بهدف السيطرة على أسعار النفط ومنع انخفاضها، توجهت دول أوبك إلى خفض إنتاج النفط بشكل طوعي، ومنها العراق، وفيما أرجع خبراء بالنفط والاقتصاد، هذا التوجه إلى مواجهة أوروبا الساعية لخفض الأسعار من جهة، أكدوا أن خطوة العراق تأتي من جهة أخرى لحماية الموازنة، رغم تأكيدهم أنه لن يساهم بشكل كبير بسد العجز فيها، لكنه سيضمن عدم انخفاض النفط، بل ارتفاعه بشكل طفيف.
ويقول الخبير النفطي، حمزة الجواهري، خلال حديث لـه إن "التخفيض الطوعي لإنتاج النفط من قبل العراق وبعض الدول، يأتي في إطار مواجهة أوروبا التي تعمل على خفض أسعار النفط، فهذه الخطوة سوف ترفع من أسعار النفط في السوق العالمي، وسوف تتضح نتائج هذه الخطوة بشكل سريع جداً، حتى قبل خفض الإنتاج الطوعي".
ويبين الجواهري، أن "مشاركة العراق مع الدول في خفض الإنتاج الطوعي لن يؤثر على علاقاته مع أوروبا، فهذه خطط استراتيجية اقتصادية، وليست لها أية علاقة بالقضايا السياسية والعلاقات الدولية".
وبشأن تأثير هذا الإجراء على الموازنة، يضيف أن "هذه الخطوة حتى لو رفعت سعر النفط في السوق العالمي، فلن يتم خفض العجز في موازنة العراق، فأسعار النفط المرتفعة سوف تسد النقص في كمية الإنتاج أيضا المسجلة ضمن قانون الموازنة، لكنها خطوة تهدف لرفع أسعار النفط بدل انخفاضها، وبهذا يمكن أن يؤثر على العراق، كونه يعتمد بشكل كلي على إيرادات النفط فقط".
ويؤكد الخبير النفطي، أن "منظمة أوبك سيكون لها رأي بالقرارات التي اتخذها العراق وعدد من الدول، فيجب أن تكون هكذا قرارات بعلم وموافقة أوبك، وعدم ترك السياسة النفطية بيد الدول، وهذا ربما يكون له تبعات على سوق النفط في المستقبل، ولهذا نتوقع أن أوبك سيكون لها موقف قريباً بعد دراسة قرارات تلك الدول".
وأعلنت وزارة النفط، يوم أمس، أنه وبهدف اتخاذ الإجراءات الاحترازية لمواجهة التحديات التي تواجه السوق النفطية العالمية، ولتحقيق التوازن بين العرض والطلب واستقرار السوق، قررت وزارة النفط خفض الإنتاج الطوعي بمعدل 211 ألف برميل يوميا اعتبارا من شهر أيار مايو المقبل حتى نهاية عام 2023، بالتنسيق مع بعض الدول المنتجة للنفط.
وكانت السعودية، أعلنت أيضا أنها ستخفض إنتاجها النفطي 500 ألف برميل، للفترة ذاتها، ولحقتها الإمارات، التي ستخفض إنتاج النفط 144 ألف برميل، وعمان ستخفض بواقع 40 ألف برميل يومياً، والكويت بواقع 128 ألف برميل، وروسيا ستخفض أيضا 500 ألف برميل يوميا والجزائر بواقع 48 ألف برميل يوميا.
يذكر أن منظمة أوبك، قررت في تشرين الأول أكتوبر 2022، خفض إنتاج النفط، وقد حظي القرار بدعم أغلب الأعضاء بما فيهم العراق، حيث أكدت شركة تسويق النفط "سومو" آنذاك، أن قرارات أوبك + "تستند إلى مؤشرات اقتصادية وتتخذ بمهنية وموضوعية وإجماع".
ومنذ قرابة العام، دخلت الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، بصراع مع روسيا، على خلفية اجتياح الأخيرة لجارتها أوكرانيا ومحاولة احتلالها بالكامل، ومنذ اندلاع تلك الحرب، التي انتهت بانسحاب القوات الروسية، تم فرض حصار اقتصادي على موسكو، شمل منعها من التصدير وإخراجها من نظام التحويل المالي العالمي، فيما أقدمت روسيا على إيقاف خط توريد الغاز لأوروبا ما أدخل القارة العجوز بأزمة طاقة كبيرة.
من جهته، يفيد المختص في الشأن النفطي، كوفند شيرواني، خلال حديث لـه، بأن "خطوة خفض الإنتاج الطوعي عملت عليها الكثير من الدول ومن ضمنها العراق قبل أكثر من سنتين والهدف منها هو ليس رفع أسعار النفط في السوق العالمي، بل الحفاظ على السعر وعدم انخفاضه، بشكل يؤثر على إيرادات تلك الدول".
ويبين شيرواني، أن "خفض الإنتاج الطوعي سوف يجعل أسعار النفط تستقر في السوق العالمي بين 85 إلى 90 دولارا، وهذا بكل تأكيد له أهمية كبيرة بالنسبة للعراق لسد جزء من العجز في موازنته العامة، فهو احتسب سعر النفط على الـ70 دولارا وأي رفع سوف يسد فيه جزءا من هذا العجز، الذي هو كبير جداً ويشكل خطورة على الاقتصاد العراقي بلا أي شك".
ويضيف أن "إيقاف الصادرات النفطية لإقليم كردستان، أثر على أسعار النفط في السوق العالمي وساهم برفع الأسعار، واستمرار هذا الإيقاف لفترة طويلة تتجاوز الشهر ربما يدفع إلى رفع سعر النفط في السوق العالمي لأكثر من 100 دولار للبرميل، لكن هذا الإيقاف مؤقت، وخلال الأسبوع الحالي سيتم إعادة تصدير النفط، خصوصاً أن العراق يخسر في اليوم الواحد من هذا الإيقاف أكثر من 35 مليون دولار".
وأعلنت وزارة النفط، أمس الأول السبت، أن إيرادات شهر آذار مارس الماضي، بلغت سبعة مليارات و404 ملايين دولار، عن 100 مليون و913 ألفا و27 برميلا، بمعدل تصدير ثلاثة ملايين و255 ألف برميل، بمعدل سعر 73.37 دولاراً.
يشار إلى أن رئيس الوزراء محمد السوداني، صرّح بعد تسنمه منصبه بفترة بسيطة، بأن العراق سيجري نقاشات مع أعضاء منظمة أوبك الآخرين لإعادة النظر في حصته الإنتاجية وزيادتها، معللا ذلك بالحاجة "إلى الأموال لإعادة إعمار العراق"، فيما بين أن العراق حريص على استقرار أسعار الطاقة، ولا يريد للأسعار أن ترتفع فوق 100 دولار ولا تنخفض بالشكل الذي يؤثر على مستوى العرض والطلب.
بالمقابل، يجد الباحث في الشأن المالي والاقتصادي، ناصر الكناني، خلال حديث لـه أن "العراق يعتمد بشكل كلي في إيرادات موازنته على بيع النفط، وأي انخفاض بأسعار النفط سيكون له تأثير كبير على توفير الأموال في الموازنة سواء التشغيلية او الاستثمارية، ولهذا هو ذهب لهذه الخطوة من أجل رفع أسعار النفط، لتوفير الأموال الكافية لسد العجز في الموازنة".
ويبين الكناني، أن "العراق احتسب سعر النفط في الموازنة بـ70 دولاراً وأي سعر فوق ذلك سوف يسهم بسد العجز في الموازنة، كما يمكن أن يوفر أموال فائض ممكن الاستفادة منها في موازنة السنوات المقبلة".
ويعتقد الباحث في الشأن المالي والاقتصادي، أن "هذه الخطوة مهمة في الوقت الحاضر من أجل مواجهة العجز في الموازنة، ومنع أي انهيار في أسعار النفط في السوق العالمي، فانخفاض النفط دون السبعين دولارا، ربما يؤثر على توفير رواتب موظفي الدولة العراقية، فأكثر من 75 بالمئة من الموازنة هي لدفع الرواتب والأجور".
وكان مجلس الوزراء صوت الشهر الماضي، بجلسة خاصة، على قانون موازنة العام الحالي بقيمة 200 تريليون دينار (151 مليار دولار) للعام الحالي والعامين المقبلين، وأرسلها لمجلس النواب بغرض إقرارها.