في خطوة تصعيدية مفاجئة، لوّح العراق بالرد العسكري ضد إيران التي نفذت ضربة عسكرية على أربيل، وهي المرة الأولى التي يصل فيها العراق إلى هذه اللهجة التي تحدث بها وزير الدفاع ثابت العباسي.
لكن مراقبين للشأن السياسي، قللوا من جدية استخدام الرد العسكري، كما حذروا مما أسموه "استعراض العضلات" الذي قد يعيد إلى الأذهان حرب الثماني سنوات بين البلدين، فيما رجحوا أن يستخدم العراق الردود الدبلوماسية، وفي مقدمتها إلغاء الاتفاقية الأمنية لضبط الحدود بين البلدين والسير بالشكوى لدى مجلس الأمن الدولي.
وتعرضت مدينة أربيل مساء الاثنين الماضي، لقصف عنيف بـ12 صاروخاً باليستياً، راح ضحيته 4 أشخاص في حصيلة أولية بحسب وزارة الداخلية في إقليم كردستان، واستهدفت الضربات منزل رجل الأعمال الكردي (بيشرو دزيي) وعدداً من الشركات التجارية والاستثمارية، كما تعرضت قاعدة حرير الجوية والقنصلية الأمريكية في أربيل إلى هجوم بالصواريخ والطائرات المسيرة.
ويقول مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، غازي فيصل، خلال حديث لـه إن "لجوء إيران للقصف الصاروخي على أربيل انتهاك للقانون الدولي والمواثيق الدولية، خاصة وأن القصف الأخير جاء تحت ذرائع لا تبرر إطلاقاً شن العدوان العسكري على العراق، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية لتقديم شكوى إلى مجلس الأمن الدولي، كي تأخذ مسارها في إطار ميثاق الأمم المتحدة كما دفع وزارة الدفاع للرد بتصريحات شديدة".
ويضيف فيصل، أن "ما قدمته مستشارية الأمن الوطني من معلومات دقيقة تتعلق بعدم وجود ما يؤكد صحة الادعاءات الإيرانية لتبرير القصف الذي يشكل جريمة حرب، يجعل العراق في مفترق طرق، لأن إيران لم تحترم الاتفاقات الأمنية ولم تحترم التعاون الأمني والمباحثات المطولة حول أمن الحدود ولجأت إلى القوة العسكرية".
وكان الحرس الثوري الإيراني قال إنه هاجم ما وصفه بمقر تجسس لإسرائيل في المنطقة، لكن مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، نفى أن يكون المستهدف مقراً للموساد، مشيراً إلى أن الادعاءات الإيرانية لا أساس لها من الصحة.
ويجد مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية أن "من حق العراق الدفاع عن النفس والرد على هذا الهجوم بهجوم مقابل أو الاحتفاظ بحق الرد في وقت ملائم، فالعراق يمتلك قدرات عسكرية أيضاً تطورت عن طريق التسليح والتدريب والأجهزة والمعلومات، لكني أعتقد أنه لن يلجأ إلى هذا الرد".
ويرجح فيصل، أن "يلجأ العراق إلى إلغاء الاتفاقية الأمنية لحفظ الحدود، لعدم جدواها ويعلق العلاقات الدبلوماسية أو يخفض مستواها، وهذا الوضع يعني أيضاً عدم السماح للكتائب المسلحة العراقية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من الاستمرار بقصف أربيل أو المدن العراقية الأخرى ومساهماتها الخطيرة في الحرب الداخلية السورية".
وكان وزير الدفاع، ثابت العباسي، دان بشدة أمس الأربعاء، القصف الإيراني على كردستان، وأكد بأن "قواتنا جاهزة للرد على الاعتداءات الخارجية، وإمكانية الذهاب إلى تعليق الاتفاقية الأمنية الأخيرة مع إيران، لافتاً إلى أن انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق سيكون بما يلائم ساحة العمليات ومدروساً وفقاً لجاهزية الجيش، فيما تحدث عن طلب الولايات المتحدة وقف هجمات الفصائل كشرط لبحث انسحاب قوات التحالف الدولي.
وقبل ذلك، كانت قد أعلنت وزارة الخارجية، تقديم شكوى ضد إيران إلى مجلس الأمن الدولي، على خلفية هجومها الصاروخي الذي استهدف مدينة أربيل بإقليم كردستان العراق وأدى لسقوط قتلى وجرحى مدنيين.
من جهته، يرى المحلل السياسي ماهر جودة، خلال حديث لـه أن "هذه الضربة لم تكن محسوبة من قبل إيران، إذ ألقت بظلالها على العلاقات بين البلدين وأثارت ردود فعل غير مسبوقة في الشارع العراقي، ومع وجود ضحايا من المدنيين وعائلة لرجل أعمال كردي، وصفت الجهات العراقية هذا التصرف بالعدواني وتمت إدانته ورفضه رفضاً تاماً، فإذا كان هناك صراع بين طهران وواشنطن، لا يجب أن تكون بغداد وأربيل ساحة لهذا الصراع".
ويضيف جودة، أن "تصريحات وزير الدفاع التي تمثل القائد العام للقوات المسلحة، كانت تصعيدية، فالعراق لا يحتاج إلى الردود العسكرية المباشرة في الوقت الحالي، والأجدى استخدام القنوات الدبلوماسية، وثمة اتفاقات علينا اللجوء إليها قبل أي رد، ومن ثم نعرض القضية على المجتمع الدولي عن أن ما يحدث يجب ألا يتكرر وأن يكون هناك احترام لحسن الجوار، لذا لا ينبغي أن نساق إلى صراعات تعيد إلى الأذهان حرب الثمانينات الطاحنة بين الدولتين التي كانت ضحاياها مليونية".
ويعتقد أن "أسلوب العين بالعين والسن بالسن، لا ينجح حتى لو كانت هناك إمكانية للرد العسكري فليس من المنطق أن نرد بالأسلوب نفسه، لأن هذا يضيع حق العراق في المجتمع الدولي، لذا فإن اللجوء إلى الطرق الدبلوماسية أفضل، ولسنا الآن بحاجة إلى استعراض عضلات يرجعنا إلى حرب طاحنة جديدة".
وأعلنت كل من بغداد وطهران نهاية شهر آب أغسطس في العام الماضي، توقيع اتفاقية أمنية بين البلدين تقضي بتفكيك معسكرات المعارضة الكردية الإيرانية الموجودة في إقليم كردستان على الحدود مع إيران، شمالي العراق، وتقضي الاتفاقية بإيقاف طهران عملياتها العسكرية داخل البلدات الحدودية العراقية، مقابل أن تقوم بغداد بتفكيك تجمعات تلك المعارضة وإبعادها عن الحدود مع إيران، وتسليمها المطلوبين منهم.
يذكر أن إيران تستهدف بشكل متكرر، إقليم كردستان العراق بهدف قصف ما تسميه "مواقع جماعات انفصالية وإرهابية"، في الوقت الذي تنفي بغداد إيواء أي جماعات تهدد دول الجوار.
إلى ذلك، يتفق عضو تحالف بدر عائد الهلالي، مع جودة، في أن "التصعيد غير مطلوب في الوقت الراهن، نحتاج الآن إلى ضبط النفس بشكل كبير، وهناك طرق دبلوماسية ممكن أن ننتهجها، فمن الممكن أن نخاطب الدولة الإيرانية باللغة التي تفهمها لتنبيهها بأن هذه الانتهاكات صارخة ومرفوضة، ولو كان هناك شيء قد يهدد الأمن القومي الإيراني، فهناك قنوات دبلوماسية ودولة ذات سيادة وحكومة قد وقعت اتفاقات مع نظيرتها الإيرانية يمكن أن تلجأ لها".
ويعتقد الهلالي، خلال حديث لـه، أن "العراق لا يريد أن يدخل في صراعات وحروب مرة أخرى، لاسيما أنه قد بدأ للتو بالتعافي وهذه العملية تحتاج إلى وقت طويل جدا وتراكم في عمليات البناء والتنمية وتطوير القوات الأمنية، وحتى إن طورنا هذه القوات لا نريد أن نستخدمها للتجاوز والاعتداء على دول الجوار أو ندخل فيها حربا".
وبالتعليق على حديث وزير الدفاع، يرى أن "هذا الخطاب تعكز بشكل كبير جدا على تصريح رئيس الوزراء الذي وصف هذه الضربة بالعدوان المرفوض وتحدث عن إمكانية الرد، ومن الممكن أنه كان يريد ردا دبلوماسيا وليس تصعيدا عسكريا".
وتوالت تداعيات القصف الإيراني على مدينة أربيل في إقليم كردستان، حيث وصف رئيس الوزراء محمد شياع السوداني، الهجوم بـ"العمل العدواني" وشكل لجنة للتحقيق على رأسها مستشار الأمن القومي الذي ذكر أن الادعاءات التي تتحدث عن استهداف مقر للموساد لا أساس لها من الصحة، كما أعلنت وزارة الخارجية، استدعاء سفير العراق لدى إيران، "للتشاور"، بشأن الضربات الصاروخية.