سيطر تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” على مدينة سنجار في 3 آب اغسطس 2014 ولم يترك زقاقا او محلة الا وترك فيها قصصا مأساوية، تضمنت القتل والخطف وفصل العوائل عن بعضها، حتى بلغ عدد الضحايا أكثر من 12 ألف قتيل ومفقود.
لم يكتف داعش بهذا القدر من المأساة وانما استعبد الايزيديات واستخدمهن كجوارٍ باعهن في سوق النخاسة والرق، آلاف الايزيديات اصبحن سبايا لداعش وتمت المتاجرة بهن بين الدول.“دخيل”، شاب ايزيدي من سنجار، تزوج قبل احتلال داعش لمدينة سنجار بثمانية أشهر، بعد قصة حب دامت لأكثر من ثلاث سنوات، كان دخيل يسكن شمال جبل سنجار وزوجته سامية كانت من قرية صولاغ جنوب جبل سنجار، سنجار المدينة التي تفصلها جبل عن بعضها وتقع قرى ومجمعات الايزيديين على جانبيه.
العيد الذي تحول الى مأساةيحتفل الايزيديون سنوياً بعيد اربعينية الصيف، حيث يدخل رجال الدين الايزيديين في صوم لمدة 40 يوماً في كل عام وبعد انتهاء الاربعينية يحتفل الايزيديين بهذا العيد الذي يوافق يوم 2 اغسطس من كل عام، وفي الاعياد تزور النساء منازل ذويهن للاحتفال مع آبائهن وامهاتهن كعرف اجتماعي وتقاليد عشائرية.
دخيل وزوجته سامية كالآلاف من الايزيديين اصبحوا ضحايا لزيارات العيد، حيث دخل داعش الى سنجار مساء يوم العيد ومئات النساء وقعوا اسرى بأيدي داعش من جراء زيارة اهاليهن، بسبب تعرض جنوب جبل سنجار لهجمة داعش الشرسة ووقع الكثيرون قتلى ومختطفين بين ايدي داعش في جنوب جبل سنجار الذي يتكون من مركز قضاء سنجار وناحية القيروان، وناحية القحطانية بجمعاتها التابعة لقضاء البعاج.
يسرد “دخيل” ما حصل في تلك الاثناء بحسرة، ويقول، “انا وسامية كنا في علاقة حب قبل الزواج قرابة اربع سنوات، اثمرت علاقتنا عن تفاهم كبير ثم زواج، بقينا معا قرابة 8 اشهر نتقاسم الحلو والمر في الحياة، رغم بساطة حياتنا الا اننا كنا نعيشها كالملوك، كنا في غمار حبنا وعشقنا لبعضنا”.
يتحسر “دخيل” باستذكاره ليوم 2 آب أغسطس 2014 حيث “يوافق عيد مربعانية الصيف لدينا كايزيديين، كما هو الحال لدينا في المناسبات نزور عوائلنا”.
ويضيف، “زوجتي سامية أيضاً ذهبت لمعايدة أمها بمنزلها الواقع في جنوب جبل سنجار، وكان في قرية صولاغ، وفي اليوم التالي (3 آب اغسطس) المأساوي تم اسرهم هي وعائلتها، فيما نجوت أنا”.
سامية وقعت اسيرة“كان خبراً صادماً لي عندما علمت أن سامية وقعت اسيرة، لم اكن اعرف ليلي من نهاري، لا نوم ولا طعام”، بهذه الكلمات عبر “دخيل” عن حياته منذ غزو داعش، ويكمل، “رغم ان مأساة الايزيديين جميعهم كانت كبيرة وكان الحزن والتعاسة تغطي وجوه وملامح شعب كامل، اينما كنت اخرج او اذهب او مع من اتكلم في كل مكان وكل شخص كانت المأساة حاضرة، آلاف القتلى، آلاف المختطفات، مدينة محتلة، فصل العوائل عن بعضها، عائلتي كانت تواسيني ويقولون لي اؤمن بالله سيصبح كل شيء على ما يرام، كنت كالمجنون”.
رن الهاتف وسمع صوت زوجتهوقعت عائلة سامية كلها في اسر داعش، وهي عائلة كبيرة تضم أكثر من 90 فردا، لم ينج احد منهم باستثناء اثنين لم يتم اسرهم وهما عمها وابن عمها، كانا في محافظة دهوك، ولم يكونا متواجدين في المنزل.
يقول “دخيل”، “كنت في اتصال دائم مع ذوي المختطفين وبالأخص النساء، وعلمنا ان داعش اخذ مجموعة من النساء الى قضاء تلعفر، كانت من ضمنهن سامية، وذلك عبر هاتف نقال نوع نوكيا قديم خبأنه بين ثيابهن وحاجياتهن، وبعد فترة رن هاتفي، اجبت وسمعت صوت سامية، لم احس بأي حركة في جسمي وكأن الارض توقفت وكل شيء توقف، صراحةً ارتحت قليلًا وتكَّون بداخلي بصيصٌ من الأمل”.
الوفاء لحبيبتهدخيل يسرد سنوات من الألم والوحدة والتحمل والصبر في دقائق، وهو يشعل سيجارته، يقول “قطعت عهداً على نفسي ان ابقى وفياً لزوجتي سامية والَّا اتركها لوحدها حتى وإن كان امر تحريرها مستحيلاً”.
