20 Apr
20Apr

أعادت قضية هروب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، الحديث حول تحكم "مافيات" بالدولة وعدم سيطرة الأجهزة الأمنية على المتهمين بقضايا فساد، لاسيما أنه هرب من المنطقة الخضراء الأكثر تحصينا وسط العاصمة، وفيما كشفت مصادر عن "تواطؤ" مسؤول رفيع في وزارة الداخلية بالأمر عبر عدم تحويل المتهم إلى سجون وزارة العدل، وصف مراقبون العملية بـ"المهزلة"، وأكدوا أن الجهات التي تقف خلف التهريب لن تتم محاسبتها، بل توقعوا تكرار هذا السيناريو مع محكومين آخرين يتمتعون بعلاقات سياسية كبيرة، لكن الساعات الأخيرة شهدت تضاربا للأنباء بشأن اعتقال كمبش بناءً على "صفقة" سياسية.

ويقول مصدر مطلع خلال حديث لـه إن "رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، وبعد صدور الحكم القضائي القاضي بسجنه أربعة أعوام بتهم فساد مالي، كان من المفترض أن يتم تحويله إلى سجن التسفيرات وعدم إبقائه بمركز شرطة كرادة مريم، لكون مراكز الشرطة خاصة بالموقوفين قبل صدور الأحكام بحقهم".

ويضيف المصدر، أن "أحد وكلاء وزارة الداخلية، وجه كتابا رسميا لمركز الشرطة المحتجز فيه كمبش، وطالب بالتحفظ عليه وعدم نقله إلى سجن التسفيرات، وهذا الكتاب بحوزة ضابط في المركز، وقد أبرزه أمام وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، عند حضوره للمركز عقب هروب كمبش".

ويتابع، أن "الوكيل الذي وجه هذه الأوامر كان متواجدا أيضا في المركز ليلة أمس الأول، برفقة الوزير، ونفى ما نسب إليه، لكن تمت مواجهته بالكتاب الذي أرسله، وما كان من الشمري إلا إبلاغ رئيس الحكومة محمد شياع السوداني بتورط هذا الوكيل بهروب كمبش".

ويكشف المصدر، أن "أمرا صدر أمس الأول، بتغيير مدير مركز شرطة كرادة مريم، وتم إبداله بمدير جديد تسلم موقعه قبل خمس ساعات فقط، من هروب كمبش، وفي هذا التوقيت كانت النائب أسماء كمبش، في المركز وقد أحضرت معها مأدبة إفطار كبيرة، ما أدى لانشغال جميع ضباط المركز وعناصر الشرطة بالفطور".

ويشير إلى أن "هناك جهات سياسية بارزة متورطة بهذه القضية"، مبينا أن "هروب كمبش أدى لصدور أوامر مباشرة من وزير الداخلية بنقل كافة المحكومين من مركز شرطة كرادة مريم والصالحية، إلى سجن التسفيرات التابع لوزارة العدل، وتمت المباشرة بنقلهم على شكل دفعات".

في الأثناء، تواردت أنباء من مصادر عدة، عن اعتقال كمبش، فجر اليوم، بعد صفقة سياسية، تدخل فيها قادة بتحالف السيادة، واشتملت على ضمانات، وفي الوقت ذاته، نفت مصادر أمنية أخرى ذلك.

يذكر أن خلافات حادة برزت خلال الأيام التي سبقت هروب كمبش، بين محمد الحلبوسي، رئيس البرلمان وزعيم حزب تقدم المنضوي في تحالف السيادة، وبين عبد الأمير الشمري وزير الداخلية، على خلفية توجه الأخير لإجراء تغييرات بمناصب أمنية في محافظة الأنبار، وسط معارضة من الحلبوسي، واعتقال شخصيات مقربة منه.

كما هاجم الحلبوسي، في جلسة البرلمان الأخيرة، وزير الداخلية واتهمه بأنه يهتم بوسائل الإعلام والفيسبوك، وطالب بحضوره للبرلمان بشأن السيارات المضللة.

وفي ساعة متأخرة من ليلة أمس الأول، هرب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، من مركز شرطة كرادة مريم، المحتجز فيه، بعد صدور حكم قضائي بحقه بالسجن 4 سنوات على خلفية تهم فساد مالي.

وسرعان ما انتشرت مقاطع فيديو للحظة هروبه، وبينت أنه قفز من سور المركز برفقة شخص آخر، وكانت هناك عجلات بانتظاره نقلته لخارج المنطقة الخضراء، التي يقع فيها مركز الشرطة.

وزير الداخلية عبد الأمير الشمري، وصل بعد إعلان الخبر لمركز الشرطة، برفقة قادة آخرين من الوزارة، ووجه بشكل مباشر باحتجاز ضباط المركز على ذمة التحقيق.

وكان الناطق العسكري باسم القائد العام للقوات المسلحة اللواء يحيى رسول، أصدر بيانا أكد فيه انه "بتاريخ 21 آذار من العام الجاري تم إلقاء القبض على المتهم سعد حميد كمبش، وبتاريخ 11 نيسان أصدرت محكمة جنايات مكافحة الفساد المركزية حكمها بالحبس الشديد لمدة أربع سنوات على هذا المجرم، وبتاريخ 18 نيسان، وبعد زيارة النائب أسماء حميد كمبش إلى مركز الشرطة وقت الإفطار ومغادرتها له، وعند الساعة 10 والنصف هرب المحكوم بمساعدة ثلاثة أشخاص من خلف المركز والوصول إلى عجلتين كانتا بانتظاره لتأمين هروبه إلى جهة مجهولة.

