واضعاً يده على خدَّه، وهو ينفث الدخان، منتظرا صافرة رجل المرور للسماح لمركبته الواقفة بين عشرات السيارات بالسير في أحد تقاطعات العاصمة بغداد، ليبدأ عمار التميمي (30 عاما)، بالتسابق مع مركبات أخرى للعبور باتجاه تقاطعات أخرى يواجه فيها ذات السيناريو.
يعمل التميمي، كسائق لسيارة أجرة "صالون"، حاله حال آلاف العراقيين في شوارع العاصمة التي تختنق أغلبها بالسيارات، إذ بقيت معاناة هؤلاء قائمة طوال السنوات الماضية لغاية اليوم.
ويقول التميمي إن "أزمة الاختناقات المرورية تُرجعني إلى المنزل مُحبطا وعصبيا، فنصف ما أجنيه من عملي كسائق لسيارة أجرة، أنفقه على البنزين الذي يُهدر بسبب التوقف الطويل في الاختناقات المرورية اليومية".
ويضيف "سمعنا بأن رئيس الوزراء أطلق حزمة لفك الاختناقات، ومعالم هذه الحزمة بدت واضحة في بغداد، لكننا لا نعلم متى يتم إكمالها، ونأمل بأن تسهم نتائجها بفك الاختناقات المرورية".
وفي الأسبوع الماضي، أعلن رئيس مجلس الوزراء، محمد شياع السوداني، عن إطلاق العمل في مشروع توسعة ساحة النسور وسط بغداد، ضمن مشاريع الحكومة لفكّ الاختناقات المرورية في العاصمة، إذ يتضمن المشروع، الذي ينفذ من قبل إحدى الشركات الصينية، تصميم وتنفيذ وتطوير ساحة النسور عبر إنشاء ثلاثة أنفاق للسيارات ومُجسرين.
وكانت الحكومة، قد أعلنت إطلاق الحزمة الأولى من مشاريع فك الاختناقات المرورية، وتضمنت إنشاء عدد من المجسرات والأنفاق على التقاطعات التي تكتظ بالسيارات في أغلب الأوقات.
وبحسب وزارة الإعمار والإسكان، فإن مدة إنجاز المشاريع متباينة، وتتراوح بين 9 و18 شهرا، ولكن مجمل مشاريع الحزمة الأولى البالغ عددها 19 مشروعا لن تستغرق أكثر من 18 شهرا كحد أقصى، بحسبه.
حزمة أولى
من جانبه، يؤكد عضو لجنة التخطيط الستراتيجي النيابية، محمد البلداوي، خلال حديث لـه إن "المشاريع التي أطلقتها الحكومة هي الحزمة الأولى لفك الاختناقات المرورية، التي تنعكس بشكل عام على حياة المواطنين، لأنهم يعانون حين يصلون إلى الأماكن التي يقصدونها".
ويضيف البلداوي، أن "التخطيط في البلد سابقاً، لم يراعِ إنشاء مدن جديدة خارج المناطق القديمة، بل إن معظم المجمعات السكنية كانت داخل بغداد، باستثناء مجمع بسماية، وبالتالي تسبب هذا الزخم السكاني ضغطاً كبيراً على المدينة وأدى لتردي الخدمات، فضلاً عن الطرق".
ويكمل، أن "مشروع مترو بغداد كان أحد حلول فك الاختناقات، وكذلك إنشاء المجسرات والتقاطعات وفتح طرق جديدة، وإنشاء طرق حلقية، وخصوصاً الطريق الحلقي عبر بغداد الذي تمر عليه الشاحنات، دون المرور بالطرق الداخلية".
ويشير البلداوي، إلى أن "كل هذه المشاريع من المفترض أن تفك الاختناقات المرورية، وأن الحزمة الأولى منها ستحدث تغييرا في النقل داخل البلد، لكنها تحتاج إلى إكمال بقية المشاريع لتكتمل منظومة فك الاختناقات".
مدن خارج العاصمة
ويكشف البلداوي عن "بدء دراسة بإنشاء خمس مدن جديدة خارج العاصمة بغداد، لتفتح أمام المواطنين وكذلك تُنقل إليها دوائر الدولة"، مشددا على ضرورة "إنشاء مدن رديفة لبغداد مستقبلاً كما حصل مع القاهرة الإدارية، التي تضم مجمعات الحكومة والوزارات ومؤسسات الدولة، الأمر الذي سيقلل الزخم ويقلل دخول المواطنين إلى قلب العاصمة".
وتشكو العاصمة بغداد من اكتظاظ بالحجم السكاني، وكثرة المجمعات السكنية بداخلها، باستثناء مجمع بسماية، الذي يشكو ساكنوه من اختناقات مرورية حين يدخلون إلى العاصمة، بسبب رداءة الطريق.
وبسماية هو مجمع كبير لشقق سكنية، يقع في جنوب شرق محافظة بغداد، وتقع المسافة بينه وبين مركز بغداد 10 كيلومترات، إذ تنفذه شركة هانوا الكورية، لكن المشروع شهد توقفاً في العمل منذ العام 2020 بسبب عدم قيام هيئة الاستثمار الوطنية السابقة بصرف المستحقات المالية للشركة الكورية المنفذة، ما دفع الأخيرة إلى الانسحاب من المشروع.
