أثارت الأرقام التي تم ذكرها في جداول الموازنة العامة الاتحادية لسنة 2024، جدلا في الأوساط الاقتصادية والسياسية، كونها جاءت مرتفعة نوعا ما بالنسبة لبلد لازال اقتصاده ريعيا يعتمد بشكل أساسي على النفط، وفي حال حصول أي انخفاض أو مشكلة ما فإن هذا من شأنه أن ينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي، خاصة وأن الموازنة التشغيلية في البلد بلغت نحو 62 تريليون دينار بزيادة ثلاثة تريليونات عن العام السابق، والتي بلغت حينها 59 تريليون دينار.
وبهذا الصدد، يقول المختص في الشأن الاقتصادي جعفر الناصري، خلال حديث لـه ، إن “الأرقام التي أعلنت عنها الحكومة في موازنة 2024 تشير إلى مخاطر قد لا تتمكن الدولة من تجاوز آثارها في المستقبل”.
ويضيف أن “وصول الموازنة الاستثمارية إلى معدلات عالية قد يكون مقبولا كونها تدخل في مشاريع إستراتيجية وخدمية رغم مؤشرات الفساد التي ما تزال قائمة، لكن ارتفاع نفقات الموازنة إلى الرقم الذي حددته الحكومة يضع أكثر من علامة استفهام على الصعود المهول في الموازنة التشغيلية والتي تؤشر ارتفاع معدلات التعيين”.
ويتابع الناصري “هذا يعني أن تشغيل ماكنة القطاع الخاص ما تزال تخضع للمزاج الحزبي والسياسي الذي يستخدم ورقة التعيينات لرفع قدرته الشعبية في الشارع”.
ويؤكد أن “حراك رئيس الحكومة يحتاج إلى ثورة كبيرة لإعادة ضخ الحياة في القطاع الخاص وتنشيط السوق لسحب الكتلة البشرية الهائلة التي تطالب بالتعيينات سنويا إلى العمل بعيدا عن هوس التعيين”.
وكان مجلس النواب العراقي قد صوّت في 12 حزيران يونيو 2023، على قانون الموازنة الاتحادية للأعوام 2023 و2024 و2025، في بادرة هي الأولى من نوعها في تاريخ البلاد من حيث حجم الموازنة وكذلك عدد السنوات المالية، بقيمة 197 تريليونا و828 مليار دينار، بعجز مالي قدره 63 تريليون دينار، أي ما يقارب ثلث الموازنة.
وفي السياق، يوضح الخبير الاقتصادي قاسم بلشان، خلال حديث لـه، أن “مجلس الوزراء أكمل جداول الموازنة والأرقام التي جاءت فيها مرتفعة جدا ويبدو أن الجهات القائمة عليها لم يفقهوا حتى اللحظة الواردات العراقية وما تحمله الموازنة العراقية”.
ويشير إلى أن “الحكومة عاجزة عن أن تقوم بدورها فيما يخص الأموال والاقتصاد وتقوم بخطوات ليست جيدة على المدى البعيد والمتوسط، فهي تحاول أن تضع حلولا ترقيعية لا ترقى للطموح الحقيقي والفعلي ولا توجد دراسة فعلية”.
ويوضح أن “جداول الموازنة يجب أن تتطابق وتتوافق مع خزينة العراق وصادراته ولا يجب أن تكون إدارة الأمور المالية بطريقة عبثية، فتدهور أسعار النفط مستقبلا قد يضع العراق أمام مشكلة حقيقية، حتى أنه لن يتنمكن من دفع رواتب موظفيه، وتطمينات الحكومة بشأن الرواتب غير مجدية”.
يشار إلى أن المستشار المالي لرئيس الوزراء مظهر محمد صالح، أكد في 30 آذار مارس الماضي، أن جداول موازنة 2024 تركز على الإنفاق الاستثماري للمشاريع الجديدة، مبينا أن أهم ما في هذه الجداول هو تحديد مستويات الإنفاق الاستثماري على المشاريع الجديدة، وهو إنفاق جوهري وأساسي في حركة الاقتصاد العراقي، إذ يرتبط ارتباطا مباشرا بالتطور والنمو في الاقتصاد من خلال توفير الشروط الموضوعية لحركة الطلب الحكومي على لوازم ومدخلات الاستثمار في المشاريع الجديدة المعتمدة.
من جانبه، يبين عضو اللجنة المالية النيابية مصطفى الكرعاوي، خلال حديث لـه ، أن “جداول الموازنة التي صوت عليها مجلس الوزراء سرعان ما تصل إلى مجلس النواب وسنقوم بمراجعتها ومقارنتها مع ما متحقق في موازنة سنة 2023 لكي نتمكن من تقليل الضغط على الموازنات المقبلة ومستقبل العراق الاقتصادي”.
ويشدد “نسعى إلى تحقيق جداول وموازنة واقعية ومنطقية وقابلة للتطبيق، لكون اعتماد العراق بنسبة 90 بالمئة على الإيرادات النفطية فيه مشاكل إذ أن أي تغير بالأسعار من شأنه أن يخلق أزمة في الإيرادات المالية للبلاد”.
وفيما يخص تقليل نفقات جداول الموازنة، يشرح الكرعاوي “سنطلع على الجداول في مجلس النواب لنرى في أي الفقرات يمكن التخفيض وفي حال وجود أي فرصة سنقوم بذلك الإجراء”.
وأقرّ مجلس الوزراء أكبر موازنة في العراق للعام 2024 حيث بلغت 228 تريليون دينار، بعجز مالي تجاوز 80 تريليون دينار، بسبب وجود مبالغ كبيرة لم تصرف في موازنة العام 2023، فبعض الصرفيات توقفت بسبب انتخابات مجالس المحافظات.
وكان عضو اللجنة المالية النيابية جمال كوجر، أكد في 2 كانون الثاني يناير الماضي، أن موازنة 2024 ستشهد تغييرات في شقيها التشغيلي والاستثماري، مبينا أنه سوف يتم إجراء العديد من التغييرات فيها وستكون شيئا مختلفا من ناحية الموارد وتقديرات أسعار النفط والصرفيات.
وانتقد أعضاء بمجلس النواب تأخر الحكومة بإرسال جداول موازنة العام الحالي 2024 المعدّلة من أجل دراستها وإقرارها، رغم التسهيلات التي تحظى بها كونها ضمن “موازنة ثلاثية” لثلاثة أعوام ولا تحتاج إلا إلى بعض التعديلات في أرقام أبواب الصرف والإيرادات، عادين أن خرق التوقيتات القانونية بما يخص الموازنة وفي غيرها بات “عُرفا” في البلد.