بعد احتدام الصراع اللبناني الإسرائيلي، شحذ حلفاء الطرفين أسلحتهما وبدا الأمن الإقليمي على فوهة بركان ينتظر زر الاشتعال، وعلى الرغم من التطورات والأحداث التي مرت خلال الأسبوع الحالي، يستبعد مراقبون سياسيون وأمنيون اندلاع حرب شاملة في المنطقة.
وبرر المراقبون ذلك، بأن الولايات المتحدة الحليف الأكبر لإسرائيل، لا تريد التصعيد لجهة أمن إسرائيل وخسارة الاقتصاد الدولي وسوق الطاقة، وفي الجهة المقابلة أشاروا إلى أن إيران حليف حزب الله اللبناني، لن تغامر بعيدا لضعف تكنولوجيا قدراتها العسكرية، على الرغم من أنها تمتلك قرار الحرب للكثير من الفصائل الموالية لها لاسيما في العراق.
وفيما حذر مراقب من مشاركة الفصائل العراقية في الصراع لعدم قدرتها على رد مواز للضربات الأمريكية والإسرائيلية، كشف مقرب من هذه الفصائل أن أي تصعيد أو اجتياح ضد لبنان يجعل المصالح الأمريكية في العراق تحت مرمى النيران.
ويقول المحلل السياسي عائد الهلالي، خلال حديث لـه، إن “الأحداث بدأت تتطور بشكل كبير منذ الضربة التي حصلت في مجدل شمس وأسقطت عددا كبيرا من القتلى الإسرائيليين، فحكومة نتنياهو تريد أن تحقق انتصارا يرضي الشارع الإسرائيلي والتي عجزت عن تحقيقه في غزة طوال الأشهر الماضية”.
ويضيف الهلالي، أن “فصائل المقاومة على أهبة الاستعداد حالياً، وهي تترقب ردود حزب الله، والأخير سوف يرد استنادا إلى قاعدة حدود الاشتباك، لكن لا اعتقد أن هناك تصعيدا يمكن أن يجر المنطقة كلها إلى حرب شاملة، لأن الولايات المتحدة تضغط على أن لا يحصل هذا”، لافتا إلى أن “هذه الحرب تعني خسارة كبيرة للاقتصاد الدولي وسوق الطاقة، وأمريكا مقتنعة أن التصعيد الكبير يفقدها أكبر منطقة لها في الشرق الأوسط وهي إسرائيل أو قد تتأجج بالصراع”.
مشاركة غير مبررة
وبالنسبة لمشاركة الفصائل العراقية، يذكر أن “مشاركة الفصائل مبررة لو كانت قادرة على طريقة الرد والاستعداد لما سيقوم به الكيان الصهيوني من توجيه ضربات إلى العراق، فإذا كانت قادرة على دفعها أو مواجهتها، فلا ضير أن تنخرط الفصائل في الصراع، لكن نحن الآن ندرك أنها لن تستطيع وليست لديها القدرة”.
ويكمل أن “دخول الفصائل العراقية بإمكانياتها الحالية، في هذه المغامرة باسم الدولة العراقية سوف يفقدنا الكثير، لاسيما أن هناك بديلا يستطيع أن يؤدي واجبه بشكل كبير، ونحن غير مستعدين، فجبهة العراق الداخلية مفككة ووضعه الاقتصادي هش، وهو يحتاج أن يدعم استقراره الأمني بمزيد من الهدوء”.
وفي 27 تموز يوليو، أعلن الجيش الإسرائيلي عن قصف من قبل لبنان، حيث سقطت إحدى القذائف على ملعب لكرة القدم في قرية مجدل شمس في هضبة الجولان، ما أسفر عن مقتل 12 شخصا وإصابة آخرين، لكن حزب الله نفى قيامه بالهجوم.
وردت إسرائيل من جانبها بهجوم على لبنان، وأكد الجيش الإسرائيلي أنه نجح في اغتيال القيادي في حزب الله اللبناني فؤاد شكر في الغارة التي شنها على ضاحية بيروت الجنوبية مساء أمس الثلاثاء وأسفرت عن 3 قتلى مدنيين و74 جريحا.
وبعد ساعات فقط، وفي العراق، تعرضت مواقع عدة للحشد الشعبي في جرف الصخر بمحافظة بابل، إلى قصف أمريكي، إذ أعلنت هيئة الحشد الشعبي، “ارتقاء عدد من الشهداء وإصابة آخرين بصواريخ أطلقت من طائرات مسيرة شمال بابل”.
وتعليقا على ذلك، قالت كتائب حزب الله أن “العدو الأمريكي شن عدوانا غادرا بطيرانه المسير منطلقا من قاعدة علي السالم في الكويت، ليستهدف مجموعة من خبراء المسيرات كانوا يرومون تنفيذ تجارب تقنية جديدة لرفع كفاءة مستوى الطائرات المسيرة الاستطلاعية”، محذرة السلطات الكويتية من الاستمرار في جعل أراضيها منطلقا “للنهج الإجرامي الأمريكي تجاه بلادنا”.
وكانت كتائب “سيد الشهداء”، إحدى أبرز الفصائل المسلحة العراقية، أكدت قبل أيام، أنها ستدخل في أي حرب تندلع بين حزب الله اللبناني وإسرائيل، وقال المتحدث باسمها كاظم الفرطوسي، إن “الحرب الجارية في غزة وكذلك في لبنان ما بين حزب الله والكيان الصهيوني، هي حرب محور واحد، والعراق جزء من هذا المحور ونحن جزء منها”.
