01 Aug
01Aug

منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة على يد المحتل البريطاني في عشرينيات القرن الماضي و ليومنا هذا كانت دائما قضية الحدود العراقية الكويتية محور مشاكل و أزمات عانى منها الشعب العراقي كثيرا .
في هذه الأيام تبرز في الأفق ازمة جديدة حول هذه الحدود , لكنها متعلقة هذه المرة بالحدود البحرية بين العراق و الكويت .
للوقوف على اصل المشكلة لابد من تناول سريع للجذور التاريخية لها , و كالتالي :
اولا : رسم المنتصرون في الحرب العالمية الأولى بريطانيا و فرنسا حدود دول منطقة الشرق الأوسط و اتفقت هاتان الدولتان الاستعماريتان سنة 1923 على صيغة لتقاسم المستعمرات و النفوذ و تم تثبيت ذلك الاتفاق في مرتسمات ” خرائط ” تضمنت خرائط دول الشرق الأوسط و منها خريطة العراق , و تم ايداع تلك المرتسمات لدى عصبة الأمم كوثائق معترف بها دوليا ضمن شرعية دولية صنعتها بريطانيا و فرنسا .
ثانيا : لم تتضمن خريطة العراق في مرتسمات ١٩٢٣ أي حدود بين العراق و الكويت مما يعني أن الكويت لم تكن دولة و انما جزء من دولة العراق في حين كانت حدود العراق في تلك المرتسمات مع كل دول الجوار إيران و تركيا و سوريا و الأردن و السعودية واضحة و بمقياس رسم دقيق , و أقرت كل تلك الدول و من ضمنها العراق الحدود بينهم و لم يكن هنالك أي اعتراض منهم عليها .
ثالثا : بقت حدود العراق المثبتة في مرتسمات 1923 دون تغير سوى منطقة الحياد بين العراق و السعودية التي تم تقسيمها بموجب اتفاق بينهما و كذلك شط العرب الذي تنازل صدام حسين لإيران عن جزء منه باتفاقية وقعها مع شاه إيران في الجزائر سنة 1975 حيث اصبح شط العرب نهرا مشتركا بين العراق و إيران بعد أن كانت السيادة على شط العرب كاملة للعراق فقط.
رابعا : اول إشارة الى وجود حدود بين الكويت و العراق كانت ضمن رسائل متبادلة بين نوري السعيد و حاكم الكويت الشيخ صباح السالم الصباح في ٢١ تموز و ١٠ اب ١٩٣٢ , لكن العراق لم يعترف بكون تلك الرسائل وثائق رسمية يعتمد عليها في ترسيم الحدود و انما اعتبرها مجرد افكار لمقترحات , في حين ظلت الكويت متمسكة بتلك الرسائل و تعتبرها اعتراف رسمي من قبل العراق بدولة الكويت ضمن حدود مشار اليها في هاتين الرسالتين , أما عصبة الأمم فقد ظلت تستند على مرتسمات 1923 دون تغيير , أي لم يكن هنالك دولة اسمها الكويت في وثائقها .
خامسا : طالب العراق في العهد الجمهوري في زمن الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم باستعادة الكويت باعتبارها جزء من العراق و اعتبرها قضاء تابع لمحافظة البصرة .
سادسا : حصل الكويت على اول اعتراف رسمي من الدولة العراقية في ٤ تشزين اول ١٩٦٣ كدولة مستقلة بالحدود المشار إليها في الرسائل المتبادلة سنة 1932 بين نوري السعيد و صباح السالم الصباح , كثمن قدمه قادة الانقلاب البعثي ١٩٦٣ لشيخ الكويت على مساعدته لهم في إسقاط حكم عبد الكريم قاسم الوطني و أشرف على هذه الصفقة كل من بريطانيا و أمريكا لكونهما الراعي و الداعم لذلك الانقلاب , فقد وصل البعث الى السلطة بقطار أمريكي بريطاني و كان جزء من ثمن تذكرة ذلك القطار الاعتراف بالكويت دولة مستقلة ضمن الحدود التي حددها نوري السعيد . سابعا : اقدم نظام صدام حسين على احتلال الكويت وضمها الى العراق كمحافظة عراقية جديدة , لقد اختار صدام حسين الزمن الخطأ في احتلاله للكويت , زمن كان بداية لصعود امريكا كقطب أوحد مهيمن على العالم , أدخل صدام حسين الجيش العراقي في معركة غير متكافئة مع قوات من دول عديدة تقودها امريكا منها قوات من دول الخليج العربية و سوريا و مصر .
بعد إنهاء احتلال نظام صدام حسين للكويت تم من جديد ترسيم الحدود بين العراق و الكويت حيث تم منح الكويت اراضي عراقية جديدة و بحسب ما ترغب به الكويت , لقد اجرى هذا الترسيم لجنة تابعة للأمم المتحدة و تمت المصادقة على تلك الحدود الجديدة من قبل مجلس الأمن الدولي , أما العراق فقد سجل اعتراضه على ذلك القرار لكن صدام حسين تراجع و بَدَلَ موقفه و اعترف بالحدود الجديدة التي رسمتها لجنة الأمم المتحدة بموجب قرار من المجلس الوطني العراقي و قرار صدر عن مجلس قيادة الثورة في ١٠ تشرين ثاني ١٩٩٤ , و ارسلَ ذلك الاعتراف الى الأمم المتحدة برسالة موقعة من قبله .
ثامنا : الحدود التي اعترف بها نظام صدام حسين هي الحدود النهائية المعترف بها دوليا و ما جري بعد الاحتلال الأمريكي للعراق ٢٠٠٣ هو وضع دعامات حدودية وفق تلك الحدود , و كل ما يشاع من أن العراق بعد 2003 قد اعطى ارض اضافية للكويت هو غير صحيح و الدليل هو أن الخرائط المحفوظة لدى الأمم المتحدة التي تبين الحدود بين العراق و الكويت لم تتغير و ظلت كما هي منذ ان صادق عليها صدام حسين سنة 1994
تاسعا : الحدود بين العراق و الكويت التي رسمتها اللجنة التابعة للأمم المتحدة و التي أقرها مجلس الأمن الدولي لم تتضمن الحدود البحرية بل تضمنت فقط الحدود البرية .
عاشرا : لازال الكويت يطالب العراق بترسيم الحدود البحرية بين البلدين , و العراق لم يوافق لحد الان على ترسيم الحدود البحرية , موقف العراق في هذه المرحلة ضعيف و موقف الكويت قوي و مدعوم من قبل كل الأطراف الدولية فلو اطلعنا على البيان الختامي للقمة الصينية الخليجية لوجدنا فقرة تطالب فيها الصين العراق بترسيم الحدود البحرية مع الكويت بالاعتماد على الحدود البرية المعترف بها دوليا , هذا يعني أنه ليس امريكا و الدول الغربية مع الكويت بل حتى موقف الصين صار منحاز لها .
السؤال : ماذا يستطيع العراق فعله في هذه الظروف …؟
مجلس النواب العراقي و ليس الحكومة العراقية هو من يجب أن يتحرك من خلال إصدار قرار يعترف بالكويت كدولة مستقلة ذات سيادة دون الاعتراف بالحدود التي رسمتها اللجنة التابعة للأمم المتحدة و مبررات القرارر:
اولا : المجلس الوطني العراقي في زمن النظام السابق لا يمثل الشعب العراقي و قراراته ليست لها اهمية .
ثانيا: يستطيع مجلس النواب الحالي الغاء قرار المجلس الوطني السابق و يطالب بحل قضية الحدود مع الكويت بأسلوب سلمي بعيدا عن ضغوطات الدول الأجنبية .
أما موقف الحكومة العراقية فيجب أن يكون غامضا , غير موافقة على قرار مجلس النواب و غير رافضة له إذ ليس لديها صلاحية رفض قرارات مجلس النواب العراقي , و بذلك يتم ترحيل المشكلة الى المستقبل ….!

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة