"أضربك، وأهينك، وأفصلك من الدوام".. هذه الكلمات لم تعد غريبة على مَن يسمعها، فعادة ما تستخدمها -بعض "البلوغرات" ضد منتسبي قوى الأمن أو رجال الشرطة، وهن يحتمين ببعض المسؤولين الحكوميين أو النواب، الذين يبدون استعدادا دائما للوقوف بجانبهن ومواجهة خصومهن، دون النظر لأحقيتهن في أي خلاف.
هذه العادة تزايدت بشكل "مخيف" في الآونة الأخيرة، ورجل الأمن بدأ يواجه صعوبة بمحاسبة المخالفين من النساء اللواتي يستقلين السيارات الحديثة رباعية الدفع "الجكسارة"، لأنه يخشى من أن تنقله إلى أماكن أخرى أو تسجنه، كما حصلت في حوادث أخرى عديدة.
ولا شيء يردع هذه الظاهرة، سوى "الرأي العام"، حسبما يرى بعض مستخدمي التواصل الاجتماعي، إذ يقول المدون حسن حسين، إن "الرأي العام الذي يُخلق ضد بلوغر معينة تحتمي بنائب أو مسؤول، سيطيح بهما معاً، وهو الرادع الوحيد للتصرفات الخاطئة".
"في زمن النظام السابق، كانت غالبية نساء النوادي الليلية، يرتبطن بمسؤولين في الدولة، الذين يتَّخذون من عدي صدام حسين، أنموذجا يُحتذى به في هذه القضية، والزمن الحالي لم يختلف كثيراً، فالبلوغرات يرتبطن أيضاً بمسؤولين في الدولة"، هكذا يكمل حسين حديثه.
ويبين المدون، أن "الدولة باتت تخضع للبلوغرات، فهن يعتدين على أي أحد يقف بوجوههن، وهذا ما حصل مع حادثة الاعتداء في الحارثية على رجل المرور، حتى أظهرت المعلومات، أنها مرتبطة بنائب في البرلمان".
وشهد الأسبوع الماضي، اعتداء امرأة على ضابط مرور في منطقة الحارثية وسط بغداد، وقالت له، بعد محاولتها ضربه بالنعل: "إلا أكعدك يم خواتك" (وهي عبارة تهديد تعني فصله من الوظيفة وإجلاسه في منزله)، وذلك بعد ارتكابها مخالفة مرورية، ليظهر فيما بعد، أن المعتدية هي شهد الطائي، التي تحظى بمتابعين على منصة الإنستغرام.
وعقب محاولة توقيف الطائي وامرأة أخرى معها، أفادت مصادر بتدخل النائب عن ائتلاف دولة القانون بهاء النوري في القضية، وإخلاء سبيلهما، وبعدما أصبحت القضية قضية رأي عام، صدر قرار بالقبض على المعتديتين وإيداعهما السجن، الأمر الذي أدى إلى فصل النائب من الئتلاف السياسي الذي ينتمي إليه، وهو ائتلاف دولة القانون، على الرغم من ظهور النائب النوري وتبرير القضية في الإعلام المحلي، بإزجاعها إلى كونها مسألة إنسانية، وأن لا علاقة له بالمرأة التي كثر الحديث حولها، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعي، تداولت الخبر بسخرية.
إلى ذلك، يبين عضو مجلس النواب جواد الغزالي، خلال حديث لـه أن "القانون هو الفيصل بكل قضية، ويحمي المحترم ويحاسب المخالف الذي يتجاوز الحدود، ونحن كسلطة تشريعية تراقب أداء السلطة التنفيذية، وجب علينا أن نقف مع رجل الأمن، الذي احترامه واجب على الجميع، حين ينفذ واجبه".
ويضيف الغزالي، أن "بعض المنتسبين، وبسبب تعرضهم للإهانات المتكررة، باتوا يتعرضون للإحباط في تنفيذ واجبهم، لأن بعضهم يُطبق القانون عليهم وفق أهواء ورغبات مسؤولين أعلى منهم، وبالتالي يُنقلون إلى أماكن أخرى أو يُسجنون"، مؤكدا أن "اتجاهات سياسية وعواطف ورغبات تتدخل بقضية الاعتداءات على المنتسبين أو الموظفين، ومن واجبنا أن نتدخل لمناصرتهم، وأنا شخصياً تدخلت في بعض القضايا مع الجهات العليا".
وإذا ما تورط أحد النواب في الدفاع عن "بلوغر" اعتدت على المنتسبين، فإن البرلمان وبحسب الغزالي، "لديه لجان معنية، تدقق في الموضوع وتفاصيله، بعدما تأتي شكوى أو مقترح لهيئة الرئاسة تخص هذا الجانب، وهنا سيتم اتخاذ إجراء بحقه إذا ما ثبت تورطه".
