اقتربت قضية هروب رئيس ديوان الوقف السُني الراحل سعد كمبش، من إغلاق ملفها "سرّاً" وبشكل كامل، وذلك بإطلاق سراح مسؤول بوزارة الداخلية يعد المشتبه الرئيس في التورط بالقضية، وعودته لممارسة مهامه، رغم التحفظ عليه من قبل اللجنة التحقيقية المشكلة بحادثة الهرب الشهيرة، وما تسرب من اعترافات بالتواطؤ، في ظل اتهامات بالتسويف لمعظم اللجان الحكومية، الأمر الذي دفع لجنة الأمن النيابية إلى التوعد بمتابعة الملف والوقوف على أسباب عدم كشف النتائج حتى الآن.
ويقول مصدر مطلع إن "قضية هروب رئيس ديوان الوقف السني الراحل سعد كمبش من مركز شرطة كرادة مريم، تم تسويفها وغلقها، وكان مدير مكتب أحد وكلاء وزارة الداخلية آخر مرحلة فيها، حيث أطلق سراحه وعاد لمنصبه".
ويضيف المصدر، أن "مدير المكتب المذكور كان قد أودع السجن، بعد اعترافات أدلى خلالها بشهادة للجنة العليا لمكافحة الفساد التي حققت بالموضوع، كشفت عن وقوف الوكيل وراء بقاء كمبش في مركز شرطة كرادة مريم، وعدم تسفيره إلى السجون المركزية، رغم صدور حكم نهائي بالسجن في حقه، وذلك تمهيدا لعملية تهريبه".
ويتابع، أن "مدير المكتب عاد لعمله كمدير لمكتب الوكيل ذاته، الذي كان قد أدلى باعتراف ضده، ما يدل على غلق الملف بشكل كامل".
يشار إلى أن رئيس ديوان الوقف السني السابق الراحل سعد كمبش، هرب من سجن مركز شرطة كرادة مريم داخل المنطقة الخضراء، في 18 نيسان أبريل الماضي، بعد صدور حكم بحقه بالسجن 4 سنوات، إلا أنه بقي في مركز الشرطة، ولم ينقل إلى سجن التسفيرات تمهيدا لنقله إلى سجون وزارة العدل، ليقضي فترة محكوميته، وبعد يومين من هروبه، سرت أنباء عن اعتقاله في مدينة الموصل، لكن لم تمض ساعات حتى أعلن عن وفاته، في إحدى مستشفيات المدينة بعد نقله من إليها من قبل القوة الأمنية المداهمة.
جدير بالذكر أنه وإثر هروب كمبش، ترأس القائد العام للقوات المسلحة رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، آنذاك، اجتماعاً أمنياً في مقرّ العمليات المشتركة، بحضور وزير الداخلية وكبار القادة الأمنيين، قرر فيه إقالة قائد الفرقة الخاصة الفريق حامد الزهيري، ومحاسبة جميع المقصرين ومعاقبتهم قانونياً، وإعادة تقييم أداء الأجهزة الأمنية، وغلق مركز التوقيف في مركز شرطة كرادة مريم داخل المنطقة الخضراء، ونقل المحكومين فيه إلى سجون وزارة العدل، وإيداع كبار الفاسدين الموقوفين فيه بمراكز توقيف أخرى، أسوةً بالمطلوبين الآخرين، وإلغاء أية خصوصية في التعامل معهم مثلما كان معتاداً.
وكانت مصارد مطلعة قد كشفت ليلة هروب كمبش، عن تورط أحد وكلاء وزارة الداخلية بقضية هروبه، حيث وجّه أمرا بإبقاء كمبش في مركز الشرطة وعدم نقله إلى سجن التسفيرات.
وكشفت تقارير سابقة في أيار مايو الماضي، عن سير اللجنة التحقيقية العليا بهروب كمبش، برئاسة رئيس الهيئة العليا لمكافحة الفساد، أبو علي البصري (تسنم منصب رئيس جهاز الأمن الوطني ضمن التغييرات الأمنية الأخيرة)، والتي حققت مع مدير مكتب أحد وكلاء وزارة الداخلية، وبدوره أبلغ اللجنة أن الوكيل هو من أصدر الأوامر بعدم نقل كمبش إلى سجن التسفيرات بعد صدور الحكم بحقه، والتحفظ عليه بمركز الشرطة، وهو ما نفاه الوكيل بعد التحقيق معه، ما دفع اللجنة إلى نقل مدير المكتب إلى سجن المخابرات، بغية الحفاظ عليه وعدم تهريبه أو تعرضه للخطر.
