أعوام قضتها سالي عقيل (30 عاماً)، في الدراسة الأولية ثم الجامعية بدراساتها العليا، لتجد اسمها أخيراً حسب التعيينات التي أفرزها مجلس الخدمة الاتحادي، في وزارة كانت لتعمل بها دون الحاجة لشهادة الدكتوراه التي نالتها من إحدى جامعات العاصمة، بعد جهد كبير وسنوات من الدراسة.
وتروي عقيل، خلال حديث لها، أن "مشكلة حدثت لي ولآخرين من أقراني بعد ظهور أسمائنا في التعيينات الأخيرة لمجلس الخدمة الاتحادي، وهو أن التعيين ظهر في موقع مغاير لاختصاصي الدراسي، وحتى الدوائر التي ظهرت أسماؤنا فيها لا ترغب بتكليفنا بأي أعمال، كوننا لسنا من أصحاب الاختصاص".
وتضيف أن "بعض من تم تعيينهم على بعض الوزارات أرادوا التغيير إلى وزارات أخرى، لاسيما الانتقال من وزارة التربية إلى وزارة التعليم، وعلى إثر تلك المطالبات، فتح مجلس الخدمة الاتحادي باب النقل بشرط أن يكون بالشهادة والاختصاص نفسيهما، لكن هذا الأمر فتح باب الابتزاز من قبل بعض الذين وافقوا عن نقل خدماتهم للوزارات".
وتكشف الفتاة الحاصلة على الدكتوراه باختصاصها، أن "سعر القبول بنقل الخدمة وصل من ثمانية ملايين إلى 12 مليون دينار، وهذا الأمر لم يتدخل فيه مجلس الخدمة الاتحادي رغم الشكاوى التي وصلت إليه بهذا الخصوص".
وشهدت الأشهر الأخيرة، إطلاق الحكومة لحملة تعيينات كبيرة، شملت أغلب الخريجين، سواء حملة الشهادات العليا أو ما دونها، وأحيل حملة الشهادات العليا لمجلس الخدمة الاتحادي لغرض توزيعهم على الوزارات، فضلا عن تكليف وزارة المالية باستحداث درجات وظيفية، ونظرا لكونها بالآلاف اضطرت الوزارة إلى العمل مسائا لانجاز استحداث الدرجات الوظيفية الجديدة.
وهذه التعيينات، صدرت تباعا ضمن مقررات مجلس الوزراء، وفي كل جلسة أسبوعية تقريبا، تتم الموافقة على تعيين آلاف الخريجين وتثبيت العاملين بعقود مؤقتة، وبحسب رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، فإن التعيينات الجديدة زادت الموازنة بأكثر من 20 ترليون دينار.
من جانبه، استبشر احمد علي (32 عاماً)، خيراً عند ظهور اسمه للتعيين في الجامعة المستنصرية، لكن فرحة الشاب الحاصل على شهادة الدكتوراه لم تدم طويلاً، إذ يقول لـه "ظهر اسمي ضمن تعيينات مجلس الخدمة الاتحادي كأستاذ جامعي ضمن جامعة المستنصرية في بغداد، وبعد المراجعة لإكمال إجراءات التعيين، أبلغنا بعدم المباشرة بالدوام لعدم وجود أي أعمال بسبب عدم الحاجة لنا كتدريسيين في أقسام الجامعة".
ويضيف علي "جرى إبلاغنا بأن استحقاقنا من الراتب سيكون الاسمي فقط، وسيتم حجب كافة المخصصات، كوننا بلا عمل فعلي، وأبلغنا أيضا أن حل هذه المشكلة ربما يتم مع بداية السنة الدراسية الجديدة".
ويتابع أن "هذا الإجراء حصل مع عدد كبير من حملة الشهادات العليا، الذين تم تعيينهم مؤخرا وبأكثر من جامعة وحتى في المحافظات وليس بالعاصمة بغداد فقط، وبصراحة لا نعرف ما هو مصيرنا"، معبرا عن خشيته من أن "عدم الدوام ربما يدفع إلى الفصل وفق هذه الحجة".