تصميم يعود للسبعينيات
من جانبه، يشير المهندس مصطفى سعد، اختصاص هندسة الطرق والجسور، خلال حديث لـه، إلى أن "الطرق في بغداد صممت سنة 1972، وهي مصممة لاستيعاب 400 ألف سيارة فقط، لكن عدد السيارات في بغداد حاليا، يصل إلى ثمانية ملايين، والحلول المنطقية والهندسية لهذه الأزمة، تتمثل بتوسعة الشوارع الموجودة إلى ضعف المساحة، وزيادة عددها إلى 4 أضعاف، وهذا لا يمكن أن يتحقق بسبب التطور السكاني وتمركز الدوائر الحكومية في مناطق قريبة من بعض".
ويوضح سعد، أن "حزمة المشاريع التي أعلنت عنها الحكومة، من المتوقع أن تفك 15 بالمئة فقط من الاختناقات المرورية الموجودة، لأن ما ستفعله هو تعجيل حركة المرور فقط، أما الحل الأساسي يتمثل بإعادة إنشاء طرق كاملة"، مؤكداً أن "عدم تفعيل نظام الباصات والاعتماد على نظام النقل العشوائي، هو أحد أسباب الاختناقات المرورية".
ويبيَّن قائلاً: "أحد الحلول الممكنة، يتمثل بنقل الوزارات إلى أطراف بغداد لتسهيل حركة المرور، وخصوصا الوزارات الأمنية والمعسكرات، وثاني الحلول عبر إنشاء مترو نقل، وثالثها يكمن في نقل الطرق الدولية إلى أطراف بغداد، بسبب انتفاء الحاجة من أن يمر الطريق الدولي في قلب العاصمة بغداد، ويمكن الاستغناء عنه بطرق فرعية".
ويشير إلى أن "الحل المنطقي مكلف، وموجود في مدن متطورة، ويتمثل بإنشاء طرق الأنفاق، والتي تكون كلفتها مقاربة لكلفة إنشاء الجسور، لكنها تحتاج إلى وقت أكبر للتنفيذ".
ويتضمن مشروع توسعة ساحة النسور، الذي أُعلن عنه، إنشاء نفق بطول 490م، يربط بين شارع الأردن و شارع القادسية، ونفق آخر بطول 535م يربط بين شارع يافا وشارع بيروت، أما النفق الثالث فهو بطول 1035م، ويربط بين شارع بيروت وشارع يافا بعمق حفر يصل إلى 16م تحت مستوى سطح الأرض، بالإضافة إلى إنشاء مجسر النسور بطول 890م يربط بين شارع دمشق وشارع محمد مهدي الجواهري، مع مجسري الاقتراب صعوداً ونزولاً بطول 300م، ومجسر للسيارات فوق خط السكة بطول 478م، يربط بين ساحة قحطان مروراً بخط سكة بغداد- البصرة، وصولاً إلى تقاطع أم الطبول، كما يشتمل المشروع على توسعة الطرق المحيطة بمواقع العمل.
الفساد سبب آخر
وتحصل العديد من المشكلات في شوارع العاصمة، حين يتم إصلاحها قبل أن تتعرض للخراب، وتعود فيما بعد عملية إعمارها، ما يتسبب باختناقات مرورية، وهنا يعزو مجبل جاسم، المدير التنفيذي لشركة أسوار بابل، فشل إصلاح الطرق إلى الفساد والرشى.
ويوضح جاسم، خلال حديث لـه إن "التصاميم العراقية الموجودة تعتمد على مواصفات قديمة ورديئة لا تواكب التطور، بسبب عقليات المهندسين القديمة، والتي لا تحب التطور، وخاصة بموضوع الطرق والجسور".
ويضيف، أن "العمل في العراق بمشاريع الطرق والجسور، يكون حسب مواصفات عام 1978، وهذه مشكلة، وبسببها يكون العمر الحقيقي لأي مشروع لا يتجاوز الخمس سنوات، بينما يكون تصميمه على أساس 51 سنة، والطرق على أساس 25 سنة قادمة، من حيث التوسعة وأحجام الاستيعاب، ولكن بالواقع 3 سنوات، ولا يتجاوز حده الأعلى الخمس سنوات".
ويشير إلى أن "سبب فشل الطرق هو الخلطات الكونكريتية والاسفلتية، التي تكون فاشلة مختبريا وناجحة بالرشى"، مضيفاً أن "المقاول يعطي من المبالغ المخصصة للمشروع 30 بالمئة كرشى، وهنا يضطر المقاول أن يعمل بمواصفات رديئة حتى يكون السعر مقبولا عمليا".
ويكمل أن "أعمال الأرصفة بالعراق فاشلة، ولا تنجح إلا في المجمعات السكنية الأهلية، لأن مختبراتهم تكون خاصة، وكذلك الأمر في ما يتعلق بالإكساء، فهو يحتاج إلى 7 طبقات، وما يحدث الآن يكون على مستوى طبقتين فقط"، مؤكداً أن "فشل إنشاء المشاريع يعود إلى ثلاثة أسباب رئيسية وهي الرشوة، والتصميم القديم، وسوء التنفيذ، وكلها تؤدي لمشاريع عمرها الحقيقي 3 سنوات".
وتشهد العاصمة بغداد زحامات مرورية خانقة خاصة في أوقات الدوام الرسمي لدوائر الدولة ومؤسساتها بسبب الكثافة السكانية الهائلة، وزيادة أعداد السيارات إضافة إلى عدم إعادة تأهيل الطرق وإنشاء أخرى جديدة فضلا عن قلة المجسرات.