خسارة مبلغ بمقدار 2000 دولار، تعتبر خسارة قاسية بالنسبة لشاب يعمل في خدمات التوصيل، لكن أحمد عبدالله (24 عاما)، عدّها درسا يتعلم منه في المستقبل، وألا يضع ثقته مرة أخرى في برنامج عبر شاشة، كما يعبّر.
ويروي أحمد، وهو أحد ضحايا البرامج الرقمية للربح عبر الانترنت، لـه تجربته التي ابتدأت بالاشتراك في برنامج SDY، وهو أحد برامج تداول العملات، إذ يقول: "أحد الأصدقاء أخبرني عنه، وهو منخرط بالعمل فيه قبل شهر بمبلغ 300 دولار، وبمعدل ربحي يومي يصل إلى 12 دولارا".
ويضيف "أخبرني صديقي في حال الاشتراك بمبلغ 900 دولار، فإن معدل الربح سيرتفع ليصل إلى 36 دولارا في اليوم الواحد، بينما يصل الربح إلى 100 دولار في حال الاشتراك بمبلغ 2600 دولار"، لافتا إلى أن "هذا الربح يتحقق من خلال الترويج لبعض البضائع يوميا على شكل مهام يصل عددها إلى 15 مهمة، ولا تستغرق دقائق معدودة، يتم بعدها كسب الأرباح التي لا يمكن سحبها إلا من خلال برنامج آخر اسمه OX ومن ثم تصل الأموال عبر بطاقة زين كاش".
يستدرك أحمد، بحسرة قائلا "بعد اشتراكي توقف سحب الأموال، ولكن البرنامج بقي فعالا وفيه مهام وأرباح، لكن من دون سحب"، لافتا بالقول "بعد أيام، أغلق البرنامج بشكل نهائي وذهبت جميع الأموال حتى الأرباح التي استحصلتها لم أتمكن من سحبها".
وكان البنك المركزي العراقي، قرر في نيسان أبريل من العام الماضي، منع استعمال البطاقات والمحافظ الإلكترونية لغرض المضاربة والتداول بالعملات الرقمية بجميع أنواعها، داعيا المصارف والمؤسسات المالية غير المصرفية المجازة كافة إلى توعية الزبائن وتحذيرهم من مخاطر التداول بالعملات الرقمية والمشفرة والافتراضية، لأجل ضمان التطبيق الأمثل لإجراءات العناية الواجبة المشار إليها في قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب رقم (39) لعام 2015 والتعليمات الصادرة بموجبه.
وجاء قرار البنك المركزي، بعد تحذيره في العام 2021، من التعامل بالعملات الرقمية، نظراً إلى "المخاطر الكبيرة المرتبطة بتلك العملات، وعدم خضوعها لأي ضوابط أو تشريعات قانونية أو رقابية أو فنية في العراق".
وانتشرت مؤخرا عشرات التطبيقات الخاصة بالتداول المالي، وبعضها مرتبطة بدول الجوار مثل إيران التي اتجهت إلى فتح فروع لها في بعض محافظات العراق الجنوبية والعاصمة بغداد، لغرض تسليم الأرباح للمشتركين فيها.
ويشرح إيفان الدوبرداني، المتخصص في العملات الرقمية، خلال حديث لـه، أن "هذه التعاملات تتم عبر شركات وساطة، يدخل من خلالها المشتركون، ويتم التداول من خلال شراء أي بضاعة، لكن في العراق لم تمنح رخصة لهذا التداول من قبل البنك المركزي".
ويؤكد أن "العشرات من شركات التداول تعمل في العراق، لكنها غير مسجلة في البنك المركزي، والعمل يكون فيها عبر الثقة، وليس الضمان إذ أن جميع الشركات بإمكانها أخذ أي مبلغ من المشترك لعدم وجود ضمان يحافظ على مبالغه، وهذه ثغرة يتحملها البنك المركزي، فلو منح تراخيص لكان بإمكان أي شخص يريد التداول أن يضع أمواله في البنك بشكل رسمي"، داعيا البنك إلي "فتح إيداعات لهذه الشركات في العراق ومراقبتها بشكل جيد، حتى يتم خلق بيئة آمنة للمستثمرين، إذ أن غالبية شركات الوساطة العاملة الآن وهمية ويتم عبرها الاحتيال على المواطن".
ويوضح الدوبرداني: "كان على البنك المركزي بدل حظر هذه الشركات، أن يراقبها وألا يسمح بدخول أي مستثمر لهذا المجال، إلا بعد أشهر من التعلم، فهذا المجال صعب للغاية، ويعتمد في الأساس على الاقتصاد والتعمق به، لاسيما أن كثيرين يجهلون العمل ويشتركون سريعا مندفعين من أجل الحصول على الأرباح".
ويوصي المتخصص في العملات الرقمية بـ"ضرورة أن يسمح البنك المركزي بالعمل في التداول تحت مراقبته، فالمستثمر بإمكانه أن يسهم بإدخال العملة الصعبة، وليس كما يروج له البعض بأن التداول يؤدي إلى خروج الدولار".
يشار إلى أن مستشار رئيس الوزراء المالي مظهر محمد صالح، أكد في حديث سابق، أن السلطة النقدية ترى أن هذا النمط من التعاطي الرقمي قريب من التعاطي مع الشركات الهرمية الرقمية "pyramid digital companies" وهي ظاهرة جرمية تقع ضمن عمليات السطو والجرائم المالية، بل تعد عمليات شديدة المخاطر، كونها خارج رقابة السلطات النقدية في عموم بلدان العالم وتتيح للسارق الاستيلاء على أموال المتعاطين فيها.
