“قبل يومين من موعد زواجنا استشهد خطيبي”، بحزن شديد تستذكر نور حيدر (29 عاما) تفاصيل الحادث المأساوي الذي تعرض له شريك حياتها المفترض قبل أن يرحل إلى مثواه الأخير تاركا أحلامها تتبخّر.
وتقول نور، خلال حديث لـه، بمناسبة اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب، “في الأيام الأخيرة من شهر رمضان خلال العام 2016 خرجنا للتسوق وشراء المستلزمات الكمالية الأخيرة في تجهيز بيت الزوجية، لكنني لم أكن أعرف أنها المرة الأخيرة التي ترافق خطواته خطواتي”.
يشار إلى أن دول العالم تستذكر اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الإرهاب الذي يصادف 21 آب أغسطس من كل عام، بعد إقراره من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 2017، لتكريم ضحايا الإرهاب والناجين منه، حيث يقع العراق في المقدمة من حيث عدد الضحايا والتضحيات الجسيمة، لاسيما خلال ذات العام المذكور والذي شهد سيطرة تنظيم داعش على مدن عراقية أبرزها الموصل شمالي البلاد.
وتضيف نور، “أثناء تجوالنا في سوق الكرادة داخل، وسط العاصمة بغداد، دخلت إلى أحد مجمعات الملابس النسائية وذهب خطيبي إلى مجمع للألبسة الرجالية -مجمع الليث التجاري-، لكنه دخل عريسا وخرج جثة متفحمة جراء انفجار سيارة مفخخة استهدفت المجمع وما حوله”.
وتكمل “كان موعد زفافنا في أول أيام عيد الفطر، ولكني أصبحت أرملة قبل الموعد وخسرت شريك حياتي بانفجار إرهابي جبان ذهب ضحيته الكثير من الأطفال والشباب”.
وفي تموز يوليو عام 2016 هز انفجار كبير منطقة الكرادة وسط العاصمة بغداد راح ضحيته نحو 500 شخص بين قتيل وجريح من المدنيين، ويعد هذا التفجير من أعنف التفجيرات الإرهابية في العراق بعد العام 2003، وما زال عالقا في ذاكرة العراقيين حتى الآن.
أما سلام الهاشمي (27 عاما)، فلا تختلف قصته عن نور كثيرا، حيث فقد شقيقه الأكبر أثناء عمليات تحرير المدن العراقية من تنظيم داعش.
ويوضح الهاشمي، خلال حديث لـه، أن “شقيقي استشهد خلال عمليات تحرير الأراضي العراقية من عصابات داعش الإرهابية في قاطع الفلوجة بمنطقة العامرية، وفي إحدى العمليات العسكرية انفجرت عبوة ناسفة عليه واستشهد في الحال عام 2015”.
ويتابع أن “العملية بدأت عندما وصلت معلومات استخبارية إلى قيادات الجيش تفيد بوجود منزل في العامرية يأوي عناصر من داعش وعندما تحركت القطعات لقتلهم وتحرير المنزل اتضح أنه مفخخ، وعند دخول الجنود للمنزل ومعهم شقيقي كانت هناك عبوة ناسفة مزروعة عند المدخل ضغط عليها شقيقي مما أدى إلى انفجار المنزل”.
ويشير إلى أن “استلام جثمان شقيقي تأخر في ذلك الوقت بسبب صعوبة الانتقال من تلك المناطق إلى بغداد، وبعد نصف يوم نقلته طائرة إلى مطار المثنى في بغداد”.
ويبين الهاشمي، أن “استحقاقات شقيقي استلمها والدي وهي قطعة أرض سكنية في منطقة صحراوية بعيدة، بالإضافة إلى راتبه الذي تأخر لمدة ثلاثة أشهر بسبب المعاملات الروتينية”.
وكانت القوات العراقية قد أعلنت الانتصار على تنظيم داعش في 10 كانون الأول ديسمبر 2017، بعد تحرير مدينة الموصل من قبضة التنظيم، وبذلك استعاد العراق جميع المدن والأراضي التي سيطر عليها عناصر داعش لقرابة أربع سنوات.
وبهذا الصدد، يؤكد رئيس المركز الاستراتيجي لحقوق الإنسان، فاضل الغراوي، خلال حديث لـه، أن “العراق احتل المرتبة الثانية بعد سوريا في الدول الأكثر تضررا من الإرهاب حسب مؤشر الإرهاب العالمي، حيث جاءت سوريا بالمركز الأول عربيا والخامس عالميا بـ7.890 نقطة، تلاها العراق في المرتبة الثانية عربيا والـ11 عالميا بـ7.078 نقطة، فيما جاءت بعده بوركينا وباكستان”.
ويردف الغراوي، أن “ضحايا الإرهاب من الشهداء والجرحى منذ العام 2016 وحتى الآن بلغ نحو 600 ألف شخص مدني وعسكري، لكن العراق بدأ يتعافى من آثار الإرهاب إذ انخفضت العمليات والخروقات الإرهابية بنسبة 90 بالمئة في العام 2024 مقارنة بالعام 2015”.
وكان تنظيم داعش قد سيطر في العام 2014 على عدة محافظات عراقية تشكل 40 بالمئة من مساحة العراق الكلية، وسُجلت 20 ألفا و169 حالة قتل في عموم العراق، رغم أنه لم يتم التأكد من صحة هذه الأرقام، لا من قبل المؤسسات الرسمية، ولا التابعة للأمم المتحدة.
“عبوة ناسفة”
“عبوة ناسفة حطمت حياتنا”.. بهذه العبارة بدأ حسين كريم (31 عاما)، حديثه لـه، عن تفاصيل الحادث الإرهابي الذي فارق على إثره والده الحياة في العاصمة بغداد.
ويوضح كريم، “والدي استشهد في 2007 بعبوة ناسفة تم وضعها تحت سيارته التي كانت مركونة أمام منزلنا في منطقة البياع غربي بغداد، وكان والدي في لحظة الانفجار قريب جدا من السيارة عندما انفجرت العبوة وقتلته في لحظة”.
ويشير إلى أن “الخسارة كانت كبيرة، بالإضافة إلى استشهاد والدي، تضرر جزء كبير من المنزل بسبب قوة الانفجار، ما اضطرنا أن ننتقل إلى بيت أجدادي، خوفا على حياتنا وبسبب تدمير منزلنا أيضا”.
ويتابع كريم “والدي كان عقيدا في الجيش العراقي، ولكن لم نحصل على أي مستحقات من الحكومة سواء قطع أراضي سكنية أو مبالغ مالية سوى زيادة بسيطة على الراتب باعتباره شهيد”.
وبحسب رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، فقد تكبد العراق خسائر بلغت 100 مليار دولار، لكن مصادر أخرى تشير إلى أن الرقم الذي ذكره العبادي صادم، وهو أكبر من ذلك بكثير، إذ أن الخسائر الحكومية من مبان وخزائن البنك المركزي والأسلحة التي تركتها القوات العراقية تقدر بـ36 مليار، أما المنازل في القطاع الخاص، تقدر الخسائر بـ7,5 مليار دولار، وفي قطاع الكهرباء، قدرت الخسائر بـ12 مليار دولار. وأن الخسائر في المحافظات العراقية التي تأثرت بحرب داعش تقارب 200 مليار دولار.
الصدمة وما بعدها!
إلى ذلك، ترى الباحثة النفسية إيناس هادي، خلال حديث لـه، أن “الآثار النفسية التي خلفتها جرائم الإرهاب على ذوي الضحايا تشمل الصدمة النفسية واضطرابات ما بعد الصدمة (PTSD)، بالإضافة إلى الاكتئاب، القلق، والشعور بالفقدان والحزن العميق”.
وتؤكد هادي، أن “ذوي ضحايا الإرهاب يواجهون حتى الآن صعوبة في التكيف مع حياتهم اليومية والتعامل مع الألم المستمر بعد خسارتهم لأقاربهم وأبنائهم نتيجة العمليات الإرهابية”.
ومن الناحية العلاجية، تطالب الباحثة النفسية، الحكومة بـ”توفير دعم نفسي متخصص من خلال برامج علاجية شاملة تتضمن جلسات علاج نفسي فردي وجماعي، ومتابعة طبية لمن يعانون من اضطرابات نفسية شديدة، كما يمكن أن تنظم الحكومة برامج إعادة التأهيل المجتمعي لمساعدة ذوي الضحايا على استعادة حياتهم الطبيعية وتعزيز التماسك الاجتماعي”.
وفي العام 2017 أعلنت الأمم المتحدة عن تشكيل فريق لتعزيز المساءلة بالجرائم المرتكبة من تنظيم داعش في العراق، وعمل على جمع أدلة وتقارير عن نشاطات داعش. لكنه توقف عن العمل وخرج من البلد، إذ صرّح مستشار رئيس الحكومة محمد شياع السوداني أن العراق لم يعد بحاجة لوجود فريق “يونيتاد”، وإن الفريق لم يتعاون بنجاح مع السلطات العراقية، من جانبه أشار المستشار الخاص ورئيس الفريق كريستيان ريتشر أن الأمم المتحدة اضطرت إلى إنهاء عملها قبل انتهاءه نتيجة لتوتر العلاقة مع بغداد.
أين الحقوق؟
من جهته، يؤكد المسؤول في إعلام وعلاقات مفوضية حقوق الإنسان، سرمد البدري، خلال حديث لـه، أن “تأخر إقرار الموازنة الاتحادية خلال السنوات السابقة وقلة التخصيصات المالية التي تمنح لمؤسسة الشهداء والدوائر المعنية منعها من القيام بمهامها والتزاماتها المالية تجاه المستفيدين من قانون تعويض ضحايا الإرهاب والعمليات الحربية كصرف بدل الوحدات السكنية والقروض المنصوص عليها في قانون المؤسسة رقم 2 لسنة 2016”.
ويكمل أن “نص المادة 14 من القانون آنف الذكر (تلتزم وزارة المالية بتخصيص المبالغ اللازمة في الموازنة الاتحادية السنوية لصرف بدل الوحدة السكنية والمنح العقارية لذوي الشهداء وحسب البيانات المتوفرة في المؤسسة)”.
ويبين أن “المؤسسة لها التزامات مالية أخرى منها الحج، والدراسات الأولية والعليا، والمنح والقروض العقارية، والحقوق والامتيازات كافة التي نص عليها القانون إضافة لما تم تضمينه ضمن قانون الدعم الطارئ للأمن الغذائي والتنمية والموازنات الحالية، لتغطية مصاريف مؤسسة الشهداء، ولتوزيعها بين مختلف الشرائح لكل من شهداء الحشد الشعبي وضحايا العمليات الإرهابية.
ويتابع “لاحظنا عدم توزيع قطع الأراضي لذوي الشهداء في مركز العاصمة بغداد وفق المادة 15 الفقرة ثانيا من قانون المؤسسة التي تنص على أن تقوم وزارة الإعمار والإسكان والبلديات والأشغال العامة ووزارة المالية وأمانة بغداد وبلديات المحافظات بتخصيص قطع أراضي في أماكن جيدة لتقوم المؤسسة ببناء الوحدات السكنية عليها وما ترومه من إنشاء أبنية لها، مع العرض إنه تم مفاتحة أمانة بغداد بهذا الموضوع”.
ويلفت البدري، إلى أن “الأمانة اعتذرت بعدم توفر رصيد كاف من قطع الأراضي السكنية يكفي للشرائح المشمولة بقانون مؤسسة الشهداء، حيث تم توزيع قطع الأراضي في بعض المحافظات أما بالنسبة إلى محافظات بغداد، وكركوك، ونينوى، وديالى، وصلاح الدين، لم تكن بالمستوى المطلوب”.
ويتابع أن “عدم التزام الجهات المعنية بتخصيص نسبة لا تقل عن 15 بالمئة من الدرجات الوظيفية لشرائح ذوي الشهداء المشمولين بأحكام هذا القانون من الحد الأعلى لسن التعيين مع إلزام الوزرات بتقديم كشف سنوي لذلك الى لجنة الشهداء والضحايا والسجناء السياسيين في مجلس النواب”.
ويكمل البدري ،أن “المفوضية أشرت ضعف الدعم اللوجستي والبشري لمديريات الشهداء في العاصمة بغداد واللجان الفرعية في المحافظات وعدم تنسيب عدد كافٍ من الموظفين بما يتناسب وأعداد المراجعين في تلك المديريات بالإضافة إلى عدم فتح مكتب آخر في العاصمة بغداد جانب الكرخ لتخفيف الزخم على مراجعة المديرية”.
ويوضح “اقتصرت المديريات على تقديم الخدمات الطبية والعلاجية للمصابين وذوي الضحايا على التنسيق مع المراكز الصحية ومستشفى الكفيل وابن الهيثم وإصدار بطاقات صحية بدائرتي صحة بغداد الكرخ والرصافة، وتقديم الخدمات الطبية كافة وعلاج المرضى على نفقة الدولة داخل العراق، أما فيما يتعلق بإجراء العمليات الجراحية التي تتطلب السفر والعلاج خارج البلد إعمالا لنص المادة 20/ ثامنا من قانون مؤسسة الشهداء رقم 2 لسنة 2016، فهي متوقفة بسبب قلة التخصيصات المالية”.
وينبه إلى أنه “تم تشكيل هيئة قضائية برئاسة محكمة استئناف الأنبار بصفتها التمييزية لنظر في هذه الدعاوى وإبطال قرارات التعويض أو العمل بها حسب ما يثبت للمحكمة من أدلة”.
ويختم حديثه بأن “عدم صرف فروقات الرواتب التقاعدية بأثر رجعي لبعض ذوي المشمولين بقانون ضحايا الإرهاب على الرغم من تخصيص المبالغ المالية ضمن الموازنات الاتحادية”.
تجدر الإشارة إلى أن العراق شهد بعد شهر واحد من سقوط النظام السابق، وتحديدا في نيسان أبريل 2003 بدء العمليات الإرهابية التي كانت تستهدف المدنيين والقوات العسكرية فيما كان يسمى بـ”مثلث الموت” وتحديدا في المنطقة الواقعة بين جنوب بغداد ومحافظة بابل بسبب الكم الهائل من هجمات التنظيمات الإرهابية وزرع العبوات الناسفة واستهداف المدنيين والموظفين الحكوميين بدوافع طائفية.