تشكيل الحكومة المحلية في كركوك، وحصول الاتحاد الوطني الكردستاني على منصب محافظها، وخروج غريمه الحزب الديمقراطي الكردستاني خالي الوفاض من تلك الصفقة، شكل صدمة وخسارة ثانية للحزب الذي يتزعمه مسعود بارزاني، بعد خسارة حظوظه في جميع الوحدات الإدارية بمحافظة نينوى، والتي كان يسيطر عليها.
الضربة الثانية التي تلقتها الحزب من منافسه الاتحاد الوطني، تمت بالتعاون مع شركاء الأخير في الإطار التنسيقي، وتحديدا ريان الكلداني زعيم تحالف بابليون، وقيس الخزعلي الأمين العام لعصائب أهل الحق، لحزب بارزاني، وهنا يبرز السؤال انعكاسات هذا الوضع على إقليم كردستان، الذي تنتظره انتخابات برلمانية حاسمة، من المقرر أن تجري في العشرين من شهر تشرين الأول أكتوبر من العام الحالي.
ويقول عضو الحزب الديمقراطي الكردستاني ريبين سلام، خلال حديث لـه، إن “الاتحاد الوطني الكردستاني بفعلته هذه قد نصب المشانق لنفسه، وهم يعتقدون بأنها نهاية المطاف، ولكن الديمقراطي لن يتأثر إطلاقا”.
ويضيف سلام، “مثلما نادى الاتحاد الوطني الكردستاني بالأغلبية، فإن عليه تقبل ذات الأمر بعد إعلان نتائج برلمان كردستان، ففي كل مرة كنا نتعامل معهم بمنطق الشراكة، ونعطيهم أكثر من استحقاقهم في إدارة الإقليم”.
ويشير إلى أنه “بحسب الإحصائيات التي تجريها منظمات مستقلة فإن الديمقراطي سيحصل على 40 مقعدا، أو أكثر بقليل، والاتحاد الوطني مقاعده لن تتجاوز 18 مقعدا كحد أعلى، وبالتالي يجب أن يتم التعامل وفقا لثقل كل حزب ونتائجه الانتخابية، وعدد مقاعده، مثلما هم فعلوا في كركوك”.
وتعد كركوك، قضية معقدة ومثيرة للجدل في الساحة السياسة، وأبرز ما يفجر أزمتها بشكل مستمر هي الهوية المكوناتية التي يراد فرضها من قبل حكومات أو أحزاب أو جماعات.
ولأنها مدينة غنية بالنفط أصبحت نقطة خلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان، حيث يزعم الجانبان بحقوق تاريخية في المدينة، حيث تصاعد الخلاف عندما أجرت الإدارة في الإقليم الاستفتاء المثير للجدل بشأن الاستقلال الكردي عام 2017 وشمل الأراضي المتنازع عليها ومن بينها كركوك، ما أدى إلى مواجهة بينهما، ما أسفر في النهاية عن استعادة القوات العراقية السيطرة على كركوك وغيرها من الأراضي المتنازع عليها.
من جهته، يؤكد القيادي في الاتحاد الوطني الكردستاني، غياث السورجي، خلال حديث لـه ، أن “ما حصل في محافظتي كركوك ونينوى لا يمكن أن ينعكس على إقليم كردستان، فهنا الوضع مختلف بتاتا”.
ويلفت السورجي، إلى أن “الوضع في كردستان لا يمكن قياسه على نتائج الانتخابات وعدد المقاعد، فهنا الإقليم مقسم إلى نصفين، نصف يقع تحت نفوذ الاتحاد الوطني الكردستاني، والنصف الآخر يقع تحت نفوذ الحزب الديمقراطي الكردستاني”.
ويردف أن “الديمقراطي الكردستاني لا يمكنه تشكيل حكومة كردستان بمفرده، باعتبار أنه كحد أعلى سيحصل على 30 أو 35 مقعدا، وبالتالي سيحتاج إلى أكثر من 16 مقعدا لكي يحصل على الأغلبية وهي النصف زائد واحد والتي تمكنه من تشكيل حكومة الإقليم، وبالتالي سيضطر للتحالف مع الاتحاد الوطني”.
ويؤكد أن “الاتحاد الوطني هو صاحب نفوذ داخل كردستان، ولا يمكن التعامل معه وفق منطقة الأغلبية العددية، وبالتالي سيتم تقاسم المناصب بعد تشكيل حكومة الإقليم، وفقا للاستحقاق الانتخابي”.
وبعد أكثر من ثمانية أشهر على إجراء انتخابات مجلس محافظة كركوك، وبخطوة جريئة من العرب والوطني الكردستاني شكلت يوم السبت الماضي، حكومة كركوك المحلية، بغياب الديمقراطي الكردستاني والتركمان وجزء من العرب، الأمر الذي قد يصعب المشهد السياسي في المحافظة خلال الأيام المقبلة.
