04 Mar
04Mar

تذيل العراق لإحصائية دولية حول الصحة النفسية، سلط الضوء على هذا الجانب المنسي في المجتمع، وهو ما لم ينفه مستشار في وزارة الصحة وباحثان اجتماعيان، رغم انتقادهم الإحصائية لكونها غير معتمدة، ولم تشمل كافة البلدان، لكنهم أكدوا أن الفرد العراقي يعاني من ضغوط كثيرة، فضلا عن العنف والحزن المزمنين، ما أدى لتدني الصحة النفسية بشكل عام، وسط صعوبة تطبيق الحلول بسبب ثقافة المجتمع.

وتعقيبا على الإحصائية الصادرة، يقول مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة، الدكتور عماد عبد الرزاق، خلال حديث له إن "هذه المؤشرات لا يمكن البناء عليها بشكل علمي، إذ لم تعتمدها منظمة الصحة العالمية أو وزارة الصحة، وهي بيانات لم تصدر عن مؤسسة أو منظمة معروفة للرأي العام".

وأصدرت المنظمة البحثية غير الربحية Sapien Labs، التقرير السنوي للصحة العقلية للعام 2022، وهو ثالث تقرير سنوي تصدره المنظمة بهذا الشأن، ونشرت نتائجه في صحيفة "تايمز نيوز" الأمريكية، وفيه سجلت تنزانيا وبنما وبورتوريكو وجمهورية الدومينيكان وفنزويلا أعلى الدرجات في الصحة العقلية، فيما حلت كل من بريطانيا وأيرلندا وأستراليا وجنوب إفريقيا والبرازيل في مراتب أدنى منها، على المستوى العربي جاءت كل من السعودية والإمارات في المراتب الوسطى من حيث الصحة العقلية للمواطنين، وحلت دول عربية أخرى منها العراق ومصر واليمن وتونس والجزائر والأردن في المراتب الأخيرة.

ويضيف عبد الرزاق أنه "على الرغم من ذلك، فأن بيئة العراق الاجتماعية والطبيعية تسمح ببروز اضطرابات على مستوى الشخصية، إذ تؤدي الأزمات المتلاحقة والحروب إلى ظهور أجيال تعاني من مشاكل نفسية، لها انعكاسات سلوكية، تظهر في كثير من الأحيان بصورة انفعالية".

وعن الحلول المفترضة لذلك، يؤكد مستشار الصحة النفسية أن "العراق من البلدان المتأخرة على مستوى الصحة النفسية، إذ لا يمتلك قاعدة من الأطباء النفسيين، كما تخلو ثقافة العراقي من ضرورة استشارة الطبيب النفسي، والحلول تكمن في معالجة هذين المؤشرين السلبيين، أي معالجة نقص الأطباء النفسيين، فضلاً عن تثقيف العراقيين على ضرورة الاستشارة النفسية".

يشار إلى أن منظمة الصحة العالمية، أكدت أن هناك ستة ملايين عراقي يعانون من أمراض نفسية متباينة الحدة، أغلبها ناتجة عن الإجهاد النفسي لما بعد الصدمة، وذلك بعد عامين من "الحرب الطائفية" التي شهدها العراق خلال أعوام 2006 و2007، فيما أشارت التقديرات عام 2013 الى وجود نحو 200 طبيب نفسي فقط في العراق، في وقت كان سكان العراق نحو 32 مليون نسمة، فيما يبلغ تعدادهم حاليا 41 مليون نسمة، وسط تراجع أعداد الأطباء النفسيين.

ووفقا للمنظمة، فإن الحد الأدنى هو وجود طبيب واحد لكل خمسة آلاف نسمة، وبحسب تقاريرها أيضا فإن 300 ألف مريض من بين عموم المصابين، يعانون الفُصام "شيزوفرينيا"، وبالمقابل فإن معهد "غالوب" المتخصّص بدراسات الرأي العام، أعد لائحة بالشعوب الأكثر إحباطاً، عام 2012، واحتل العراق موقع الصدارة، متقدّماً على 148 بلداً.

من جانبه، يفيد الباحث الاجتماعي محمد باقر ناصر، خلال حديث لـه أن "الإحصائية الصادرة عن منظمة Sapien Labs خلت من بلدان كثيرة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، اليابان، والصين، فضلاً عن بلدان أخرى كثيرة، وهو أمر مستغرب، فقد وضعت العديد من البلدان في مراتب غير معلومة، بسبب غياب العديد من البلدان في هذه الإحصائية".

ويضيف ناصر، أن "أحد مؤشرات افتقار الكثير من العراقيين للصحة العقلية هو العنف المفرط، الذي يظهر بشكل انفعالي، دون اللجوء لحلول آنية منضبطة، على أن تأتي الحلول المنضبطة في مرحلة لاحقة للعنف، يظهر ذلك في شجار العشائر الآني، الذي تضبطه مجموعة من القرارات اللاحقة، مثل الفصل العشائري".

ويبين الباحث المتخصص في الأنثروبولوجيا أن "هناك عوامل عديدة تشير إلى تدني الصحة العقلية داخل العراق، أبرزها المستقبل المجهول، وتردي الوضع الاقتصادي، فالمجتمع العراقي أكثر من 60 بالمئة من سكانه هم من الشباب، وهؤلاء الشباب يجدون صعوبة في تصور المستقبل القريب والبعيد، يشعرون تماماً بأنهم تائهون، وغير قادرين على تكوين أسر، يتزامن ذلك مع انعدام الاستقرار المادي، وهذا بطبيعة الحال يؤسس لاضطرابات ومشاكل سايكولوجية عديدة".

يشار إلى أن العراق يمتلك ثلاث مستشفيات نفسية فقط، هي مستشفى الرشاد "الشماعية" و"ابن رشد" ببغداد، و(سوز) في إقليم كردستان بمحافظة السليمانية.

وبحسب السجلات الرسمية لمستشفى ابن رشد، فإنه استقبل حوالي 100 مريض يوميا في العام 2010 ، فيما سجلت مستشفى الرشاد حوالي 30 مراجعة يوميا.

في السياق ذاته، يشير الباحث الاجتماعي أثير منعم، خلال حديث لـه إلى أن "الصحة العقلية تنسحب على تردي الوضع الخدمي من عدمه، إذ ينشغل العراقي كثيراً في سد احتياجاته الأساسية، مثل الأكل والشرب والمأوى، عبر الاجتهاد في تأمين الكهرباء، الغاز، والماء، مع الاجتهاد في تأمين وقت الزحامات المرورية الخانقة، التي حولت الفرد العراقي لمسافر يومي، وبالأخص في العاصمة بغداد، وهذا انعكس على نفسية الأفراد – مثلما صرح رئيس الوزراء السوداني يوم أمس".

ويردف أن "الصحة العقلية للإنسان تعتمد على مدى اندماجه في المجتمع، ومدى ملاءمته للظروف الآنية، لكن على ما يبدو أن السوشيال ميديا فعلت فعلها في تفكيك الروابط الأسرية، وحولت الأفراد لآلات غير متفاعلة اجتماعياً".

ويكمل أن "ما يصيب العراق من أزمات متلاحقة تصيب أفراده، عبر تراكم الإحباطات، إذ يكفي حدث بسيط لإعادة الأمل لهم، ويحولهم لكائنات موجودة في هذا الكوكب، فتراهم يغنون ويرقصون بإفراط أثناء بطولة كأس الخليج العربي، لأنهم يفتقدون أدوات الفرح، تبعاً لذلك فالحزن مسؤول مباشر عن اضطرابات الشخصية والصحة العقلية".

يشار إلى أن مجلس النواب، أقر قانون الصحة النفسية رقم 1 لسنة 2005، ونص على "تأمين رعاية مناسبة للمصابين بالاضطرابات النفسية والتخفيف من معاناتهم ومعالجتهم في وحدات علاجية متخصصة تتوافر فيها الشروط الملائمة بما يضمن تنظيم مكوثهم في الوحدات العلاجية المغلقة تحت الإشراف الطبي والقضائي".

يذكر أن تقارير لوزارة الصحة أشارت في العام 2010 الى أن حوالي الثلث من العراقيين يعانون من اضطرابات نفسية، وتؤكد أن العام 2009 شهد مراجعة 100 ألف مريض للمستشفيات والمراكز الخاصة.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة