أزمة متشعبة جديدة تحيط بعلاقة بغداد وأربيل، ففي الوقت الذي لم يصل فيه وفد الحزب الديمقراطي الكردستاني إلى العاصمة، لأي توافق بشأن حصة الإقليم في الموازنة أو تفعيل المادة 140 أو حل المشاكل النفطية، عززت من جانب آخر زيارة الوفد الانقسام الكردي، نظرا لمقاطعة الاتحاد الوطني لهذه الزيارات بعد أن كانت الوفود الكردية تأتي موحدة سابقا، بل كشف الأخير أنه سيفاوض بغداد بشكل منفصل، وأن ما يجري قد يتسبب بتصعيد أكبر بين الحزبين الكرديين وأن يؤثر ذلك على مكتسبات الإقليم بشكل عام.
ويقول القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، وفاء محمد كريم، خلال حديث له إن "وفدا رفيع المستوى من حكومة إقليم كردستان متواجد في العاصمة بغداد منذ يومين برئاسة وزير المالية آوات جناب، وهذا الوفد يخوض مفاوضات مع الجهات الحكومية الفنية والقانونية والسياسية في الحكومة الاتحادية".
ويوضح كريم، أن "وفد أربيل يناقش في بغداد الملفات العالقة المتعلقة بالنفط والتخصيصات المالية، وهو حالياً يخوض مناقشات بشأن حصة الإقليم ضمن قانون موازنة سنة 2023، فحتى الساعة لا يوجد أي اتفاق رسمي أو غير رسمي بشأن هذه النسبة، كما تجري مناقشات بشأن أهم فقرات قانون النفط والغاز، الذي من المؤمل تشريعه خلال الفترة المقبلة وفق الاتفاق السياسي بين القوى المتحالفة في ائتلاف إدارة الدولة".
ويضيف القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني، أن "الوفد، سيناقش أيضاً ملف المادة (140) من الدستور العراقي، المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، فهذه الفقرة الدستورية، يجب تطبيقها وهناك اتفاق على ذلك"، مؤكدا أن "هذا الملف سيكون محورا رئيسيا في حوارات الوفد الكردي ببغداد مع كافة الأطراف السياسية والحكومية المختصة".
ويخلص كريم إلى أن "الوفد الكردي سيبقى في العاصمة بغداد لمدة ليست بالقصيرة فهو يريد للمفاوضات أن تحسم الملفات العالقة، وهذا الوفد له صلاحيات واسعة في التفاوض والاتفاق".
ووصل أمس الأول، وفد من حكومة إقليم كردستان، يضم فقط أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني، ووفقا لرئيس ديوان مجلس وزراء إقليم كردستان أوميد صباح، فأن الزيارة تأتي في سياق الزيارات الرسمية التي تقوم بها حكومة كردستان إلى بغداد للتوصل إلى اتفاق بشأن مسألة النفط والغاز والموازنة والحقوق المالية ومستحقات الإقليم.
وكان نائب رئيس حكومة إقليم كردستان قوباد طالباني زار بغداد، في 30 من الشهر الماضي، والتقى بداية مع السوداني وبحث معه التنسيق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم وصولاً إلى تحقيق تفاهمات في العديد من الملفات وحل الإشكالات القائمة بما يعزز الاستقرار ويحقّق المصلحة العامة للبلد، وفقا للبيان الرسمي، ثم التقى، رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي.
وكانت المحكمة الاتحادية العليا، أصدرت الشهر الماضي، قرارا، يقضي بإلغاء جميع القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان، ونص قرارها على "الحكم بعدم صحة القرارات الصادرة من قبل مجلس الوزراء في عامي 2021 ومطلع 2022" بشأن تحويل الأموال لإقليم كردستان، مضيفة أن "الحكم بات وملزم للسلطات كافة".
يشار إلى أن موازنة 2021، نصت على أن يسلم إقليم كردستان العراق الحكومة الاتحادية 460 ألف برميل نفط ونصف إيرادات المنافذ الحدودية، وبعد احتساب كلف التشغيل والإنتاج، من المفترض أن يسلم الإقليم 250 ألف برميل نفط إلى بغداد، فيما تم تأجيل تسوية الأموال السابقة التي بذمة الإقليم، (وهي متراكمة نتيجة عدم تسليمه إيرادات النفط والمنافذ للحكومة الاتحادية)، لكن لم يسدد الإقليم حتى الآن أي مستحقات للحكومة الاتحادية.
من جهته، يؤكد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني غياث السروجي، خلال حديث له أن "الوفد المتواجد في بغداد حالياً يمثل الحزب الديمقراطي الكردستاني فقط، فنحن لسنا جزءا من هذا الوفد وحتى وزراؤنا مازالوا مقاطعين لجلسات مجلس الوزراء في الإقليم والحكومة هناك".
ويضيف السروجي: "كان من المرتقب أن يكون هناك اجتماع بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، خلال اليومين الماضيين لحسم الخلافات بين الطرفين، لكن الاجتماع تم إلغاؤه لوجود تصعيد إعلامي بين الطرفين، ولهذا لا يوجد أي اجتماع محدد يجمع الطرفين حتى الساعة لحسم الخلافات بين الحزبين الكرديين".
ويتابع أن "الاتحاد الوطني الكردستاني يدعم أي تفاوض وحوار يحقق مصالح شعب إقليم كردستان، ونحن أيضا سيكون لنا حراك من أجل الحوار مع الأطراف السياسية والحكومية في بغداد لضمان حصة عادلة من الموازنة للإقليم وكذلك نيل استحقاق الإقليم الدستوري والقانوني، بمختلف الملفات العالقة والخلافية بين الإقليم والمركز".
وكان رئيس إقليم كردستان نجيرفان بارزاني، أجرى زيارات عديدة إلى بغداد مؤخرا، وبحث مع السوداني أطر العمل بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ضمن أهداف المنهاج الوزاري، وأكد السوداني له، بحسب البيانات الرسمية في حينها التزام الحكومة الاتحادية بالدستور العراقي لمعالجة الملفات العالقة مع حكومة الإقليم بما يضمن حقوق جميع المكونات.
من جهته، يرى المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث له، أن "ذهاب الكرد بشكل منقسم للتفاوض مع الحكومة الاتحادية وكذلك القوى السياسية في بغداد، سوف يضعف موقفهم، وهذا الضعف، ربما يدفع بعض الأطراف الكردية للتنازل عن بعض الشروط، ولهذا الانقسام الكردي لا يخدم الإقليم بكل تأكيد".
ويبين جودة أن "القوى الكردستانية طيلة السنوات الماضية، كانت تأتي إلى العاصمة بغداد بوفد موحد يمثل كل الأطراف الكردية، لكن حالياً الوفود منقسمة بسبب خلافات داخلية في الإقليم، وهذا سوف يصعب من أي تفاوض بشأن حصة الإقليم وكذلك الملفات الأخرى العالقة المالية والنفطية".
ويضيف المحلل السياسي أن "الخلافات السياسية في إقليم كردستان بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، كبيرة جداً ووصلت إلى توجيه الاتهامات الخطيرة بين الطرفين، وربما الموقف سوف يشهد تصعيدا جديدا في قادم الأيام داخل الإقليم بسبب هذه الخلافات، التي ربما ستنعكس على المستوى الاجتماعي".
يذكر أن الحزب الديمقراطي الكردستاني، انضم بعد انسحاب الكتلة الصدرية إلى الإطار التنسيقي، وشكلا مع جميع القوى السياسية الأخرى، تحالف إدارة الدولة، الذي أنتج الحكومة الحالية، وذلك بعد انسداد سياسي استمر لأكثر من عام.
جدير بالذكر، أن المحكمة الاتحادية أصدرت، منتصف شباط فبراير 2022، قرارا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز في إقليم كردستان، ومنعته من تصدير النفط لصالحه، على أن يكون التصدير عن طريق بغداد حصرا، بناء على دعوى رفعتها وزارة النفط الاتحادية، ومن ضمن قرارات المحكمة الاتحادية، هو استقطاع مبالغ تصدير النفط من نسبته بالموازنة في حال عدم التزام إقليم كردستان بتطبيق القرار.