انخراط في الحرب
من جهته، يؤكد المحلل السياسي المقرب من فصائل “المقاومة” العراقية، علي فضل الله، خلال حديث لـه، أن “بيان تنسيقية المقاومة الإسلامية الأخير، وكتائب حزب الله واضح، لاسيما بعد التهديدات التي وردت من الكيان الصهيوني على استهداف لبنان بصورة عامة وخصوصا حزب الله”.
ويضيف فضل الله، أن “كتائب حزب الله وعموم فصائل المقاومة بينت أنها ستنخرط في الحرب مع الجبهة اللبنانية وتكون داعمة لاستهداف كل مصالح الكيان الصهيوني والدول الداعمة له خصوصا المصالح الأمريكية”.
ويشير إلى أن “مصالح الولايات المتحدة في العراق والمنطقة ستكون تحت مرمى نيران الفصائل العراقية، لذلك إذا ما فكرت إسرائيل بخطوة الاجتياح أو الذهاب لحرب شاملة مع لبنان، فسنشهد مشاركة واسعة قطعا من عموم محور المقاومة وخاصة فصائل المقاومة العراقية”.
وتشن الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران، عمليات استهداف متكررة ضد إسرائيل، كما كانت تستهدف القوات الأمريكية في العراق وسوريا، “انتصارا لغزة وفلسطين”، كما تقول، قبل أن تتخذ قراراً بوقف هجماتها تجاه المصالح الأمريكية.
لكن في الشهر الحالي تعرضت قاعدة عين الأسد، غربي محافظة الأنبار، الخميس الماضي، لقصف صاروخي، هو الثاني من نوعه هذا الشهر الذي تتعرض له القاعدة العسكرية الجوية التي تضم المئات من العسكريين الأميركيين ضمن قوات التحالف الدولي، بقيادة واشنطن.
إلى ذلك، يعتقد الخبير الأمني علاء النشوع، خلال حديث لـه، أن “التصريحات الإعلامية للفصائل بشأن الصراع الدائر الآن بين حزب الله اللبناني وإسرائيل تخضع جميعا إلى الموقف الإيراني، فكل الفصائل الموجودة في سوريا والعراق ولبنان واليمن تأخذ التوجيهات من الحرس الثوري الإيراني الذي بدوره يستلم الأوامر من المرشد الإيراني الأعلى”.
تدمير شامل
ويرى النشوع، أن “إسرائيل لا يمكن لوحدها أن تواجه جميع القوى الصغيرة والكبيرة في المنطقة، لذا فإن دخول لبنان فيه من المخاطر الأمنية والعسكرية عليها، إلا بعد ضمانات من الولايات المتحدة التي تسيطر على قواعد الاشتباك جميعها في المنطقة”، مؤكدا أن “أي قوى في المنطقة لا يمكنها مواجهة القدرات العسكرية الأمريكية أكان من ناحية سلاح الجو أو الجهد الصاروخي المتطور، فلهذا سيكون مصير أي تحرك من قبل الفصائل في العراق التدمير الشامل والكامل”.
ويجد أن “أي قرار من قبل الفصائل للدخول في المواجهة سيكون العراق طرفا في هذه الحرب وسيدفع ثمن ذلك العراقيون جميعا وبالأخص المدنيين العزل، لأن أكثر مستودعات الأسلحة موجودة في الأحياء السكنية وخاصة بعد الإخلاء للكثير من هذه المخازن ومقرات الفصائل، وكانت ضربة جرف الصخر مساء أمس دليلا على ذلك”.
وكانت وسائل إعلام محلية أشارت إلى أن رئيس الحكومة محمد شياع السوداني يعمل منذ أيام للضغط على الفصائل المسلحة لإيقاف عمليات التصعيد ضد الأمريكيين بعد عملية قصف قاعدة عين الأسد، خشية من ردود أفعال أمريكية قد تصعد الموقف الأمني وتربكه داخل العراق، لافتة إلى أن السوداني تواصل مع شخصيات إيرانية من اجل أن تضغط طهران على تلك الفصائل لوقف تصعيد عملياتها ومنحه فرصة جديدة لإنهاء الوجود الأمريكي في العراق.
مغامرة كبرى
بدوره، يذكر مدير المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية غازي فيصل، خلال حديث لـه ، أن “الوضع خطير جدا، فبعد أكثر من 9 شهور من المواجهات والقصف المتبادل في لبنان وشمال إسرائيل، والتصريحات التي تذهب نحو تصعيد متبادل بين حزب الله وإسرائيل، تستعد الأخيرة منذ أسابيع لتصعيد المواجهة، وضربة مجل شمس أعطت مبررا إعلاميا لإسرائيل لقصف عدد من المواقع الاستراتيجية”.
وعن مشاركة الفصائل العراقية في الصراع، يضيف فيصل أن “قرار الحرب والسلم في العراق قرار إيراني فالفصائل المرتبطة بالحرس الثوري تشكل أدوات لإيران للضغط على إسرائيل وحلفائها فمشاركتها متوقعة”.
لكنه يستدرك بأن “إيران لن تذهب إلى مغامرة كبرى كما اعتقد خصوصا بعد أن جربت قصف إسرائيل بأكثر من 300 صاروخ وفشلت تماما في تحقيق أي هدف، فتكنولوجيا الصواريخ الإيرانية متخلفة وغير قادرة على مواجهة الدفاعات الجوية الإسرائيلية وطائرات حلفائها”.
وتطورت الأحداث بشكل مفاجئ، فجر اليوم الأربعاء، بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، في أعقاب تنفيذ الهجوم في طهران بالساعات الأولى من الصباح، ونقلت وسائل إعلام تابعة لحركة حماس عن مصادر إيرانية، قولها إن “اغتيال هنية تم بصاروخ موجّه نحو جسده مباشرة”.