قوبلت الخطوات الحكومية لاسترداد الأموال المسروقة، وخاصة الموجودة خارج البلد بإشادة من قبل متخصصين، رغم قلة هذه المبالغ وعدم تشكيلها نسبة مرتفعة مما سرق، لكن جرى التأكيد على أن عملية استرداد الأموال تأخذ سنوات طويلة، شريطة أن تبقى مستمرة بالوتيرة نفسها ولا تشهد توقفا أو انقطاعا.
ويقول الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، خلال حديث له، إن "تجارب العالم تؤكد أن قضية استرداد الأموال ليست بالعملية السهلة، وتحتاج لسنوات طويلة، فعلى سبيل المثال استغرق استرداد الأموال المسروقة من نيجيريا قرابة 18 عاماً".
وبالنسبة للعراق، يضيف الصوري، أن "تشعب الأموال المسروقة بين جهات عديدة يضع الحكومة العراقية في اختبار صعب، ويفرض عليها إجراءات متعددة، تبدأ بتمتين العلاقات الدبلوماسية، فضلاً عن تفعيل القوانين، وتشكيل جهات مختصة لتطبيق تلك القوانين، فالقوانين متوفرة والجهات المختصة موجودة، متمثلة بهيئة استرجاع الأموال المهربة أو المنهوبة، أما في ما يخص الجهد الدولي فيتمثل بتوقيع اتفاقيات عديدة في هذا الشأن، بما فيها اتفاقية باريس الأخيرة".
ويبين أن "العراق استطاع استرداد مبالغ لا بأس بها من الأموال المسروقة في ملف سرقة القرن على الرغم من تعدد ملفات الفساد، وأن استرداد الأموال بالتتابع وإن كانت قليلة، يدلل أن الحكومة العراقية تسير بالطريق الصحيح في هذه العملية، على الرغم من أن التقديرات تشير إلى سرقة مبالغ تتراوح بين 150 إلى 450 مليار دولار أمريكي".
وكان مكتب رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، أعلن يوم أمس عن تمكن الجهات المختصة من استرداد مبلغ يزيد على 80 مليون دولار، من الأموال المسروقة وإعادة إدخالها لخزينة الدولة.
يشار إلى أن السوداني، ظهر سابقا، في مؤتمر صحفي، تم الترويج له قبل عقده بساعات، وهو يتوسط 182 مليار دينار (نحو 120 مليون دولار)، معلنا عن استردادها من خارج البلاد، ضمن ما بات يعرف بـ"سرقة القرن"، البالغة 2.5 مليار دولار.
ومؤخرا تواردت أنباء، عن إعادة أحد المتهمين بسرقة القرن، لمبلغ 4 مليارات دينار 2.6 مليون دولار، هي جزء من مبلغ 17 مليار أكثر من 11 مليون دولار، يفترض أن يعيدها المتهم، وبحسب بعض المصادر فأنه مستشار رئيس الحكومة السابق هيثم الجبوري.
جدير بالذكر، أن محكمة استئناف الكرخ، وجهت الشهر الماضي كتابا إلى وزارة المالية، بشأن رفع شارة الحجز عن شركة العاصمة لاستيراد وخدمات وصيانة القطارات والسكك الحديد والاستثمارات العقارية والصناعية ونصب وتشغيل وصيانة محطات توليد الطاقة الكهربائية، العائدة للمتهم بسرقة القرن نور زهير جاسم المظفر وزوجته وأولاده، نظرا لاستمراره بإعادة الأموال التي بحوزته لخزينة الدولة دون ذكر مقدارها.
من جانبه، يرى الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، خلال حديث له أن "استرداد مبلغ 80 مليون دولار يعتبر زهيدا قياساً بالمبلغ الذي سرق في سرقة القرن وحدها، والمقدر 3 تريليونات و 700 مليار دينار، وبالتالي فالمبلغ لا يشكل إلا نسبة بسيطة، ولكن من المهم أن تستمر الإجراءات دون توقف، مع ملاحقة السراق، سواء داخل العراق أو خارجه".
ويضيف المرسومي أن "العراق يسعى للاتفاق مع دول عديدة في شأن استرداد الأموال، مع تفعيل الجهد الأمني والاستخباري، الذي زود الانتربول بالعديد من الأسماء، بغية وضع اليد على أموالهم، وحتى القبض عليهم، وهذا ناتج عن وجود الأموال المسروقة خارج العراق أكثر من داخله، وهذا بالتأكيد يحتاج لمدة زمنية طويلة، عبر اجراءات دولية دبلوماسية، وجهد امني تعاوني بين العراق البلدان التي توجد فيها الأموال العراقية".
