لم يكن خطاب الكراهية جديدا على التاريخ السياسي العراقي، فكما يرى محللون سياسيون، أن هذا الخطاب بدأ منذ نهاية العهد الملكي، لكنه تعمّق و"تشرعن" بعد 2003 نتيجة لتكريس الحكم على الأساس الطائفي والمذهبي، وفيما ذهب باحث اجتماعي إلى أن هذا الخطاب مرتبط بتعقد المشهد السياسي نظرا لانعكاسه المباشر على الفرد، أكد خبير قانوني الحاجة إلى تشريع يحد من ظاهرة الكراهية، لأن العراق بلد متعدد الأديان والمكونات.
ويصادف، اليوم الأحد، الثامن عشر من حزيران يونيو، اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية الذي يثير جملة من التحديات على المستويين المحلي والدولي، نظرا لما يشكله هذا الخطاب من خطورة على أمن المجتمعات واستقرارها من جانب وعلى قيم التسامح والتعددية وقبول الاختلاف من جانب آخر.
ويجد المحلل السياسي غازي فيصل، أن "اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية مناسبة دولية مهمة جدا تطرح على صعيد المجتمعات الدولية والدول التي تؤمن بحقوق الإنسان والديمقراطية والمساواة بين البشر بغض النظر عن اللون والجنس والدين والعقيدة، ويشكل هذا اليوم محطة إنسانية جوهرية لمختلف الأنشطة سواء من قبل الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني أو السياسيين أو الفنانين للإعلان عن الوعي ضد هذا الخطاب".
محلياً، يشير فيصل، إلى أن "الدستور العراقي لعام 2005 يؤكد احترام حقوق الإنسان، ويؤكد على ضمان الحق في الصحة والتعليم والعمل، لكن أحزاب الإسلام السياسي التي تسلمت السلطة أهملت هذه الحقوق بصورة غريبة، إذ يعيش في العراق 11 مليون إنسان على خط الفقر، و12 مليونا أميّا في مقابل طبقة متنفذة استحوذت على السلطة".
ويؤكد أن "المحاصصة بحد ذاتها شكل من أشكال التمييز المذهبي والديني الذي يحث على الكراهية، إذ لم يكن الاستحواذ على السلطة على أساس المعايير، بل وفق التمايز العشائري والطبقي والطائفي والمذهبي، إذن نحن أمام شكل من أشكال العنصرية الاجتماعية والمذهبية الدينية وهذه ما أنتج تطرفا وخطاب كراهية، على الرغم من أن الدستور لم يشر إلى التقسيمات المذهبية والقومية في الحكم".
ويتابع فيصل، أن "هذه الأجواء كرست التمييز على الأساس المذهبي وانعكس هذا على الوظائف والمكاسب بشكل يؤسس للتطرف ونشر الكراهية والتمييز ورفض الآخر، لهذا وصل المجتمع العراقي إلى نتائج كارثية بسبب هذا التمييز الذي أسس لخطاب الكراهية".
ويشدد على "ضرورة نبذ ثقافة الكراهية وسياسة المحاصصة على صعيد الحياة السياسية والذهاب نحو دولة مدنية تحترم حقوق الإنسان والقوانين الوضعية ولا تفرض على المجتمع قيما تؤدي إلى التمييز والكراهية".
يشار إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أكد في شباط فبراير الماضي، أن العراق يمتلك ثروة حقيقية تتمثل بالتنوع الديني والإثني الغني، وهو ميزة لهذا الشعب جعلته منفتحاً على جميع شعوب العالم وثقافاتها، ومتبنياً قيم الحوار البنّاء بين الأديان والطوائف، وقد انتهج خطاب الاعتدال والتقارب في مواجهة خطاب الكراهية والتطرّف، بوصفه مسار لترسيخ السلام والتعايش في أرجاء المنطقة والعالم.
يذكر أن دائرة السياسات العامة في مكتب رئيس الوزراء ومنظمات مدنية، تسعى إلى إعداد مسودة مشروع قانون "الوقاية وتجريم خطابات الكراهية"، حسب ما أفادت صحيفة الصباح الرسمية في أيار مايو الماضي.
بدوره، يؤكد الباحث الأنثروبولوجي محمد باقر ناصر،أن "خطاب الكراهية في المجتمع العراقي مقترن بتعقد المشهد السياسي، سواء أكان ذلك في الوقت الراهن أو في مختلف الحقب الزمنية، إذ يؤلف كل من الفعل السياسي والخطاب السياسي بنية الفرد العراقي وتمظهراته الثقافية، وكلما ازداد الاستقرار السياسي انعكس ذلك على ثقافة المجتمع العراقي، التي تغذيها كذلك مجموعة من المعتقدات الدينية والتوجهات الإثنية الجماعية".
ويضيف نصر، أن "نوع العلاقة بين الطوائف والإثنيات له مغذيات عديدة، أبرزها التاريخ والسياسة، إذ يتسم الخطاب المتقابل بين السنة والشيعة في الحياة اليومية على تبعات الخلاف السياسي بين شخصيات إسلامية سابقة، ليشهد الخطاب في الشوارع والأزقة استحضار تاريخ العمل السياسي، وتشخيص أخطاء تاريخية ليس لها انعكاس عملي إلا على المؤسسات الدينية، كما ينسحب ذلك على خطاب الكراهية بين الكرد والتركمان، إذ لطالما كانت مدن شمال العراق معتركاً سياسياً أساسه السلطة وإخضاع الآخر".
ويبين ناصر، أن "خطاب الكراهية لا يدور في حلقة الصراعين الديني والسياسي فحسب، لكنه تطور ليأخذ شكل التنمر في وسائل التواصل الاجتماعي، إذ يتعكّز العديد من المتنمرين على عاملين، يتمثل الأول بالنص الديني، والثاني بالعرف/ المعايير التقليدية، يتم على وفق ذلك إلغاء صورة الآخر، الذي يصور نفسه بأنه عارض أزياء، صانع محتوى، فاشينيستا، أو فنان، وعليه أصبح خطاب الكراهية ظاهرة انتشرت بسرعة قياسية، ينبغي الوقوف عندها وتشخيص مسبباتها، ثم وضع الحلول المناسبة لها".
ويشير إلى أن "هذا ناتج عن غياب ثقافة تقبل الآخر، التي تأسست وفقاً لتراكم تاريخي تصارعت عبره الأيديولوجيات، المذاهب، والإثنيات، انتهاء بتصارع المصالح السياسية، المتمظهرة في سلوكيات اقتصادية، تبعاً لذلك لا يحضر مفهوم الدولة في مخيلة الفرد العراقي، ويحل محله مفهوم الجماعة، الفئة، العشيرة، المذهب، الدين، والقومية".
ويتابع: "يحتم كل ذلك على رئاسة الوزراء ومجلس النواب الدفع باتجاه تحسين الواقع التعليمي، وتطويع المناهج التربوية، ما يؤسس لمنع استحضار خطاب الكراهية في سياق التاريخ الديني، فضلاً عن أولوية استحداث مناهج تعرف الناشئين والشباب بماهية الدولة العراقية، وتقوي عصب الانتماء الوطني، وتذيب ما أسست له النزعات العنصرية والطائفية من تخندقات وتكتلات فئوية، أسفرت عن ضياع الهوية الوطنية، واضمحلال ثقافة تقبل الآخر".
ورصدت العديد من المنظمات تنامي خطاب الكراهية في وسائل الإعلام العراقية، وخاصة تناول دعوات القتل والعنف والانتقام والإقصاء والتحقير والتمييز والسب والشتم، التي تنتج عن ردود أفعال عنفية مباشرة، وترتفع حدة هذا الخطاب مع أزمة سياسية تحيط بالبلاد، فيما بلغت ذروتها خلال تظاهرات تشرين الأول اكتوبر 2019، والتي ذهب ضحيتها قرابة 600 قتيل وأكثر من 20 ألف جريح.