وفي هذا الإطار، انتقد الحزب الديمقراطي الكردستاني، تهميش كتلته في اجتماع بغداد، مؤكدا عدم تلقيهم أي دعوة رسمية للجلسة، فيما صعدت الجبهة التركمانية من الأزمة مؤكدة لجوءها للقضاء.
ويأتي اجتماع بغداد في ظل توترات سياسية كبيرة تعصف بمحافظة كركوك، التي تعد منطقة حساسة ومتعددة القوميات، وأن انتخاب رئيس جديد لمجلس المحافظة ومحافظ جديد يمثل خطوة مهمة في إعادة تشكيل السلطة المحلية بعد فترة من الجمود السياسي، ولكن غياب أطراف رئيسية مثل الحزب الديمقراطي الكردستاني والتركمان عن هذه الجلسة يثير العديد من التساؤلات حول مستقبل التوازن السياسي في كركوك.
من جانبه، يؤكد المحلل السياسي شيرزاد مصطفى، خلال حديث لـه، أن “الحزب الديمقراطي الكردستاني يرى أن تصرفات الاتحاد الوطني ووقوفه مع ريان الكلداني وقادة الإطار، هي تصرفات استفزازية”.
ويشدد مصطفى، على أن “الديمقراطي سيحاول الانتقام من الاتحاد الوطني، ويريد إثبات قوته في انتخابات برلمان كردستان، وبالتالي سيعمل على رد الصاع بصاعين، لأنه يعتقد بان قوته وسمعته قد تخللت”.
ويتابع أن “الديمقراطي الكردستاني لا يستطيع تشكيل حكومة كردستان وإدارة الإقليم بمفرده، حتى لو حصل على أكثر من 50 مقعدا، ولو حصل الاتحاد الوطني الكردستاني على عدد قليل من المقاعد فسيشركه في إدارة الإقليم، ولكن هذا المرة سيختلف الأمر، ولن يتعامل معه كقوة مناصفة، بل كقوة سياسية مؤثرة في السليمانية فقط”.
ويوضح أن “الديمقراطي سيعمل وبكل قوة على الحصول على عدد كبير من المقاعد، وسيحشد جماهيره، في محاولة لإثبات قوته والرد على الاتحاد الوطني، وإثبات بأنه الممثل الأول للكرد”.
وشهدت العاصمة بغداد، اجتماعا وصف بالحاسم، لإنهاء أزمة إدارة محافظة كركوك، من خلال اختيار رئيس لمجلس المحافظة، ومحافظ لها، بعد تعثر استمر أكثر من ثمانية أشهر، فيما أفضى الاجتماع إلى انتخاب ابراهيم الحافظ رئيسا لمجلس محافظة كركوك وريبوار طه محافظا، ، فيما تم تسمية انجيل زيل من المكون المسيحي مقررة للمجلس.
وأعاد التحالف التركماني، في 21 تموز يوليو الماضي، الحديث حول “تدوير” منصب المحافظ، مؤكدا أنه الحل الوحيد لأزمة محافظة كركوك.
وتقترح خطة التدوير توزيع المناصب بشكل متساوٍ بين الأطراف المختلفة، بحيث يتولى الاتحاد الوطني الكردستاني منصب المحافظ لمدة سنتين، يتبعه الكتلة العربية لمدة سنتين أخرى، فيما يتولى الديمقراطي الكردستاني منصب رئيس مجلس محافظة كركوك لمدة سنتين، يتبعه التركمان لمدة سنتين.
واعلن رئيس السن في مجلس محافظة كركوك، راكان سعيد الجبوري، في 11 تموز يوليو الجاري، رفع الجلسة لحين الوصول إلى اتفاقات سياسية لتشكيل الإدارة المحلية.
وكانت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، قد أعلنت في 28 كانون الأول ديسمبر 2023، النتائج النهائية لانتخابات مجلس محافظة كركوك، حيث حصل تحالف كركوك قوتنا وإرادتنا على 157 ألفا و649 صوتا وحصل على خمسة مقاعد، والتحالف العربي في كركوك على 102 ألفا و558 صوتا بثلاثة مقاعد، وجبهة تركمان العراق الموحد على 75 ألفا و169 صوتا بمقعدين، وتحالف القيادة على 61 ألفا و612 صوتا بمقعدين، والحزب الديمقراطي الكردستاني على 52 ألفا و278 صوتا بمقعدين، وتحالف العروبة على 47 ألفا و919 صوتا بمقعد واحد، ويبلغ العدد الكلي لمقاعد مجلس المحافظة 16 مقعدا، 11 منها للرجال، وأربعة للنساء، ومقعدا واحدا لكوتا المكونات.