يقول “دخيل”، “اكثر من ثمان سنوات من التنقل بسامية من مدينة الى مدينة ومن قرية الى قرية إلا أنني لم افقد الأمل، انقطع الاتصال بيننا عدة مرات لأشهر وسنوات ولم أفقد الأمل، التواصل كان ضعيف جدًا”.
كانت سامية اسيرة في الموصل وامها في تلعفر، وكانت تزور امها بين الحين والآخر، وكانت المرة الاولى التي تواصل فيها دخيل مع سامية، عندما كانت بالقرب من امها وعندما سمعت صوته، اغمي عليها، ويصف “دخيل” شعوره حينها بقوله، “تأثرت جدًا واصبحت كالمجنون”.
بعد الموصل تم نقلها والمئات امثالها الى سوريا ومن مدينة الى أخرى وبعد ان اصبح التنظيم على وشك الانهيار كانوا يقومون بنقل النساء الايزيديات من كل مدينة اوشكوا على خسارتها الى مدينة اخرى وبهذا الحال مرت اكثر من 7 سنوات على اختطاف سامية.
في الأخير عثر عليها بعد انقطاع دام لعام كامل دون تواصل، وقبل ان يتم تحريرها، استطاعت سامية ان تتواصل مع دخيل وكانت في تركيا حينذاك.
يقول “دخيل” عن ذلك اليوم، “سمعت صوتها، وحين عرفت انها على قيد الحياة، شعرت بأن الدنيا فتحت لي ابوابها وذراعيها، كنا على تواصل قرابة شهر وكانت خائفة للتكلم معي بسبب غسلهم لدماغها وملئها بالأحقاد علي وعلى الايزيدية جميعهم، كانوا قد افهموها انه بمجرد رؤيتي لها او محاولتها للعودة سنقوم بقتلها لأنها اصبحت مسلمة وان المجتمع الايزيدي لا يقبلون المختطفات بينهم”.
يضيف “دخيل” بأن “التواصل والتعامل معها كان في قمة الصعوبة، تكلمت معها وانعشت ذاكرتها وبدأت تتجاوب معي واقنعتها بأن آلاف الفتيات والنساء عادن وتم استقبالهن بالورود والدبكات وان للناجيات من اسر داعش رمزية كبيرة لدى الايزيدية، في البداية لم تقل لي هي برفقة من، لكن في النهاية بعد ان رجعت لرشدها قالت هي برفقة 5 نساء أخريات، تواصلنا مع اهاليهم وهم بدورهم تواصلوا مع بعض واقنعناهن بالعودة”.
تحررت سامية.. ودخيل في استقبالها“عندما تحررت سامية وذهبنا لاستقبالها كدت أطير من الفرح”، هكذا يصف دخيل شعوره باستقبال زوجته التي بقيت اسيرة لدى داعش لمدة تسع سنوات، ويضيف، “ركضنا كل منا باتجاه الآخر وعندما اقتربنا من بعضنا، اغمي عليها من هول الصدمة، لم تصدق عينيها، حضنتها بقوة، امها ايضًا كانت برفقتنا لاستقبالها، لم تكن تذهب من حضني لأمها، لم تنوي تركي دقيقة وكأنها تعوض عن ما فاتها من سنوات”.
ويقول “دخيل”، “فرحنا جدًا بعد ان انتشرت قصتنا و اصبحت قصة رأي عام وقصة يتناقلها العالم بكل اللغات، سامية كانت تقول لي، لم اكن اصدق بان يومًا ما سوف اعود لك”.
وفاء مثالي لزوجة مختطفةقبل غزو داعش، لم يكن دخيل يفارق زوجته سامية وكانا معا في أغلب الأوقات، وعندما كان يخرج كانت تذهب سامية معه او عندما يذهب للعمل كانت تودعه إلى السيارة وتطلب منه ألَّا يتأخر، وبعد غيابها القسري قرر هو أن ينتظرها ويبقى على وعده لها.
يقول دخيل، “قطعت عهداً على نفسي ان ابقى وفياً لحبها وألَّا يأخذ مكانها أي شخص آخر وأن أنتظرها إلى الأبد”.
ويتابع، “بعدما تم تحرير سامية قررت ان اعيد حفل زفافنا وان اجعلها عروسا مرة اخرى، الجميل في الأمر ان حفل زفافنا تحول الى رأي عام وعرسا لجمع الايزيديين، فلم تكن هناك بطاقة دعوة الا ان شعبنا حضر من كل مكان، كما لم نقم بحجز مطربين الا ان عشرات المطربين تبرعوا بالغناء، أناس يرقصون ويدبكون ولا نعرفهم، كانوا فرحين بنا وبقصتنا الجميلة”.
يقول دخيل “في الزفاف كنا نتكلم بيننا، عندما كانت سامية تنظر الى الفنانين والحضور والدبكات والرقصات وآلاف المهنئين، قالت لي لم اكن اصدق بأنها سترجع يومًا ما، وأن هكذا عرساً سوف ينتظرها”.
بعد سنة من التحرير أصبحوا ثلاثة افراد بعد أن رزقوا بطفل، سوف يكون ثمرة وشاهدا على حب قهر الصعاب والتحديات وأصبح مثالا للوفاء والإخلاص.
تم إنتاج المادة ضمن مشروع Qarib Media و بدعم من الـCFI وينشر بالتزامن مع «إيزيدي 24»