وكان صندوق استرداد أموال العراق، دعا أواخر العام الماضي، المواطنين داخل وخارج البلد إلى التعاون لاسترداد الأموال، مؤكدا أن المتعاونين معه من المخالفين سيتم إعفاؤهم من المبالغ المترتبة بذمتهم وبنسبة 25 بالمئة ولغاية 5 ملايين دولار من المال المسترد كحد أعلى، كما منح مكافأة للمخبر بنسبة 10 بالمائة على أن لا تتجاوز 5 ملايين دولار من المال المسترد.
وكانت وزارة العدل، كشفت منتصف العام الماضي، عن اتخاذها خطوات متسارعة لاستعادة أموال البلاد المجمدة في الخارج والتي تعود إلى أشخاص على صلة بالنظام السابق، مؤكدة أن العراق رفع دعاوى قضائية بحق العديد من الشركات والأشخاص خارج البلاد، لاستيلائهم على الأموال المجمدة، وهم كيانات وأفراد، يرفضون تسليم الأموال على الرغم من أنها تعود للدولة العراقية.
وبحسب وزارة العدل، فإنه لا توجد إحصائية عن مقدار الأموال المجمدة وغير المجمدة الموجودة في الخارج، كون أغلب هذه الأموال مسجلة بأسماء شركات أو أشخاص منذ حقبة النظام السابق، لكنها أكدت أن أغلب الأموال في سويسرا والدول الأسكندنافية.
بدوره، يذكر المحلل السياسي راجي نصير، خلال حديث له أن "الحكومة العراقية منذ اليوم الأول لها أعلنت أنها تتجه نحو محاربة الفساد، وهو أولوية بالنسبة لها، وهذا نابع من استفحال الفساد، وبلوغه مستويات خطيرة داخل العراق، إذ تصل ملفات الفساد إلى الآلاف، فكل دائرة من دوائر الدولة فيها ملفات فساد عديدة".
ويعتقد نصير، أن "موضوع محاربة الفساد لا يتعلق بخطوات سياسية تتبعها الحكومة هنا وهناك، أو بيانات في توقيتات معينة، بل هي ملفات تصل مرحلة الجهوزية، ثم يتم الإعلان عنها، فإذا استذكرنا اعتقال رئيس هيئة الضرائب، مع زوجته وشبكته من المتعاونين معه، ثم الإعلان عن ملفات فساد في الديوانية وفي مطار النجف، ومحافظات أخرى، وهذه كلها لم ترتبط بملف سرقة القرن ولا بأي توقيت يسهم بخدمة الحكومة".
وعن التكتم على مرجعية الأموال المسروقة وإعلان استردادها دون إعلام الجهة المسؤولة عن تهريب المبالغ، يفيد بأن "رئيس الوزراء أكد في مقابلة تلفزيونية على استرداد الأموال دون محاسبة السراق، وهذا ما تركز عليه الحكومة العراقية حالياً، تبعاً لعدم قدرة الحكومة الحالية ولا الحكومات السابقة ولا اللاحقة على ملاحقة رؤوس الفساد الكبيرة، ولكن خطوات الحكومة نحو استرداد الاموال جيدة إلى الآن، وهو أمر ضروري، قد يحد من تهريب الأموال في المستقبل".
يشار إلى أنه جرى الإعلان أكثر من مرة عن استعادة أموال مجمدة من بعض الدول الأوروبية، وتراوحت بين 20 - 40 مليون دولار، وهي لا تمثل نسبة عالية من مجموع المبالغ التي تقدر بأكثر من ملياري دولار.
يذكر أن رئيس الجمهورية السابق قدم العام الماضي، مشروع قانون "استرداد عوائد الفساد" إلى البرلمان، لاسترداد الأموال التي نهبت خلال سنوات ما بعد 2003، ويستهدف مشروع القانون كل من شغلوا مناصب مدير عام وما فوق في كل من الشركات الحكومية والعامة منذ إنشاء النظام الجديد عام 2004، وبموجب القانون، سيتم فحص المعاملات التي تزيد عن 500 ألف دولار بالإضافة إلى الحسابات المصرفية، ولاسيما تلك التي تحتوي على أكثر من مليون دولار، وسيتم إلغاء العقود أو الاستثمارات التي تم الحصول عليها عن طريق الفساد.