من جانبه، يرى الخبير الأمني سرمد البياتي، خلال حديث لـه أن "ما حدث من عملية تهريب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش من مركز شرطة كرادة مريم، هو خرق أمني كبير وخطير جداً، وهذا الخرق يتحمله المسؤولون على هذا المركز، وتتحمله كل المنظومة الشرطوية، خصوصاً المتورطة بقضايا الفساد والرشاوى".

ويبين البياتي، أن "رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، مدان بقضايا فساد، ولديه الكثير من الأيادي الذين تصرف لهم من أموال الفساد من أجل تقديم الخدم له، وتهريبه تم عبر العلاقات الواسعة التي يمتلكها".

ويضيف أن "طريقة هروب رئيس ديوان الوقف السني غير معروفة، وهو في منطقة محصنة بشكل أمني كبير جدا، وهو هرب من سجن (5 نجوم) فالكل يعرف مركز شرطة كرادة مريم هو فندق (5 نجوم)، وهذا خلل أمني واضح، وبسبب هذا الخرق ستكون هناك تشديدات أمنية على كافة السجون في العراق".

يشار إلى أن النائب أسماء كمبش، أصدرت من جانبها بيانا، أوضحت فيه: توجهت برفقة المحامي الخاص بشقيقي سعد كمبش إلى مركز شرطة الصالحية، ووصلت عند الساعة السابعة والربع، أخذنا معنا فطورنا لنفطر مع شقيقي، وبتمام الساعة الثامنة وللنصف ابلغني كمبش بأنه متعب جداً ويعاني من (الإسهال) وانه بحاجة للراحة، فغادرنا لأصدم باتصال هاتفي بتمام الساعة التاسعة والنصف، بأن شقيقي غير موجود بالمركز فخرجت مسرعة وتوجهت إلى المركز فوجدت أن ذلك حدث فعلاً.. وبعدها قمت بتسليم نفسي تلقائياً لتفنيد كل ما ذكر عن صلتي بقضية الهروب.

إلى ذلك، يبين الخبير القانوني أمير الدعمي خلال حديث لـه، أن "المسؤولية القانونية بقضية هروب كمبش، تقع على مركز الشرطة، فهو المسؤول عن تأمين واحتجاز المتهم، وما جرى يدخل ضمن الإهمال الوظيفي، وتصل العقوبة إلى السجن 7 سنوات".

ويوضح: "أما إذا كان هناك اتفاق أو قبول رشوة من قبل ضباط المركز، فهذا يكون قصد عمدي، وهنا تكون العقوبة مشددة"، مبينا أن "ضباط المركز يحاكمون وفق قانون العقوبات العراقي ولا يخضعون لمحاكمة عسكرية".

يشار إلى أن الأجهزة الأمنية اعتقلت شقيق وأولاد كمبش خلال توجههم إلى إقليم كردستان، وجرى الاعتقال في محافظة كركوك، وتم نقلهم إلى العاصمة بغداد على ذمة التحقيق.

وفي ليلة الهروب، جرت مشادات بين وزير الداخلية ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، على خلفية إصرار الأول على تفتيش منازل نواب حزب تقدم الذي يتزعمه الحلبوسي، وهو ما رفضه الأخير، وذلك وفقا لمعلومات جرى تداولها.

وتعيد هذه الحادثة إلى الأذهان، قضية هروب 14 متهما من سجن مركز شرطة القناة في بغداد في آب أغسطس 2019، حيث أثارت في حينه جدلا واسعا وعلامات استفهام حول مستوى سيطرة الأجهزة الأمنية.

من جهته، يربط المحلل السياسي غالب الدعمي، خلال حديث لـه، "قضية تهريب المتهمين من السجون، بمافيات مرتبطة بأحزاب سياسية، وهؤلاء يعملون على تنفيذ هكذا عمليات تهريب مقابل أموال طائلة من تلك الشخصيات المتهمة والمتورطة بقضايا الفساد وغيرها".

ويبين الدعمي أن "هروب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق سعد كمبش، تم عبر تواصله مع هذه المافيات، وما حدث مهزلة، خصوصاً هو محكوم والمحكوم لا يتم وضعه في مركز شرطة وإنما يكون في سجون وزارة العدل، وهذا الأمر جزء من عملية التخطيط لهروبه".

ويضيف أن "الجهات المتورطة في عملية هروب رئيس ديوان الوقف السني الأسبق، لن تتم محاسبتها، والموضوع سيتم السكوت عنه بعد أن أصبح كمبش في مكان آمن حالياً، وهذا الأمر يؤثر على سمعة وهيبة الدولة، وهذا الخرق الأمني الكبير لن يكون الأخير، بسبب وجود المافيات المرتبطة ببعض الأحزاب".

يذكر أن مدونين وجدوا أوجه شبه بين قضية هروب كمبش المتهم بالفساد، وإخلاء سبيل المتهم بسرقة القرن نور زهير، حيث أكدوا أن المتهمين بالفساد لن يبقوا في السجن بأي طريقة كانت.

يشار إلى أن مستشار رئيس الحكومة هشام الركابي، نشر تغريدة أكد فيها أن: عملية هروب كمبش ستكون سببا للقيام بثورة كبيرة على الآليات الفاسدة المعتمدة في احتجاز كبار الفاسدين.. سيتم اقتلاع الآليات الفاسدة التي حولت مراكز احتجاز كبار الفاسدين إلى فنادق 5 نجوم.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة