منذ بداية العام الجاري، شهد العراق انعقاد ثلاثة مهرجانات فنية وثقافية دولية، وعلى الرغم من التفاوت في تقييم مدى نجاح هذه المهرجانات، إلا أنها اتسمت جميعًا بخاصية مشتركة تتمثل في ضعف الجانب الإعلامي. لقد تم افتتاحها واختتامها بصمت، دون أن يتسنى للجمهور العراقي الإلمام بأخبارها بشكل جلي، واقتصرت الحضور على دوائر معينة، وبقي صدى هذه المهرجانات محصورًا في نطاق ضيق.
وفي مطلع العام الجاري، أقامت الهيئة العربية للمسرح الدورة الرابعة عشر لمهرجان المسرح العربي في العاصمة بغداد، تبعها مهرجان المربد الشعري الذي أُقيم برعاية وزارة الثقافة والسياحة والآثار، وتحت إشراف حكومة البصرة المحلية وبالتعاون مع الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، كما اختتم في الرابع عشر من شباط مهرجان بغداد السينمائي الذي نُظّم بالتعاون مع وزارة الثقافة ونقابة الفنانين العراقيين.
ويقول مصدر مطلع على تنظيم مهرجان بغداد السينمائي إن الحكومة خصصت مبلغ ملياري دينار عراقي من أجل إقامة المهرجان، مشيرة إلى أن “الهدف هو عكس الجانب المشرق للعراق من خلال جذب فنانين من مختلف البلدان العربية، وهذا ما تحقق بالفعل بعد حضور نخبة من الفنانين”.
وأضاف في حديث له إن “المهرجان المشار إليه باء بالفشل الذريع في تحقيق التطلعات المرجوة منه، إثر عجز المسؤولين عن إدارته بكفاءة”، موضحاً أن “النقاش حول الجانب الإعلامي يمثل قسماً يسيراً من أسرار المهرجانات التي تستنزف مبالغ مالية هائلة دون محاسبة أو رقابة”.
وقد يُعزو البعض ضعف اهتمام العراقيين بالمهرجانات، ولكن الواقع يفرض نفسه؛ فالجمهور العراقي حضر وتفاعل مع مهرجانات أخرى بطريقة أكثر من رائعة والشواهد على ذلك عديدة.
وربما يتحمل الإعلام العراقي جزءاً من المسؤولية، إذ أصبحت المواضيع الثقافية في آخر اهتماماته، ومع ذلك تبرز بعض الآراء هنا وهناك تستحق الإضاءة عليها وعرضها باعتبارها تتناول جزئية مغيبة عن المشهد. ومن أبرز الانتقادات حول مهرجان بغداد السينمائي ما كتبه الإعلامي والكاتب الصحفي عباس عبود على صفحته في فيسبوك.
وانتقد عبود القائمين على المهرجان عبر منشورين على صفحته في فيسبوك قال في الأول: “من يتصور أن البساط الأحمر (Red Carpet) مجرد زولية حمراء! ومن يصعب عليه الفصل بين النجم والكومبارس! ومن يخلط بين أهل الدراما وأهل السينما وأهل الإعلام لأن جميعهم كائنات يستهويها التصوير والظهور، ومن يعجز عن فك الارتباط بين الطشة والنجومية”.وأضاف أن هناك من يتناسى حقيقة أن دائرة السينما والمسرح تعيش على الذكريات بعد أن تحولت دور السينما إلى مخازن وخلت البلاد من البنية التحتية للسينما.
وأجاب بالقول: “نحن نتخبط ونصنع السراب ونجري خلفه بلا وعي، فنحن بارعون في تغليب (الكلاوات) على العمل الحقيقي!”.واختتم حديثه بأن “ضيوف العراق من النجوم العرب سيعودون إلى بلدانهم وعسى يتحدثون عن القوزي والمسكوف والبرياني والتشريب ويشكرون الضيافة، ويسأل أحدهم الآخر عن المبلغ الذي تسلمه، وآخر ما سيتذكرونه هو الحديث عن السينما في بلد (صاير سينما)”.
ورد في الآخر على بعض الاستفسارات بالقول إن الهدف من إقامة المهرجانات في بغداد هو إيصال رسالة مزدوجة للمنطقة، مفادها أن بغداد مدنية وأنها آمنة، مشيرًا إلى أن هذه الرسالة في تقديري لا تصل من خلال مهرجانات للتعارف والتقاط الصور، بل بالتأسيس الرصين لتنوير عراقي ينهض بالمجتمع والدولة وصورتها الخارجية.
وأضاف أن التنوير العراقي الذي شهدته بغداد وحواضر العراق بعد الحرب العالمية الثانية أنتج جواد سليم وشاكر حسن آل سعيد وفائق حسن ورفعت الجادرجي وعلي الوردي وعبد الوهاب البياتي والسياب ونازك الملائكة وفؤاد التكرلي ويوسف العاني وحقي الشبلي وروحي الخماش وناظم الغزالي ومنير بشير والمئات من رواد التنوير العراقي الذين بلغوا المجد بعبقرياتهم الفذة، لا بالتسويق المجوف والأزياء والأضواء والولائم والعزائم.
وبالعودة إلى المصدر المطلع، فيقول إن “وزارة الثقافة عاجزة عن أداء دورها كالمؤسسات الأخرى التابعة للدولة، وهي تنتظر الدعم الحكومي لتنظيم مهرجانات هنا وهناك دون وجود هدف محدد”، مُعتقدًا أن “الارتقاء بالحراك الثقافي العراقي يتطلب إمكانيات وجهودًا لا تتوفر في الوقت الراهن”.
وأوضح أن “الجمهور يتفاعل مع المنجز الثقافي الحقيقي، وعلى الرغم من أن هناك فئات تتأثر بما يُطرح، إلا أن التأثير يظل محدودًا ويتلاشى مع تقادم الزمن”، مُستغربًا من “تنظيم ثلاثة مهرجانات في أقل من شهر واحد دون أن تحظى بتلك الشهرة الجماهيرية الواسعة”.
اليوم: الاحد