وبرزت خلال السنوات الماضية، مسألة استخدام التعيينات في الحملات الانتخابية أو من قبل الحكومات التي تمر بأزمات، حيث يتم اللجوء إلى إطلاق الوعود بالتعيينات أو تعيين بعض الفئات، خاصة مع اشتداد التظاهرات المطالبة بفرص عمل من قبل الشباب في ظل ارتفاع نسب البطالة في البلد.
يذكر أن المستشار المالي لرئيس الحكومة مظهر محمد صالح، أكد في تصريح سابق له، أن فلسفة الدولة بعد عام 2003 اعتمدت توزيع عوائد النفط بين الموظفين، حيث كل موظف يعيل خمسة أفراد بهدف خلق رفاهية، لكن هذه الفلسفة على المدى البعيد تضر البلاد بشكل كبير.
بالمقابل، ترى الباحثة في الشأن الاقتصادي سلام سميسم، خلال حديث لـه أن "التعيينات التي تمت عبر مجلس الخدمة الاتحادي، لم تكن وفق خطة اقتصادية، وهذا التعيينات كان تأثيرها فقط على زيادة الترهل الوظيفي، رغم وجود ترهل وظيفي كبير في مؤسسات الدولة".
وتبين سميسم، أن "خطة مجلس الخدمة الاتحادي، تهدف إلى إرضاء الشارع العراقي من خلال هذه التعيينات التي تفتقد لأي خطة اقتصادية مدروسة، خصوصاً أن هذه التعيينات خلت من أي تعيين في المصانع والمعامل، واختصرت فقط على العمل الإداري".
وتضيف الباحثة في الشأن الاقتصادي: "كان أولى بمجلس الخدمة الاتحادي أن يضع خطة اقتصادية للتعيينات، خاصة المتعلقة بتنويع الموارد وزيادة الإنتاج وليس إجراء تعيينات من اجل زيادة الترهل الوظيفي، فهذا الأمر بكل تأكيد له أضرار اقتصادية كبيرة، فالدولة سوف تصرف رواتب لموظفين بلا أي عمل أو إنتاج".
يشار إلى أن العراق يعاني من توقف آلاف المصانع وشركات وزارة الصناعة والمعادن، وبعضها تحولت إلى شركات خاسرة وانتقلت من التمويل الذاتي إلى الحكومي، بسبب توقف الانتاج أو عدم تفعيله، وهذا باستثناء المعامل التي هدمت بعد العام 2003.
وكان وزير المالية السابق علي علاوي، وخلال مقابلة له مع وكالة الأنباء الرسمية "واع"، أعلن أن هناك سبعة ملايين موظف يتقاضون رواتب من الدولة.
بدوره، يؤكد الخبير المالي والاقتصادي ناصر الكناني، خلال حديث لـه أن "كل التعيينات التي أعلن عنها مجلس الخدمة الاتحادي بلا أي فائدة، كونها إدارية، بل جاءت لتزيد من الترهل الوظيفي الحاصل في الدولة، وهي فقط زيادة للنفقات بلا أي إنتاج".
ويكمل الكناني: "كان على الحكومة تفعيل ودعم القطاع الخاص وخلق فرص عمل ضمن هذا القطاع، وهذا الأمر له فوائد اقتصادية كبيرة ويوفر فرص عمل بشكل أكبر حتى لغير أصحاب الشهادات وفيه فائدة للمواطن والدولة معاً، فهو يقوي الاقتصاد العراقي ويقلل من النفقات التي تصرف بلا أي إنتاج".
ويضيف أن "50 بالمئة من دوائر الدولة تعاني ترهلا وظيفيا وتمتلك موارد بشرية بلا أي عمل حقيقي ولا إنتاج، ورغم ذلك تمت زيادة هذا الترهل من خلال تعيينات مجلس الخدمة الاتحادي، التي جرت دون أي خطط مدروسة".
جدير بالذكر، أن السوداني، وفي منهاجه الوزاري ركز على ضرورة تنشيط الصناعة المحلية، وعاد ليكرر تأكيده عبر زيارته لوزارة الصناعة والمعادن، وهذا بالتزامن مع فتح باب التعيين لآلاف الشباب.