ما إن يقترب حلول شهر رمضان حتى تتكون تلقائيا صورة ذهنية عن طقوس الصوم والعبادة والتقرب إلى الله، إلى جانب ما يرافق هذا الشهر من أعراف اجتماعية، لكن في السنوات الأخيرة تحول رمضان إلى مسرح للتفاخر بالملابس والحلي والمأكل أيضا، وباتت المطاعم مقصدا أساسيا للعوائل بدلا من مطبخ المنزل والمائدة المعتادة، فيما حذر مختصون من أن هذا التحول يدل على استحواذ الثقافات الدخيلة على التقاليد المحلية وما ينتج عنه من سطحية واهتمام بالمظاهر.
وتقول إقبال محمود (57 عاما)، وهي موظفة في وزارة التربية، خلال حديث لـه، إنه “في السابق كان رب الأسرة يقوم بتوفير الغذاء والملابس والأشياء الضرورية للعائلة، لكن يوما بعد آخر أصبحت هناك أمور تفرض علينا من قبل أبنائنا لشرائها حتى يواكبوا الحداثة متأثرين بالسوشال ميديا”.
وانتشرت في الآونة الأخيرة، وخاصة في شهر رمضان الحالي، العديد من الظواهر، أبرزها ارتداء ما يسمى “البشت” وهو عباءة مطرزة، من قبل الفتيات، وأصبحن لا يخرجن من دونه، وتتراوح أسعاره بين 100 ألف و300 ألف دينار (66 و200 دولار).
وبالإضافة إلى هذا النوع من الملابس، انتشرت أيضا “الجلابية أو الدراعة”، وهي أيضا تشبه العباءة وبتطريز وموديلات مختلفة، ويتراوح سعرها بين 50 ألف و100 ألف (33 و60 دولارا).
وتضيف محمود، أن “الجميع يعرف أن شهر رمضان هو للعبادة والطاعة، لكنه شيئا فشيئا تحول إلى شهر للمفاخرة بالمأكل والملبس بين الشباب والشابات، لكن المشكلة هي أن الطبقة المتوسطة ومع ارتفاع أسعار صرف الدولار أصبحت بالكاد توفر الاحتياجات الضرورية لكن ولع الأبناء بتصفح السوشال ميديا وتقليد البلوغرز والمؤثرين أصبح يرهق ميزانيتنا المحدودة”.
ومن الملابس التي انتشرت أيضا، وهو المخور الإماراتي أو العماني، أشبه بالدشداشة وفيه تطريز في بعض أماكنه بشكل يدوي، وهذا يرتدى في المنزل، خلال العزائم الرمضانية بين الأقارب والأصدقاء، وتتراوح أسعاره أيضا بين 100 و200 ألف دينار (66 و150 دولارا)
بدورها، تروي المواطنة سارة شهاب (27 عاما)، خلال حديث لـه، بأن “ما تعرضت له من موقف محرج أثناء حضوري مأدبة إفطار تمت دعوتي لها في منزل إحدى صديقاتي، جعلتني أعيدي التفكير، فما إن وصلت المنزل حتى وجدت الجميع حاضرا بانتظاري لكني تفاجأت أنهم يرتدون البشت (وهو عباءة بنقشات وتطاريز مختلفة) وكنت الوحيدة التي ترتدي بنطالا وقميصا اعتياديا”.
وتبين “عند جلوسنا على المائدة أصبحت مادة للسخرية من قبلهم، فالجميع مستغرب كيف لا أرتدي العباءة أو البشت عند خروجي من المنزل على اعتبار أننا في شهر رمضان وعادة يجب أن ترتدي المرأة هكذا ملابس فضفاضة”.
وتشير شهاب، إلى أن “الفتيات أصبحن يقلدن جميع ما يقمن به النساء المؤثرات في السوشال ميديا من ملبس وارتداء المجوهرات وكذلك التفاخر بأصناف الطعام المتعدد والخروج لتناول الإفطار والسحور في المطاعم والتقاط الصور، في حين لا يستطيع الجميع شراء هذه الحاجات غير الضرورية وهناك الكثير من الأشياء أهم منها وأساسية تقوم عوائلنا بتوفيرها”.
ويتصدر شهر رمضان في العراق عادات وتقاليد متوارثة على الرغم من خفوتها في السنوات الماضية، إلا أن فئة من المواطنين ما يزالون يتبادلون في شهر رمضان الوجبات والوصفات الرمضانية بين بعضهم البعض، حيث يرسلون كمية من طعام إفطارهم للبيوت المجاورة في تقليد ينم عن تعزيز روح المشاركة وترسيخ العلاقات الاجتماعية بين الناس.