وفي اتجاه آخر، يعتقد الخبير الاقتصادي، ناصر الكناني، خلال حديث لـه أن "العملة الرقمية ما هي إلا ألعوبة وكذبة كبيرة جدا، وهناك خوف من أن يقع الشباب في هذه المصيدة التي أوقعت الكثير من العراقيين ووصلت إلى المحاكم الدولية".
ويضيف الكناني، أن "العراق حتى الآن لم يمارس هذا المجال، فوضعنا مرتبط بالدولار الذي يأتي عن طريق مبيعات النفط التي تدخل عن طريق البنك الفيدرالي، ولذلك فان الدولار معروف أينما يذهب ولا يفضل أن تضاف مشاكل للبلد مع المشكلة الحالية التي يمر بها العراق لاسيما في ما يخص الحوالات".
ويتابع أن "جهل العراقيين بهذه العملات قد يسبب لهم مشكلات وخسائر مادية من فهذا الموضوع ليس أمينا وغير موثوق، كما أن جميع الشركات التي دخلت إلى العراق ليست مجازة وسوف تلاحق مع مراقبة جميع التطبيقات والهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي من قبل الجهات الأمنية، وقد يتم القبض على مروجيها والعاملين فيها في اقرب فرصة ممكنة".
يذكر أن منصة العملات الرقمية "إف تي إكس" FTX الكبيرة، أعلنت إفلاسها أواخر العام الماضي، كما استقال رئيسها، علما أنها إحدى أكبر بورصات العملات المشفرة في العالم، بعدما فشلت مساعيها للحصول على تمويل جديد وإثر اندفاع العملاء للانسحاب منها، بعد أن ارتفعت قيمتها سريعا إلى 32 مليار دولار في كانون الثاني يناير 2022 من خلال حملة لجمع الأموال، قبل أن تصل إلى مرحلة التعثر.
من جانبه، يبين الخبير المصرفي علي النصيفي، خلال حديث له أن "هذه العملات في ظل منع البنك المركزي ثقافة التداول بها أصبحت محظورة قانونا ولا يجوز العمل بها في منصة التداول، لأنها غير محمية من البنك المركزي ولا تخضع لولاية القضاء العراقي".
لكن النصيفي، يؤكد أنه يقف "بالضد من هذا الإجراء، لاسيما أننا نشهد اليوم تحولا عالميا باتجاه الكريبتو أو العملات المشفرة أو الرقمية بكافة مسمياتها"، كاشفا أن "طلبات رفعت إلى البنك المركزي بفتح باب النقاش على الأقل مع المختصين أو مع المستثمرين أو مع السوق العراقية للأوراق المالية في تكريس ثقافة العملات المشفرة".
ويتابع، مدافعا عن الفكرة، بأن "العراق يشكل جزءا من المنظومة العالمية سواء الاقتصادية أو التجارية او النقدية، وبالتالي قد يفرض عليه التعامل بالعملات الرقمية وهذا ما نخشاه خاصة وان العملة الرقمية أصبحت اليوم أمرا واقعا، والعالم اجمع يتعامل بها، فمن غير المنطقي أن ينأى العراق بنفسه عن التعامل بها".
ويكشف أن "هناك الكثير من الشركات التي تعمل في هذا المجال لكنها غير مرخصة من البنك المركزي والسوق العراقي للأوراق المالية على اعتباره المنصة الرسمية للتداول التي يتم عبرها"، فيما يلفت إلى عدم "إمكانية استخدام هذا النظام مباشرة وإنما يجب أن تكون هناك اتفاقيات".
ويضم العراق، بحسب موقع البنك المركزي العراقي، 80 مصرفا عاملا، منها 62 محليا و18 مصرفا عبارة عن فروع لمصارف أجنبية، وقد دخل النظام مؤخرا مرحلة جديدة للحد من تهريب الدولار والسيطرة على منافذ بيعه الرسمية، عبر تدخل مباشر من قبل واشنطن.
من جانبه، يؤكد الخبير القانوني عدنان الشريفي، خلال حديث لـه أن "هذه العمليات تندرج ضمن عمليات النصب والاحتيال ويعاقب عليها القانون وفقا للمادة 456 من قانون العقوبات"، لافتا إلى أن "أي عملية يقوم بها شخص أو شركة بإقناع طرف آخر لتسليم أموال ويظهر في ما بعد أنها كذب فهي نصب واحتيال وبالإمكان مراجعة المحاكم وإقامة شكوى ضدهم، سواء كان هذا التعامل على مواقع التواصل الاجتماعي أو بشكل مباشر".
وعن آلية مقاضاة المحتالين يشير الشريفي، إلى أن "تقديم الدعوى يتم وفق السياقات الطبيعية المعمول بها وإذا كانت في الخارج أو فيها طرف أجنبي خارج العراق فأن المحكمة تستحصل موافقة رئيس مجلس القضاء الأعلى لاتخاذ اللازم، وهذا حصل سابقا بغض النظر عن فعالية القرار، ومثال ذلك أن العراق اصدر مذكرة قبض بحق الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب ويتم تحريك أمر القبض عن طريق الانتربول".
يذكر أن العديد من العراقيين في دول مثل تركيا، ذهبوا ضحية لعمليات النصب بهذه التطبيقات، حيث أودعوا أموالا بغية تحقيق الربح، لكن بعد ذلك منع سحب الأرباح ووضعت شروطا صارمة لسحبه وهي غير متوفرة لدى العراقيين المقيمين في الدولة الجارة، ومن ثم أغلقت بعض التطبيقات بشكل نهائي وذهب رأس المال والأرباح.