ويلفت إلى أن "عددا كبيرا من النواب يخشى رجل الأمن، وبدل أن يشعر بالأمان بقربه، فإنه يخاف من أن يُرتكب عليه"، مبيناً أن "هناك منتسبين يرفعون تقارير فقط من أجل الحصيلة وبعضهم يرفعون تقارير خاطئة كأن يلقوا القبض على مخالفين، وبعض الضباط يرتكبون على المواطنين".
يشار إلى أن ظاهرة البلوغرات وعلاقاتهن الغامضة بأصحاب النفوذ، تطفو على السطح بين حين وآخر، حيث كانت أبرز محطة لها بطولة خليجي 25 الكروية التي أقيمت في البصرة مطلع العام الحالي، وشهدت لغطا كبيرا حول تواجد كوكبة من البلوغرات، في مقاعد الدرجة الأولى والخاصة (VIP) داخل الملاعب، ودخولهن دون طوابير وبسيارتهن الشخصية، في وقت وجد الكثير من الجمهور صعوبة في الحصول على مقاعد.
يذكر أن الإعلامية همسة ماجد، أكدت سابقا وجود غموض وشوائب تحكم العلاقات الثنائية بين الفاشنيستات والبلوغرات والمشاهير من جهة، ورجالات الأمن من جهة أخرى، وخاصة الضباط وأصحاب الرتب العسكرية والمتنفذين.
"كل إنسان مسؤول عن سلوكه"، هذا ما تقوله الخبيرة في الشأن القانوني قبس البدراني، وهي تتحدث عن قضية تدخل المسؤولين والنواب في قضايا اعتداء يكون أبطالها من "البلوغرات".
البدراني توضح، أن "المسؤولية عن الجريمة تنقسم إلى نوعين، أصالة وشراكة، فبعض الشراكة تكون من خلال التحريض أو المساعدة أو الاتفاق".
وعن السماح للنواب والمسؤولين في حماية "البلوغرات" من الملاحقات، تؤكد البدراني، أنه "قد يكون استخدم إجراءً قانونياً كالكفالة وغيرها، والجهة التي أطلقت سراح المعتقل، هي مَن يجب أن تُحاسب إذا ما ثبت إطلاق السراح من دون وجه قانوني".
وإذا ما ثبت تورط نائب بمشاركته في جريمة مشهودة، فإنه وبحسب البدراني، "ستُسحب منه صفة النائب، بعدما يجري البرلمان تحقيقاً في القضية، وبالتالي يخضع مرتكب الجريمة إلى لجنة تحقيقية، ومنها تُرفع توصيات لرئاسة البرلمان، ثم يصدر قرار الفصل".
وكثرت في الفترة الأخيرة، ظهور نساء بمفاتن بارزة، يحتمين بمسؤولين ومتنفذين، حيث يرى الباحث في الشأن الاجتماعي، محمد تقي، أن "ظاهرة البلوغرات إحدى الظواهر الدخيلة على المجتمع، وبعضهن، يمثلن مؤشرا على انهيار العادات الأخلاقية والقيم لدى بعض العائلات، لأن هذه الظاهرة ستترك تبعات خطيرة".
وعن التبعات الخطيرة، يتابع تقي، في حديث لـه، أن "أبرزها تشجيع الفتيات الأخريات على أن يصبحن بلوغرات، ويتمردن على ذويهن"، مبيَّناً، أن "الشهرة والثراء من الأسباب التي تدفع الكثير من الفتيات إلى ذلك، ويتحقق الأمر عبر احتمائهن بشخصيات متنفذة وفاسدة".
ويرى أن "أبرز الخطوات للحد من هذه الحالات والظواهر، هو تفعيل دور رقابة الأهل على البنات وتحديدا المراهقات، وتثقيفهن وتحذيرهن من خطورة هذه الظاهرة وتبعاتها، بعيدا عن العنف بكل أشكاله".
ويكمل: "أما الدور الآخر، فهذا من مسؤولية المؤسسات التربوية والتعليمية، التي تفتقر لثقافة التحذير من خطورة التوجه نحو الشهرة غير الشرعية"، مضيفاً: "ولكي تتم العملية بنجاح تكاملي، يجب أن يكون هناك رادع قوي وفاعل للشخصيات المتنفذة التي تقف إلى جانب تلك النساء البلوغرات لوضع حد لهن، ولِمَن يقف خلفهن، وعدم تشجيع الفتيات على ذلك".
يذكر أن وسائل التواصل الاجتماعي، تنتشر فيها الكثير من فيديوهات لنساء مشهورات يستقوين بعلاقاتهن مع الضباط في وزارة الداخلية وغيرهم، خلال أي مشكلة تواجههن في الشارع، ومن أشهرها اتصال إحداهن بضابط رفيع لغرض فتح نقطة تفتيش وتمرير عجلتها من بين الزحام المروري، ما أثار هذا المقطع في العام الماضي، لغطا كبيرا استدعى من المسؤول الذي ظهر اسمه في الفيديو، إصدار بيان نفي علاقته بهذه الحادثة.