ومن جملة ما كشفته المصادر للصحيفة آنذاك، أن الوكيل المذكور كان حاضرا إلى جانب وزير الداخلية عبدالأمير الشمري، في مركز الشرطة ليلة هروب كمبش، وقد واجهه مدير المركز بالكتاب الذي أرسله ويقضي بالتحفظ على كمبش، لكنه نفى الأمر رغم هذا، وفي حينها أبلغ الشمري رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بتورط الوكيل بالقضية.
إلى ذلك، يؤكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية كريم عليوي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أنه "مع بداية الفصل التشريعي الجديد للبرلمان، سنعمل على استضافة الجهات والشخصيات المسؤولة عن قضية التحقيق بحادثة هروب كمبش إضافة إلى حادثة وفاته، فلا يمكن ترك هذا الملف دون تحقيق يكشف حقيقة ما جرى".
ويلفت عليوي، إلى أن "هناك شكوكا بأن عملية التهريب تمت بدعم سياسي كبير، إضافة إلى تواطؤ شخصيات أمنية، ولهذا لا يمكن ترك التحقيق مفتوحا كحال باقي لجان التحقيق دون نتائج تذكر، ودون محاسبة كل من تورط بهذه الحادثة، فما حصل ليس بالأمر الهيّن، بل هو خرق أمني وفضيحة أمنية كبرى".
ويتابع، أن "هناك توجها لدى لجنة الأمن والدفاع لمراجعة كافة لجان التحقيق خلال السنوات الماضية وخاصة الأمنية لمعرفة أين وصلت تلك اللجان في عمليات التحقيق، فلا يمكن بقاء تلك اللجان دون نتائج رغم الإعلان عن تشكيلها من سنين طويلة".
يشار إلى أن رئيس الوقف السني الراحل سعد كمبش، ألقي القبض عليه في 21 آذار مارس، قبل أن يصدر بحقه حُكم بالسجن المشدد 4 سنوات، لإدانته بمخالفة واجبات وظيفته عمدا والتسبّب في "إضرار بالمال العام".
وتلاحق الوقف السني شبهات فساد كثيرة، تتعلق بالعقارات الثمينة في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى، فضلا عن شبهات بيع المناصب وشيوع المحسوبية والمنسوبية كما هو الحال في باقي مؤسسات الدولة.
يمكن مشاهدة التقرير التالي: بالوثائق.. الوقف السني يحول أرض جامع في "المنصور" إلى "مول"
وإلى جانب الأحداث المهمة في البلد، فإن رؤساء الحكومات شكلوا لجانا تحقيقية بالمئات طيلة السنوات الماضية، حول العديد من القضايا، وخاصة الأمنية، ومنها ما يشبه قضية هروب كمبش، حيث جرت عمليات هروب موقوفين سابقا من أكثر من سجن في العراق، وجميعها شكلت لأجلها لجان ولم تعلن نتائجها ولم يعلن أيضا نهاية التحقيق بها.
من جهته، يرى الخبير الأمني أحمد الشريفي، خلال حديث لـ"العالم الجديد"، أن "العوامل السياسية، دائما ما تكون هي المتحكمة بالكثير من قضايا التحقيق، خصوصاً أن حادثة هروب مدير الوقف السني السابق من سجن كرادة مريم داخل المنطقة الخضراء، تمت بلا ما لا يقبل الشك بمساعدة سياسية وأمنية، ورغم ذلك لم نر تحقيقات على حجم الخرق الذي حصل في داخل أكثر مناطق العراق المحصنة أمنيا".
ويشير الشريفي، إلى أنه "مع الأسف لم تعد هناك ثقة بقضية لجان التحقيق، فأصبح الكل يدرك أن تشكيل هذه اللجان، يعني تسويف القضية ونسيانها، وهذا الأمر ليس بالجديد بل معمول به منذ سنين طويلة، فهناك لجان تحقيقية لم تنجز أعمالها رغم تشكيلها منذ سنين طويلة، وهذا ما يؤكد أنها لجان تسويف وليس تحقيق".
يذكر أن العديد من اللجان التحقيقية شكلت سابقا بشأن أحداث تظاهرات تشرين الأول أكتوبر 2019، وحرائق المستشفيات وأحداث كبرى أخرى، ولم تسفر جميعها عن نتائج مرضية أو تكشف للرأي العام.