للمرة الأولى يقلّص العراق ساعات الدوام الرسمي في المؤسسات والدوائر الحكومية لمدة ثلاثة أشهر بعد موجة حر وصفت بالقياسية، لاسيما أنها تمر في شهر حزيران يونيو أول أشهر فصل الصيف.
وفيما يرى خبراء البيئة، أن تقليص ساعات العمل هو حل وقتي وإجراء اضطراري تتخذه الحكومات لمعالجة التغيرات البيئية، وأن الحل الرئيس يكمن في اتباع سياسة التشجير والحد من التصحر، أبدى العمال في القطاع الخاص تذمرهم لعدم شمولهم بإجراءات تقليص الدوام.
وكان رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، قد أصدر أمس الأول السبت، قرارا بتقليص الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية كافة وفق توقيتات معينة.
ويقول محمد سعد (35 عاما)، خلال حديث لـه إنه يعمل من الساعة السادسة صباحا حتى الساعة الثالثة والنصف عصرا في مشاريع البناء، لكن تقليص ساعات العمل الذي يشمل الموظفين الحكوميين لا يشملهم.
ويضيف سعد، أن “أقراني ممن يعملون في البناء والأحياء الصناعية للسيارات والمواد الاحتياطية يضطرون للعمل تحت أشعة الشمس الحارقة، لأنه لا بديل لتحصيل رزقهم سوى أعمالهم تلك، فالحكومة قلصت ساعات العمل للموظفين الحكوميين الذين يعملون هم أصلا في الظل بعيدا عن درجات الحرارة القاسية، دون التفكير بمن يعمل في القطاع الخاص”.
وسجلت 11 مدينة ومنطقة عراقية، يوم السبت الماضي، نصف درجات الغليان ضمن 15 منطقة كانت الأعلى في معدل درجات الحرارة على مستوى العالم، بحسب نشرة لمحطة “بلاسيرفيل” في كاليفورنيا الأمريكية.
وبين الجدول أن مدينة العمارة مركز محافظة ميسان (نحو 350 كلم جنوب بغداد) سجلت أعلى درجة حرارة بالعالم، وبواقع 50.8 درجة مئوية، تليها بالمرتبة الثانية الناصرية مركز محافظة ذي قار (نحو 344 كلم جنوب بغداد) وبواقع 50.8 درجة مئوية، تليها بالمرتبة الثالثة منطقة الحسين بمحافظة البصرة (نحو 550 كلم جنوب بغداد)، وبواقع 50.5 درجة مئوية، ومن ثم جاءت مدينة الكوت مركز محافظة واسط (نحو 180 كلم جنوب بغداد) رابعا وبواقع 50.5 درجة مئوية، وجاءت مدينة مطار الكويت الدولي في الكويت خامسا بدرجة حرارة بلغت 50.5 درجة مئوية.
إلى ذلك، يذكر الخبير البيئي أحمد صالح نعمة خلال حديث لـه أن “تقليص ساعات الدوام إجراء اضطراري نتيجة ما يتعرض له العراق من موجة حر غير مسبوقة، بعدما بدأ العراق يسجل درجات حرارة هي الأشد في العالم لاسيما في محافظة ميسان”.
ويرى نعمة، أن “الإجراءات الحكومية وإن كانت متأخرة فلا بأس بها لاسيما خطوات التشجير في محافظة المثنى وكربلاء، لكن هذه الخطوات سيكون أثرها على المدى الطويل وليس القصير، فالأشجار تحتاج إلى فترة طويلة لتمد جذورها وأغصانها وتكون قادرة على أن تصبح باعثا للرطوبة”.
ويؤكد أن “الحفاظ على البيئة والحد من تغير المناخ هو أمر تكافلي، لذا فهو لا يعتمد فقط على الزراعة، فالضرورة تحتم التعاون مع البلدان المجاورة على خلق عالم جديد من الأشجار والمساحات الخضراء والمراعي الطبيعية ومراعاة الأمور التي تحد من التصحر وانبعاث الرمال وضرورة تنفيذ الخطة الحكومية الممتدة إلى عام 2028 بإنهاء الشعلات النارية جراء حرق الغاز واستغلال هذه الثروة في الطاقة الكهربائية”.
ويوصي الخبير البيئي بـ”تجنب الظهور في هذه الفترة تحت أشعة الشمس المباشرة، وإن كان انقطاع التيار الكهربائي في المنازل عاملا يصعب من الأمر، لكن البقاء تحت الظل هو أفضل الحلول”.
ووجه رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، أمس الأول السبت، بتقليص ساعات الدوام الرسمي في بغداد والمحافظات، “مراعاةً لظروف ارتفاع درجات الحرارة، وخصوصًا أوقات الذروة، وبهدف تخفيف الأعباء على المواطنين عموما والموظفين خصوصا”، على أن يكون وقت بدء الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية كافة في المحافظات، عدا العاصمة بغداد، في الساعة السابعة صباحا وانتهاء الدوام في الساعة الواحدة ظهرا.
كما منح السوداني المحافظين صلاحية تعطيل الدوام الرسمي في المؤسسات الحكومية كافة، بما فيها الدوائر المركزية غير المرتبطة بالمحافظة العاملة في محافظاتهم في الأيام التي تبلغ فيها درجات الحرارة 50 درجة مئوية فأكثر.
وكانت محافظة ذي قار، قررت أمس الأحد تعطيل الدوام الرسمي باستثناء بعض المؤسسات، كما رفعت إدارة حقل غرب القرنة 1 في البصرة، رفع الراية البنفسجية بعد ارتفاع درجات الحرارة.
وتشير الراية البنفسجية إلى الأشعة فوق البنفسجية القصيرة، التي تعد الأشد خطرا على الإنسان، وتؤدي إلى الإصابة بضربة الشمس وتعمل على قتل الخلايا الحية في الجسم، وتعمد الكثير من الشركات على رفع إشارة التحذير المذكورة لتنبيه العاملين لاتخاذ أعلى درجات الحيطة والحذر.
من جهته، يشير عضو تجمع حماية البيئة والتنوع الإحيائي، أحمد حمدان الجشعمي، إلى أن “تقليص ساعات الدوام وتعطيله، أحد الحلول الوقتية التي يمكن أن تتخذها الحكومات عندما ترتفع درجات الحرارة إلى مستويات قياسية، لكن هذا المناخ القاسي لم يأت من فراغ، إنما بسبب زيادة نسبة التصحر في البلاد إلى مستويات هائلة حيث أصبحت معظم المساحات الزراعية في العراق صحراوية أو جافة أو شبه جافة”.
ويضيف الجشعمي، أن “درجات بدأت تصل في بوادي العراق والهضبة الغربية من 52 – 56 درجة مئوية، بينما في المدن القريبة من الأنهر تصل إلى 50 درجة”، لافتا إلى أن “الاستزراع والتشجير في الصحاري أو مداخل المدن ودواخلها هو السبيل الأنجع لتقليل نسب درجات الحرارة”
ويتطلع الجشعمي إلى “دور أكبر من وزارة الصحة والبيئة والحكومة المركزية والإدارات المحلية للمحافظات للعمل على زراعة ملايين الأشجار الظلية أو الأشجار المثمرة والنخيل لإعطاء كميات أكبر من الأوكسجين لتلطيف الهواء والتقليل من نسب التصحر والتلوث، لأن هذا يساعد على تحسين وإنعاش الأجواء”.
ويتابع أن “التغير المناخي جاء بسبب قلة المساحات العشبية وخطط البناء الأفقي والتجاوز على المساحات الزراعية والبساتين، إذ أدى كل ذلك إلى تفاقم الأزمة”، مشيرا إلى أن “الدولة العراقية أوجدت تعطيل الدوام كحل ترقيعي لتفادي الحالات الطارئة، لاسيما أن أغلب الشركات النفطية رفعت الرايات البنفسجية”.