إلى ذلك، يؤكد الخبير القانوني أحمد العبادي، أن "العراق لا يملك قانونا خاصا لمكافحة الكراهية، وفي هذه الحال يطبق قانون العقوبات ضد المتهمين بإطلاق هذه الخطابات، فإذا كان الخطاب عبر وسائل الإعلام، فبالإمكان أن تقدم شكوى من قبل الجهة المتضررة أو يحركها الادعاء العام، ثم تحال إلى المحاكم المختصة".
ويضيف العبادي، أن "الخطاب يعرض إذا كان نصوصا أو مقاطع فيديوية على خبراء بالنشر، وإذا وجدت فيه مخالفة يتم تحديد العقوبة حسب جسامة الفعل"، لافتا إلى أن "العراق يحتاج إلى قانون خاص بمكافحة الكراهية، فالقانون الخاص يقيد العام، فإذا جرى تشريع قانون ممكن أن يحد من هذه الخطابات، فالعراق فيه أديان وقوميات كثيرة وعشائر وأحزاب لذلك فهو بلد تعددي يحتاج إلى قانون يراعي هذه التعددية ويؤكد على احترام الآخر".
يذكر أن المادة 7 أولا من الدستور العراقية، نصت على: يحظر كل كيان أو نهج يتبنى العنصرية أو التكفير او التطهير الطائفي أو يحرض أو يمجد أو يبرر له، كما نصت المادة المادة 42 من الدستور أيضا: لكل فرد حرية الفكر والضمير والعقيدة.
وفي قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969، نصت المادة 47 ثالثا منه: من دفع بأية وسيلة، شخصاً على تنفيذ الفعل المكون للجريمة، إذا كان هذا الشخص غير مسؤول جزائياً عنها لأي سبب"
إلى ذلك، يرى المحلل السياسي ماهر جودة،أن "ثقافة الكراهية ليست حديثة في التاريخ السياسي العراقي، فكل الأنظمة التي جاءت ما بعد الملكية والعناوين التي حملتها في الظاهر كانت وطنية، لكنها تحمل هذه الثقافة تجاه الآخر وتحتوي شوفينية وعنصرية، حتى أن حزب البعث حكم بعنوان العربي الاشتراكي وهو عنوان عنصري، إذ لم يفكر ببقية المكونات كالكرد والتركمان والشبك".
ويضيف جودة: "بعد 2003 تعمقت ثقافة الكراهية وانتقلت من أفكار إلى سلطة تحت عنوان مكونات حتى ضيعت معنى الوطنية، إذ بدا خطاب الكراهية عبر وسائل الإعلام مشرعنا، وهذه الثقافة أصبحت أمراً مباحاً، ما أدى إلى ولادة جيل يجري بدمه العنف والطائفية، ثم أدخلتنا هذه الثقافة في حروب أهلية واقتتال طائفي"، لافتا إلى أن "ثقافة الكراهية بالعنوان الديمقراطي عمقت الخلافات ووصلت إلى الشارع والمجتمع دفع الثمن".
لكن جودة، يشير إلى أن "الشارع اليوم أصبح أكثر وعياً، وهذا الخطاب أصبح مرفوضا والدليل كل الفعاليات والنشاطات المجتمعية الأخيرة كخليجي 25 واستقبال العرب، وكذلك الزيارات الدينية المليونية التي تحضرها مختلف الجنسيات".
يذكر أن المستشار الخاص للأمم المُتحدة المَعني بمنع الإبادة الجماعية أليس ويريمو نديريتو ومديرة مكتب حقوق الإنسان في بعثة الأمم المُتحدة لمُساعدة العراق (يونامي) دانييل بيل، أكدا في العام الماضي، على ضرورة معالجة الأسباب الجذرية لِخطاب الكراهية وليس فقط مَظاهره عِبر الأنترنيت وخارجه، كما شجعوا جميع المكونات في العراق على العمل معاً لدعم تطوير وتنفيذ خطة عمل تهدف إلى معالجة خِطاب الكراهية بشكل فعال.