العالم 2021، صعدت تركيا من عملياتها في العراق بشكل كبير، ونفذت العديد من عمليات الإنزال الجوي، فضلا عن إنشاء نقاط أمنية بعد دخول قواتها البرية لمناطق مختلفة من دهوك ونينوى، إضافة إلى إعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية جديدة في الأراضي العراقية، وذلك بهدف ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وخاصة في قضاء سنجار بنينوى.

من جهته يؤكد رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، أن "الثوابت في السياسة الخارجية التركية، ستبقى كما هي عليه بالنسبة لأردوغان في ولايته الجديدة، بمعنى حماية المصالح الاقتصادية والتجارية التركية مع جميع بلدان الشرق الأوسط، خصوصاً العراق، الذي يعتبر شريكا تجاريا مهما لتركيا، خصوصاً مع وجود تحول مهم في العلاقات العراقية – التركية، بعد سعي العراق لتنفيذ مشروع التنمية".

ويبين فيصل، أن "لتركيا مصالح تتعلق بالأمن القومي التركي، وتهديدات حزب العمال الكردستاني ضد أنقرة، فهذا الملف سيبقى مستمرا كملف ساخن في العلاقات العراقية – التركية، من أجل مواجهة هذه الجماعة في شمال العراق، وهذا الأمر لم يشهد أي تغيير في سياسة أردوغان في ولايته الجديدة، كذلك الملف السياسي العراقي الداخلي، وغيره من الملفات، التي لم تغير تركيا سياستها تجاهه خلال المرحلة المقبلة".

ويضيف أن "تركيا بعد فوز أردوغان في ولايته الجديدة، لن تغير كذلك مواقفها بشأن الأزمة في سوريا، كذلك بعض القضايا الخارجية الساخنة، فتركيا على صعيد المنطقة والعالم، لن تغير أيا من مواقفها خلال السنوات المقبلة، وستعمل على تعزيز أمنها وتجارتها".

وفي تموز يوليو 2022، قصفت القوات التركية مصيفا سياحيا في قرية برخ التابعة لقضاء زاخو بمحافظة دهوك، ما تسبب بإصابة ومقتل 31 مدنيا أغلبهم من النساء والأطفال، وسط تأكيدات شهود عيان في المنطقة بأن هذا المصيف يقع عند حدود زاخو وتحيط به نقاط القوات التركية، ولا يشهد أي نشاط إرهابي من قبل أي جماعة.

وتقدم العراق بشكوى لدى مجلس الأمن الدولي بشأن القصف التركي، وعقد المجلس جلسة في 26 تموز يوليو الماضي، وفيها أكد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين أن الأدلة من موقع الاعتداء على مصيف دهوك، تضمنت شظايا مقذوفات مدفعية ثقيلة، هي ذاتها التي يستخدمها الجيش التركي، وأن هناك حالة من الغضب الشعبي العارم الذي يجتاح العراق من الجنوب إلى الشمال بسبب الاعتداء التركي.

بدوره، يعتقد المحلل السياسي غالب الدعمي أن "هناك تغييرا كبيرا سيطرأ على السياسة التركية خلال المرحلة المقبلة، فالرئيس التركي، سيبتعد عن المحور الإيراني – الروسي، وسوف يقترب من المحور الأمريكي"، لافتا إلى أن "أردوغان ادرك جيداً أن المحور الإيراني – الروسي لا يخدم تركيا، خصوصاً وأن تركيا تعاني من وضع اقتصادي غير مستقر".

ويبين الدعمي، أن "الرئيس التركي سيعمل على ترتيب وضعه الداخلي وتقوية الاقتصاد الداخلي، من خلال التقرب إلى الولايات المتحدة الأمريكية، ولهذا لا يريد استقبال الرئيس السوري بشار الأسد، ولن يسحب القوات التركية من شمال سوريا، وهو ما سيكون إلى جانب المحور الأمريكي".

ويضيف المحلل السياسي، أن "هذا التغيير في مواقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سيدفعه إلى التغيير في سياسته تجاه العراق بمختلف الملفات، وستكون له سياسة جديدة في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بعد حصوله على الدعم الأمريكي خلال الفترة المقبلة".

بالمقابل، فإن حجم صادرات تركيا للعراق، بلغ مستويات مرتفعة تجاوزت الـ15 مليار دولار، وسط مساع تقودها أنقرة لإيصاله إلى 20 مليار دولار، ووفقا للإحصائيات التي تصدر شهريا، فأن العراق دائما ما يتصدر قائمة المستوردين من تركيا، وبكل المجالات بدءا من المواد الخام وصولا إلى السكائر والمشروبات والمواد الغذائية.

وإلى جانب هذه الملفات، فإن أردوغان له اليد الطولى على بعض القوى السياسية العراقية، وخاصة التابعة للمكون السني، وسبق وأن كان السبب بجمع رئيس المشروع العربي خميس الخنجر ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ما نتج عن الصلح بينهما تشكيل تحالف السيادة، وذلك فضلا عن العلاقة التي تربط الشخصيتين بأردوغان ورئيس جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان، وهذا ما يتجسد عبر اللقاءات المستمرة بين هذه الأطراف.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة