أدخل التحرك الأخير داخل البرلمان العراقي لاستجواب عدد من الوزراء، في حكومة تصريف الأعمال برئاسة مصطفى الكاظمي، وتسمية بدلاء لوزراء بعد فوزهم بمقاعد في البرلمان، البلاد في أزمة جديدة.
وتقوم الأزمة أساساً على انعدام الثقة بين المعسكرين السياسيين الرئيسيين داخل البرلمان، المتمثلين في التحالف الثلاثي من جهة، وقوى "الإطار التنسيقي"، المدعومة من طهران، من جهة أخرى.
ويعتبر "الإطار" أن هذا التحرك ينطوي على خطة لتعزيز سلطة الحكومة الحالية، وأنه لا يحق للبرلمان البت حالياً في أي إجراء يتعلق بالحكومة، كونه لم يمنحها الثقة، التي كان البرلمان السابق منحها إياها.
وخلال الأيام الماضية، بدأ عدد من ممثلي الكتل السياسية حراكهم لاستجواب وزراء الصناعة منهل الخباز، والنقل ناصر الشبلي، والمالية علي علاوي، بتهم تتعلق بسوء الإدارة، أو شبهات تتعلق بعقود ومشاريع مختلفة.
كما تسعى بعض الكتل لتسمية وزيرين جديدين لوزارتي الهجرة والمهجرين، والعمل والشؤون الاجتماعية، إذ فاز وزيراهما بمقعدين في البرلمان. ويقضي الدستور بتخلي الوزراء عن مناصبهم الحكومية بعد ترديدهم القسم القانوني لعضوية مجلس النواب.
مخاوف "الإطار التنسيقي"
وتخشى قوى "الإطار التنسيقي"، أن تكون الخطوة الجديدة المدعومة من التحالف الثلاثي "إنقاذ وطن"، الذي يضم التيار الصدري، وتحالف "السيادة"، والحزب الديمقراطي الكردستاني، محاولة للإبقاء على حكومة الكاظمي الحالية، ومنحها غطاء جديداً لتمارس مهامها في حال استعصى حل الأزمة السياسية الحالية المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة.
تلويح بخيار إبقاء حكومة الكاظمي
وكان رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي وصف، في بيان الجمعة الماضي، تحرك القوى البرلمانية الحالية بأنه "مخالفة قانونية".
واعتبر أن "اعتزام مجلس النواب الحالي استجواب عدد من الوزراء في الحكومة منتهية الصلاحية، وإقالتهم، ومنح الثقة لوزراء جدد، يُعد مخالفة قانونية صريحة، لأن المجلس الحالي لم يكن هو الذي صوّت على تشكيل هذه الحكومة، ولم يمنح الوزراء الثقة حتى يستجوبهم".
وقال مسؤول في الدائرة القانونية في مجلس النواب، إن "رئاسة البرلمان تلقت طلبات استجواب لعدد من الوزراء في حكومة الكاظمي، على رأسهم الصناعة، والنقل، والمالية، بالإضافة إلى اختيار وزيرين للهجرة والعمل والشؤون الاجتماعية، حيث ما تزال الوزارتان شاغرتين منذ نحو ستة أشهر، بعد فوز الوزيرين بعضوية مجلس النواب في دورته الحالية".
التحرك وفق تفاهم بين الكاظمي والتحالف الثلاثي
وبين أن "التحرك لاستجواب وإقالة بعض الوزراء، يجري وفق تنسيق وتفاهم بين رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي والتحالف الثلاثي (إنقاذ وطن)، مع بعض النواب المستقلين، الذين سيتبنون ملفات استجواب بعض الوزراء".
وأضاف المسؤول أن "قوى الإطار التنسيقي ترفض هذا التحرك، وطلبت من رئاسة مجلس النواب تأجيل طرح أي استجواب لأي وزير في الوقت الحاضر، خصوصاً أنها حكومة تصريف أعمال، والانتظار إلى حين انتخاب الحكومة، وتحويل ملفات الوزراء الحاليين إلى الجهات الرقابية المختصة، (لتبيان) إذا كان هناك ما يدينهم بشبهات فساد وغيرها".
الإبقاء على الحكومة الحالية
واعتبر النائب عن "الإطار التنسيقي" محمد الصيهود، في حديث صحفي ، أن التحرك الجديد لاستجواب وزراء يهدف إلى "الإبقاء على هذه الحكومة، مع بقاء الانسداد السياسي، إضافة إلى استحواذ جهات سياسية على الحقائب الوزارية، بعد إقالة الوزراء المستهدفين من هذا الاستجواب من قبل مجلس النواب".
وأضاف الصيهود أن "التحرك غير دستوري، ويجري وفق صفقات سياسية، وهناك اتفاق مع الكاظمي بهذا الخصوص، فهذا الأمر يخدمه، كونه سيبقى لفترة أطول على رأس السلطة في المرحلة المقبلة. لذا نحن نرفضه ونحذّر منه".
وبيّن الصيهود أن "إصرار بعض الجهات السياسية على حراك استجواب وإقالة الوزراء، سيدفع إلى التحرك نحو المحكمة الاتحادية العليا في العراق، لإيقاف هذا الحراك غير الدستوري وغير القانوني، الذي له أجندات سياسية ليس إلا. لا يمكن جعل البرلمان أداة بيد بعض الجهات للاستحواذ على مؤسسات الدولة تحت أي عنوان كان".
في المقابل، قال النائب عن تحالف "إنقاذ وطن" مهدي عبد الكريم، إن "الحراك البرلماني لاستجواب الوزراء يأتي ضمن مهام النواب من ناحية الرقابة، وليست هناك نية للاستحواذ على الحقائب الوزارية عبر هذا الطريق، كما يحاول البعض أن يروّج".
دور البرلمان لحسم الجدل
وبيّن عبد الكريم أن "هناك ملاحظات كثيرة على عمل بعض الوزراء في الحكومة الحالية، ولهذا فإنه يجب أن يكون للبرلمان دور في حسم الجدل حول تلك الملاحظات أو الشبهات. كما أنه ليس كل عملية استجواب تعني إقالة للوزير، لأنها تعتمد على أجوبته، ويمكن خلال الاستجواب تجديد الثقة في الوزير، وهذا الأمر حصل كثيراً خلال الدورات البرلمانية السابقة".
وأكد أنه "ليس هناك سعي لإبقاء حكومة مصطفى الكاظمي، بل هناك سعي من أجل تشكيل حكومة الأغلبية في أسرع وقت، وهناك حراك سياسي في هذا الصدد، ولا تنازل عن هذا الخيار".
الاستجواب غير قانوني
وحول الجدل الجديد، أكد الخبير في الشأن القانوني علي التميمي، عدم قانونية استجواب البرلمان لعدد من الوزراء وإقالتهم.
واستند التميمي على هذا التفسير إلى أن "حكومة مصطفى الكاظمي لم تأت من البرلمان الحالي (الدورة الخامسة)، بل من قبل البرلمان السابق.
كما أن حكومة الكاظمي أصبحت حكومة تصريف أعمال يومية بحسب الدستور، ولا يحق لها التوظيف والتعيين، لذا لا يملك البرلمان الحالي سلطة استجواب الوزراء وإقالتهم".
وأكد التميمي, أن "على البرلمان الحالي أن يشكل الحكومة الجديدة، ومن ثم تتم مساءلة الوزراء وإقالتهم، وليس من صلاحياته استجواب وإقالة الوزراء الحاليين".
وكشف أن "الجهة الوحيدة التي يحق لها مساءلة وإقالة الوزراء في الحكومة الحالية هي رئيس الوزراء وبأوامر وزارية. كما أن قرارات رئيس الوزراء الحالي قابلة للطعن أمام القضاء، إذ إنها حكومة تصريف أعمال يومية".