تشكل الطرق البرية الممتدة بين بغداد وإقليم كردستان عبر ديالى أهم الممرات لتدفق الأدوية المهربة القادمة من دول الجوار، في ظل وجود 15- 20 منفذا غير قانوني، ما شكل بيئة لبروز ما يعرف بمافيات الأدوية التي نشطت في السنوات الأخيرة نظرا لما تدره من أرباح كبيرة.
ويقر مدير إعلام صحة ديالى فارس العزاوي، خلال حديث لـه، بأن “مافيات الأدوية في ديالى تشكل تهديدا كبيرا على الصحة خاصة وانها تزوّد عشرات الصيدليات والمذاخر الوهمية التي ضبطنا العشرات منها في السنوات الأخيرة وأغلبها تدار من قبل أشخاص بعضهم لا يحمل أي شهادة دراسية”.
ويضيف العزاوي أن دائرته عمدت إلى تشكيل لجنة بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية لنشر مفارز في السيطرات الرئيسية على الطرق من أجل معاينة شحنات الأدوية وتدقيقها من خلال الأوراق وبيان منشأها وتاريخ النفاذية.
ويشير إلى أن “عشرات الأطنان من شحنات الأدوية ضبطت في السنوات الأخيرة أغلبها مجهولة المصدر والبعض الآخر لا تصلح للاستهلاك ما يجعلها أشبه بالسموم التي تهدد حياة المرضى”.
وتعد محافظة ديالى، صاحبة منفذ المنذرية الحدودي مع إيران، وحلقة الوصل الرابطة بين تجارة إقليم كردستان ووسط وجنوب العراق، إحدى أكثر المحافظات التي تشيع فيها عمليات التهريب، حيث يعتمد المهربون هناك طرقا وأساليب معقدة في التمويه على المواد التي يتعاملون بها، فلأكثر من 20 عاما، وعمليات التهريب تدر ملايين الدولارات على المهربين، الذين تحولوا إلى مافيات، تستظل بقوى مسلحة.
من جهته، يؤكد عضو لجنة الأمن النيابية علي نعمة أن “تهريب الأدوية لا يقل خطورة عن تهريب المخدرات لأن الجزء الأكبر من هذه الأدوية غير صالح للاستهلاك أو مجهول المصدر”.
ويضيف نعمة، أن “وزارة الداخلية شكلت لجنة مركزية من أجل تعقب مافيات الأدوية بالتنسيق مع الأجهزة الساندة وتم تنفيذ قرابة 10 عمليات كبيرة خلال 2024 تم الإطاحة خلالها برؤوس كبيرة في هذه الجريمة”.
وكان ناطق باسم الحشد الشعبي في ديالى، أكد في أيار مايو العام الماضي، أن خطة قيادة العمليات لإنهاء عمليات التهريب، أثمرت عن اعتقال العشرات من المهربين وتفكيك شبكات عدة وتحييد نشاط وتحركات شبكات أخرى، مشيرا إلى ضبط نحو 400 شاحنة ومركبة معدة للتهريب والاستيلاء عليها، إلى جانب إحباط تهريب أو مرور مواد ممنوعة متنوعة.
“أبو صلاح” هو اسم حركي لأحد المفرج عنهم حديثا بعد أن قضى بضع سنوات في السجن بتهمة تهريب الأدوية قبل أن يطلق سراحه، يكشف ، أن “تهريب الأدوية يجري من خلال سلسلة محاور، إذ يقوم كل محور بتأمين الطريق لمرور القوافل، وهذه العمليات تجري بإتقان شديد، وبمساعدة جهات متنفذة متورطة بالأمر”.
ويضيف أبو صلاح أن “من يسقط حالياً بيد قبضة الأمن هم المجرمون الصغار، وليس الحيتان الكبيرة، خاصة أننا نتحدث عن شحنات تصل أسعارها في بعض الأحيان إلى نصف مليون دولار”.
وسجّلت البلاد في السنوات الأخيرة، حالة من الفوضى باستيراد ودخول البضائع عن طريق التهريب، ومنها الأدوية والمستلزمات الطبية غير الخاضعة للفحص أو المطابقة للشروط الصحية، وهو ما تسبب بتسجيل حالات وفيات كثيرة، ما دفع الأجهزة الأمنية أخيرا إلى تشديد رقابتها على الحدود والمنافذ لمنع دخولها.
وسواء كانت مهربة أم قانونية، لا يمكن للمواطن البسيط أن يعرف الطريقة التي دخلت بها البضاعة، لا سيما الأدوية، التي تمتاز المهربة منها بأسعارها التي تكون أقل من نظيرتها القانونية بـ20 بالمئة على الأقل، إلا أن مخاطرها تكمن في احتمالية تعرضها إلى التلف بسبب نقلها بظروف غير آمنة.
من جانبه، يشير الخبير الأمني سعدي العلي، خلال حديث لـه، إلى أن “ممرات الحجاج هي كلمة السر في تحديد مسارات طرق تهريب الأدوية في ديالى وبقية المحافظات، لكن 60 % من عمليات التهريب يتم عبر ديالى كونها الأقرب إلى العاصمة ومنها إلى بقية المحافظات”.
ويضيف العلي أن “من يدير ملف التهريب ويوفر الحماية للشاحنات هي جهات متنفذة لذا كانت تسمية ممرات الحجاج دليل على أننا نتعامل مع شبكات ومافيات كبيرة”، لافتا إلى أن “المفارقة كانت قبل أكثر من سنة عندما تمت الإطاحة بأكبر الاسماء المعروفة في تهريب الادوية من اقليم كردستان الى بغداد عن طريق ديالى وعثر في هاتفه على قائمة طويلة من الأرقام لساسة ومسؤولين وشخصيات متنفذة، وهو ما شكل علامة استفهام كبيرة لكن سرعان ما جرى التكتم على الأمر لأسباب غير معروفة”.
ويتابع أن “ملف تهريب الأدوية يوفر أرباحا لا تقل عن 10 مليارات شهريا وربما اكثر ولكن هذا ما رصدناه من أرقام من خلال المتابعة لبعض القضايا”.
يذكر أن الجهات المعنية، دائما ما تعلن عبر بيانات رسمية عن إحباط عمليات تهريب الأدوية من خارج الحدود، وخلال العام الماضي فقط، أعلن عن ضبط 100 طن من الأدوية المهربة.
إلى ذلك، يرى النائب ياسر الحسيني أن “ملف تهريب الأدوية يمثل إشكالية تستدعي جهودا مباشرة من اجل إنهائه والسعي إلى تحجيم أي معابر غير نظامية تعطي مجالا لتدفق الأدوية المغشوشة في ظل وجود ضعاف نفوس ممن يتعاملون بها رغم خطورتها على حياة المدنيين”.
ويضيف الحسيني، أن “التهريب بشكل عام باب من أبواب الفساد في مؤسسات الدولة، لأنه لو طبقت الإجراءات الصحيحة لما كان بالإمكان تهريب الأدوية وبقية البضائع”، مشددا على ضرورة “تحصين المعابر وإعادة صياغة قوانين تكون أشد من ناحية الردع لهذه المافيات”.