وبهذا الصدد، يتحدث المؤرخ التاريخي محمد رحيم، خلال حديث لـه، أنه “في السابق كان الاستعداد لشهر رمضان يبدأ بتسوق العائلة للمواد الغذائية وما تحتاجه من مواد أساسية للمائدة، وعندما يحل الشهر يقوم الجميع بالعبادة والصوم والصلاة ويوم بعد آخر يتم التعود على مشقة الصيام ومتاعبه لكن يتم استغلال وقت الصيام بالعبادة وقراءة القرآن والذهاب إلى المساجد”.
ويتابع رحيم، “أما الآن فالصورة المعاصرة لشهر رمضان تغيرت كثيرا وأصبح الشباب والشابات يعتبرونه فرصة للتسلية والخروج للأفطار والتسحر في المطاعم الفخمة من أجل التقاط الصور ونشرها عبر منصات السوشال ميديا والتفاخر فيما بينهم”.
ويكمل “فبعد أن كان الصائم يفطر على كوب من اللبن والتمر أصبح الآن يلتقط عددا لا محدود من الصور على مائدة الإفطار الغنية بجميع الأصناف دون أن تتم مراعاة مشاعر الفقراء أو تبادل الصحون بين الجيران، في الماضي كان حتى الفقير يقوم بتقديم صينية طعام بسيط بحسب إمكانياته ويقدمها لجيرانه حتى لا يشعر بالنقص ولا تنقطع هذه العادة التي تعود عليها العراقيون”.
ويختم رحيم بالقول “بعد أن كان شهر العبادة وصلة الرحمة بين الناس والأقارب أصبح شهر المفخرة بالمأكل والملبس والمجوهرات والتباهي بين النساء في من تمتلك أكثر حلي وأي منهن ترتدي فستانا أغلى ثمنا”.
يشار إلى أن شهر رمضان، وفي السنوات الأخيرة شهد ظاهرة جديدة، وهي تزاحم المطاعم بالمواطنين، لغرض تناول الفطور أو السحور في ساعات الفجر، ويوما بعد آخر تنامت هذه الظاهرة حتى أصبحت السمة البارزة لهذا الشهر، وقد دأبت المطاعم على تقديم أنواع العروض لغرض كسب أكبر عدد من الزبائن.
من جانبها، تؤكد الباحثة الاجتماعية سمر الفيلي، خلال حديث لـه، أنه “في الماضي كانت العوائل العراقية تنتظر شهر رمضان بفارغ الصبر، لما فيه من قضايا روحانية في التقرب إلى الله بشكل أكبر، وطلب الاستغفار، بالإضافة إلى أن العائلة كلها تجمتع فيه وتتساعد فيما بيها في تحضير مائدة الإفطار والجميع يتناولون الطعام والشراب بمحبة بالغة”.
وتعرب عن استغرابها “مما يجري في الآونة الأخيرة ليس في المجتمع العراقي فحسب وأنما المجتمعات العربية أيضا أصبحت تنتظر شهر رمضان من أجل ارتداء الملابس والحلي وكأنه شهر لعرض الأزياء والمنافسة وليس شهر العبادة والطاعة”.
وتردف الفيلي “جميع العادات والتقاليد الخاصة بشهر رمضان تغيرت وأصبح البعض فقط يعرف قيمة هذا الشهر، أما الآخرون فقد تنازلوا عن الكثير من العادات والتقاليد وعن أداء العبادات فيه، فبعد أن كانت جلسات شهر رمضان لجمع العائلة وتقوية صلة الرحم ومناقشة أمور الحياة أصبحت الجلسات في الوقت الحالي لعرض المفاتن وحضور جلسات الطرب والغناء والتسلية”.
وتنبه إلى أن “مواقع التواصل الاجتماعي نقلت الكثير من ثقافات الشعوب الأخرى إلى العراق والتي لم تكن موجودة سابقا، فارتداء العباءة وغيرها من الأزياء لم يكن موجودا في العراق بالسابق، لكن مؤثرات السوشال ميديا أصبحن يقلدن ثقافات الشعوب الأخرى، الأمر الذي انعكس أيضا على باقي الفتيات وأصبحن يتنافسن فيما بينهن بالتفاصيل والألوان والمجوهرات”.