أشاد متخصصون بالأمن، بدعوة وزير الداخلية للحدّ من النزاعات العشائرية، والتي جاءت بالتزامن مع نزاع دام شهدته محافظة ذي قار، وفيما وصفوها بالضرورية لتثبيت قوة الدولة والقانون في هذه المرحلة، عزوا أسباب استفحال قوة العشيرة وحلولها محل مراكز الشرطة إلى ضعف القانون، وانتشار الفساد بين الجهات الرسمية.
ويقول الخبير الأمني فاضل أبو رغيف، خلال حديث لـه، إن "رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان، أصدر قبل عامين من الآن، قرارا كان من المفترض أن يكون هو الحل الأول والفيصل لإنهاء النزاعات العشائرية، وذلك عندما جعل التعامل مع الدكة العشائرية يتم وفق قانون مكافحة الإرهاب، أي تحت آثار وعقوبة المادة 4/ أ من قانون الإرهاب".
وفي ما يتعلق بتصريح وزير الداخلية، يرى أبو رغيف أن "الوزير هو أحد أعضاء الضبط القضائي، فهو ملزم بهكذا تصريحات تحذيرية من باب ردع المتجاوزين الذين يخرجون عن القانون، فضلا عمن بحوزتهم أسلحة متوسطة وثقيلة، ولذلك لا بدّ للوزير أن يلقي بتصريحات يشدد فيها على ضرورة كبح جماح أي نزاع عشائري أو تجاوز على القانون".
ويضيف، أن "الوضع الأمني في الحقبة السابقة كان متخلخلا والدولة ضعيفة في تطبيق القانون، ولذلك حينما يشعر المواطن أن القانون ضعيف يلجأ إلى العشيرة، فالعشيرة هي عنوان ثانوي للمجتمع العراقي بعد القانون وسلطته، ولذلك فإن اللجوء للعشيرة ما هو إلا إفراز مجتمعي سرعان ما يزول حينما تقوى شوكة الدولة وتنشط وتفرض سطوتها".
وكان وزير الداخلية عبدالأمير الشمري، ظهر أمس الأول ببرنامج تلفزيوني وقال خلاله: يجب إعادة ثقة المواطنين بمراكز الشرطة ولا نريد أن تكون العشيرة بديلة عن المركز.. أبلغت شيوخ العشائر بأن تهديد عناصر الأمن هو تهديد مباشر لي.. بدأنا المرحلة الأولى بخطة حصر السلاح بيد الدولة".
وشهدت محافظة ذي قار، وفي قضاء الإصلاح التابع لها، نزاعا عشائريا دمويا تمثل بمواجهات مسلحة في الطرقات، أدى لمقتل 4 أشخاص وإصابة 10 آخرين، ومن بين القتلى ضابط كبير، نصبت له إحدى العشائر كمينا وأمطرته بوابل من الرصاص خلال محاولته فض النزاع، وذلك على خلفية تعليق بموقع الفيسبوك، انتقد أداء قائممقام القضاء.
وكان وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، بحث في آذار مارس الماضي، مع مديرة البرنامج العالمي للأسلحة النارية في مكتب الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة والمخدرات سيمونيتا غراسي، السيطرة على السلاح المنفلت، وجرى الاتفاق آنذاك على إجراءات نظامية وقانونية مشددة لتنفيذ حصر السلاح بيد الدولة وترخيص الأسلحة بشكل قانوني وردع استخدام غير المرخصة منها.
من جانبه، يبيّن الخبير الأمني جليل خلف، خلال حديث لـه، أن "الحل الوحيد للتخلص من النزاعات العشائرية هو نزع السلاح من هذه العشائر وحتى من الجماعات المسلحة، لأنها جزء من المشكلة ولا يمكن وضع أي حل آخر إذا لم يطبق القانون بصورة صحيحة ويتم نزع السلاح، فالنزاعات العشائرية موجودة منذ سنوات طويلة، ولكن لم تكن بمستوى استخدام الأسلحة الثقيلة فقد كانت النزاعات تتم من خلال أسلحة خفيفة".
ويرى خلف، أن "من الصعوبة القضاء على هذه النزاعات العشائرية، ولكن يمكن عمل إحصاء لكل رؤساء العشائر وخاصة في المناطق الجنوبية وجعلهم يوقعون على تعهد في حال أي نزاع عشائري يستخدم فيه السلاح سوف تتخذ إجراءات قانونية بحق رئيس العشيرة، فالأخير هو من يسيطر على عشيرته أو جماعته لأنها نزاعات جماعية، وليست فردية وحل هذه النزاعات العشائرية يكون بأن لا تتدخل فيها الدولة أو الحكومة لأن الحكومة طرف يمثل القانون".
ويستدرك أن "ما فاقم هذه النزاعات، أنه في حال لجوء المواطن إلى مركز الشرطة لحل النزاع بدلا من العشيرة، فالمركز لا يحل المشكلة في الوقت الحاضر، فكل مواطن يلجأ إلى عشيرته لأسباب عديدة منها أن الفصول العشائرية تصل إلى الملايين بل مليارات الدنانير، إضافة إلى أنها تهب لمساعدة منتسبيها لأن انتماءه العشائري يجعله ملتزما مع العشيرة، كما أن بعض مراكز الشرطة تستغل الطرف المشتكي من خلال اخذ الرشاوى، ولذلك بعض مراكز الشرطة ليست جديرة بالثقة، ولذلك يلجأ المواطن إلى عشيرته ليضمن الحصول على حقوقه والكثير من الامتيازات، إذ أن أدنى كلمة تتحول إلى فصل عشائري".
ويتابع خلف، أن "القانون ضعيف جدا والمنفذون للقانون جزء من هذا المجتمع، خاصة وأن قسما كبيرا من المجتمع مرتش، ففي جميع دوائر الدولة هناك فساد وهناك رشوة وهذا الوضع غير المستقر هو ما أدى إلى تدمير البنى المجتمعية والسلمية في العراق".
وسبق لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، وأن أورد في منهاجه الوزاري، فقرة تخص السيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة، وهي الفقرة ذاتها التي وردت في كافة البرامج الحكومية لرؤساء الحكومات السابقة، لكن لم تنفذ، لا سابقا ولا حاليا.
ويشهد البلد انتشارا كبيرا للسلاح المنفلت، سواء على مستوى الأفراد أو الفصائل المسلحة أو العشائر، ودائما ما يستخدم بالنزاعات الشخصية أو السياسية أو العشائرية.
وتشهد أغلب مناطق الجنوب وبعض مناطق بغداد نزاعات عشائرية مستمرة، وبعضها يدوم لأيام وسط عجز الأجهزة الأمنية عن إيقافها، وتستخدم في هذه النزاعات مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
بدوره، يشير الباحث الاجتماعي محمد المولى، خلال حديث لـه، إلى أن "هناك معادلة سارية في كل زمان ومكان، تؤكد أن هناك قانون، وقوانين مضافة، وعندما يضعف القانون الأصلي فإن القوانين المضافة هي التي تسري ويتم العمل بها، وهذا ما يحدث الآن في المجتمع العراقي، فالعشيرة اتسعت سطوتها بعد 2003 إضافة إلى المسميات الأخرى بعد ضعف قوة الدولة والقانون وهو ما ألقى بظلاله على المجتمع".
ويضيف المولى، أن "القانون عندما يكون هو الحاكم، فإن الجميع سيخضع له وعندما يكون ضعيفا، فان الإثنيات الصغيرة ستبرز للسيطرة على المجتمع وهو ما أشار له وزير الداخلية في حديثه، وهذا جزء من واقع العراق بعد 2003، ونستخلص من هذا الأمر انه عندما تكون الأجهزة الأمنية فاعلة والقانون هو الجهة العليا ويُطبق على الجميع ستنتهي كل هذه المظاهر".
يشار إلى أن مجلس القضاء الأعلى، وفي خطوة للحد من النزاعات العشائرية، أصدر في تشرين الثاني نوفمبر 2018 قرارا يقضي بتوجيه تهمة الإرهاب ضد الأشخاص المتورطين ما يعرف بـ"الدكة العشائرية" وهي إطلاق الرصاص الحي على طرف النزاع الآخر، إلا أن النزاعات العشائرية شهدت، رغم صدور القرار ارتفاعا لافتاً، خصوصاً في الأطراف الشرقية للعاصمة بغداد وفي محافظات ميسان وذي قار والبصرة.
يذكر أن القوات الأمنية دائما ما تنفذ حملات للبحث عن السلاح غير المجاز، في بعض الأقضية والنواحي في المحافظات، وتنتهي الحملات بضبط بعض الأسلحة الخفيفة فقط.