قمّة القاهرة للسلام، اجتماع آخر بلا نتائج حقيقية، بل عقد لغرض التعبير عن الاستنكار والإدانة فقط، رغم أن الحضور فيه على مستوى قادة ورؤساء دول، كما يرى مراقبون للشأن السياسي، وما عزز عدم جدواه هو استمرار القصف الإسرائيلي على قطاع غزة في توقيت عقد القمة ذاته.
المراقبون، عزوا الموقف العربي "الخجول" من القضية الفلسطينية، إلى وجود اتفاقيات وحدود تحكمها ولا يمكنها أن تتجاوزها، وخاصة للدول المطبعة حديثا مع إسرائيل، مؤكدين أن هذه المؤتمرات هي امتداد للقمم السابقة، ولا يمكن التعويل على نتائجها أبدا.
ويقول المحلل السياسي نزار حيدر، خلال حديث لـه إن "عنوان قمة القاهرة يثير السخرية، كما أنه يستهين بدماء الشعب الفلسطيني، فعن أي سلام والشعب الفلسطيني يتعرض لإبادة جماعية وتهجير، وتتعرض مدنه لسياسة الأرض المحروقة".
ويضيف حيدر، أن "المتخاذلين يتحدثون عن السلام، وفي نفس الوقت الذي يتحدث فيه الطرف الآخر وهو إسرائيل عن استمرار الحرب، وبرأيي فإن القمة شجعت الكيان الصهيوني على مواصلة حرب الإبادة ضد الفلسطينيين، فهي لم تأت بجديد، وحتى الخطابات التي ألقاها زعماء الوفود المشاركة لم تتعد الوصف والتكرار وكأنهم مراسلو قنوات فضائية أو صحف، واستغرقوا في توصيف الحال سابقاً وحالياً وربما حتى لاحقا".
ويتساءل "ما هو المشروع الحقيقي المختلف الذي خرجت به القمة، لا شيء، فلقد ظلَّ الملف محصوراً بيد الولايات المتحدة الأمريكية، فهي الراعي الحصري لكل حرب وتصعيد تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة، ومن بعد ذلك كل مفاوضات تنطلق قد تصل إلى مرحلة معاهدات سلام أو تطبيع"، مستطردا "من الطبيعي جداً أن لا ننتظر من مثل هذه القمة قرارات مصيرية وحاسمة، لأن الدول العربية، على نوعين، فأما انها محطمة غير قادرة على فعل شيء وتجود بنفسها منذ عقود، أو انها مرتبطة بمعاهدات سلام وتطبيع لا تسمح لها أن تفعل شيئاً يغضب إسرائيل أو يخرج عن المألوف".
وعقدت يوم أمس، في العاصمة المصرية، قمة القاهرة للسلام، بمشاركة 31 دولة بينها دول عربية و3 منظمات دولية، وتنوعت المشاركة بين رئيس الدولة أو وزراء الخارجية ورؤساء الحكومات، وقد شارك العراق فيها عبر رئيس الحكومة محمد شياع السوداني.
استعرضت كل دولة موقفها من القضية الفلسطينية خلال القمة، وتركزت أغلب الكلمات على التنديد والإدانة للقصف الذي تتعرض له غزة والحصار المفروض عليها، لكنها لم تخرج ببيان ختامي، بسبب اختلاف مواقف الدولة المشاركة، إذ جرى الخلاف بين الدول العربية والأوروبية، حيث طالبت الأخيرة بتضمين البيان إدانة لحركة حماس وعدم الدعوة لوقف فوري لإطلاق النار، وهو ما رفضته الدول العربية، ما دعا مصر إلى إصدار بيان منفرد.
إلى ذلك، يبين المحلل السياسي محمد علي الحكيم، خلال حديث لـه، أن "مؤتمر القاهرة حول غزة، لم يأت بشيء جديد، سوى الشجب والاستنكار والإدانة، ولا فرق بينه وبين القمم العربية التي شاهدناها في السنوات السابقة، إلا أن الفرق الوحيد هو أن مؤتمر أمس كان موسعا بشكل ملحوظ".
ويلفت الحكيم، إلى أن "كلمات ومداخلات لدول غربية، دانت المقاومة الفلسطينية ووصفتها بالإرهابية، في ظل اكتفاء الدول العربية والإسلامية بالشجب والإدانة، لذلك فإن التعويل على هكذا مؤتمرات هو عبارة عن إلهاء للشارع الإسلامي والعربي المحتقن والغاضب".
ويؤكد أن "الملفت للنظر أنه في ظل إلقاء كلمات الزعماء والملوك والوفود، كانت إسرائيل تقصف غزة، وهذا يدل أن الطرف الإسرائيلي لا يعير أية أهمية للكلمات الرنانة والمواقف التي تخرج من البعض، في تحد واضح ومكشوف وملموس للجميع دون استثناء"، مبينا أن "ما نشهده اليوم من مؤتمرات وقمم لا تغني ولا تشبع ولا تسمن، ولا يمكن التعويل عليها قيد أنملة، رغم أن الدول الإسلامية تمتلك أوراقا كثيرة للمناورة تصب في صالح غزة، لكن المصالح التي تجمع بعض الزعماء مع الغرب وأمريكا والكيان الإسرائيلي تجعلهم فقط يتخذون مواقف شجب وإدانة واستنكار".
ولم يكن الدبلوماسيون الذين حضروا محادثات القمة متفائلين حول إمكانية حدوث انفراجة بينما تستعد إسرائيل لغزو بري على غزة للقضاء على حركة حماس التي شنت هجوما في السابع من تشرين الأول أكتوبر.
وكانت وزارة الصحة في غزة، أكدت أمس السبت، إن الضربات الجوية والصاروخية الإسرائيلية قتلت ما لا يقل عن 4385 فلسطينيا منذ هجوم حماس، وفيما دعت الدول العربية والإسلامية إلى الوقف الفوري للهجوم الإسرائيلي، عبرت معظم الدول الغربية عن أهداف أكثر تواضعا مثل الإغاثة الإنسانية للمدنيين.
إلى ذلك، يؤكد المحلل السياسي المقرب من الإطار التنسيقي علي فضل الله، خلال حديث لـه أن "القضايا المصيرية والمفصلية ومنها القضية الفلسطينية، لا يمكن حلها من خلال المؤتمرات والمؤسسات الدولية، فهذه المؤسسات أصبحت تابع حقيقي للدول الاستكبارية والدول الاستعمارية".
ويضيف فضل الله: "إننا ندرك أن هناك حلفا جديدا وهو واضح، فهناك تحالف وتعاطف مع الكيان الصهيوني رغم الجرائم الكبيرة التي ارتكبها في غزة، ورغم ذلك هناك تعاطف ودعم كبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوروبي للكيان، بالتالي فأن عقد هكذا مؤتمرات لن تغير أي شيء، بقدر ما هي إجراءات بروتوكولية روتينية".
وينوه إلى أن "كلمة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني خلال مؤتمر القاهرة، كانت كلمة صريحة وشجاعة ووضعت النقاط على الحروف، وحددت طريقة التعاطي مع القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني بالتحرر، ووجوب إيقاف آلة الحرب الصهيونية، لكن رغم كل ذلك لا توجد فائدة حقيقية من المؤتمر أساسا".
وكان السوداني، أكد أمس السبت، في كلمته بالقمة، أن العراق لنْ يتأخر عن تقديم أية مساعدة ممكنة لقطاع غزة، داعيا إلى إنشاء صندوق لدعم وإعمار القطاع، وفيما أشار إلى أن الشعب الفلسطيني يتعرض إلى عملية إبادة جماعية باستهدافِ المدنيين في المجمعاتِ السكنية والكنائس والمستشفيات، لفت إلى أن مجزرة مستشفى المعمدانية أظهرت الوجه الحقيقي للاحتلال الصهيوني، ونواياه التي تجاوزت كلَّ الخطوط الحمراء.
وجاء في كلمة السوداني أيضا، التشديد على ضرورة الوقفِ الفوري لإطلاق النار، وفتح المعابر الحدودية والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وموادِّ الإغاثةِ، ثم العمل على ضمان تبادل آمن وشاملٍ للأسرى والمُعتقلين"، مؤكدا على بذل الجهود لرفع الحصار، بشكلٍ كامل، عن قطاع غزة لضمان عدم تكرار المأساة، كما عبر عن رفضه تسمية "المقاومة الفلسطينية" بـ"الإرهابية".