بعد فتكه بمساحات زراعية واسعة ونزوح عشرات العوائل من سكان الأهوار ونفوق المواشي، زحف الجفاف الآن نحو مدن ذي قار الحضرية، مهددا المشاريع المائية المغذية للسكان بالتوقف عن العمل.
ويقول مدير ماء ذي قار أحمد عزيز السعيدي،إن "المشاريع والمجمعات المائية التي تقع على نهر الفرات والغراف تعمل في الوقت الحالي ضمن مناسيب قلقة وغير كافية، وفي حال حصول أي انخفاض بالمناسيب عن المستوى الحالي سيؤدي إلى توقفها وخروجها عن العمل، وأن 18 وحدة إدارية في المحافظة ترتكز بتغذيتها المائية على نهر الغراف الواقع شمالي المحافظة المتفرع من نهر دجلة ويعد المغذي الرئيسي لأغلب مدن المحافظة".
ويكمل السعيدي، أن "المشاريع إجمالاً لا تعمل بطاقتها التصميمة التي صممت من أجلها، بل بنسب أقل، وتضم المحافظة قرابة 12 مشروع ماء مركزي و150 مشروعا فرعيا لتغذية المدن، فيما تبلغ المشاريع المائية المغذية للأرياف قرابة الـ 100 مشروع 30 بالمئة منها متوقفة نتيجة جفاف الجداول المائية في الأرياف، ويتم معالجة هذه المناطق بالمركبات ذات الخزانات المائية لإنقاذ المواطنين في تلك المناطق".
ويبلغ معدل نصيب الفرد العراقي من المياه المجهزة الصالحة للشرب وفقا لتقديرات الجهاز المركزي للإحصاء لعام 2021 نحو 405 لترات للحضري و251 للريفي وبشكل كلي يبلغ 356 لترا يوميا للفرد وأن أكثر من تسعة وعشرين مليونا و513 ألفا لديهم خدمات شبكة توزيع المياه الصالحة للشرب، وقد انخفض استهلاك الفرد العراقي من نهري دجلة والفرات بمقدار 38.7% للعام 2020-2021 عن العام 2019-2020 إذ كان يستهلك 1237 متر مكعب في السنة.
المحافظة التي تقع جنوب العراق في ذنائب الأنهر كما يعبر عنها ذوو الاختصاص بدأت المناسيب المائية فيها تنخفض بشكل غير متوقع حتى بات يشكل هذا الانخفاض مصدر قلق لدى الدوائر المعنية بتغذية المياه لموطني المحافظة الذين يربو نفوسهم على مليونين و200 ألف نسمة فهم مهددون بتقليص الحصص المائية التي تصلهم بشكل يومي في الوقت الذي لا تجد الموارد المائية حلولا واقعية غير إلغاء الخطة الزراعية للموسم الصيفي ومصادرة المضخات المائية الموضوعة عند الأنهر والمملوكة للمزارعين وردم بحيرات الأسماك.
ومنذ قرابة العامين، تعرض العراق إلى موجة جفاف كبيرة، دفعته إلى تقليص الأراضي الزراعية، وهو كان أول إجراء اتخذته الحكومة وما زال مستمرا لغاية الآن.
ويعود أساس أزمة المياه، إلى قلة الحصة المائية لنهري دجلة والفرات بعد أن بنت تركيا السدود على النهرين، على الرغم من وجود اتفاقيات ومعاهدات دولية تنظم ذلك مثل معاهدة "رامسر" للأراضي الرطبة التي انطلقت عام 1971 في إيران، وأصبحت سارية المفعول في العام 1975، وتتخذ من مدينة جنيف مقرا لها، وانضم إليها العراق عام 2007.
وأثرت الأزمة المائية بشكل مباشر على الأهوار جنوبي العراق، وهددت بعضها بجفاف كبير، وخاصة هور الحويزة، فضلا عن تأثيرات أخرى على الحيوانات المستوطنة في الأهوار مثل الجاموس والطيور، حتى بلغ الأمر وصول بعضها إلى مرحلة الانقراض.
من جانبه، يوضح مدير الموارد المائية في ذي قار عبد الرضا مصطاح، أن "المحافظة تتأثر أكثر من غيرها من المحافظات لموقعها الجغرافي في نهاية الأنهر أو ما يسمى ذنائبها، وأن الشحة التي تعم البلاد شملت المحافظة، لاسيما أن التصاريف المائية التي تصل إلى ذي قار لا تكفي ولا تفي بالغرض المطلوب والحلول التي تعمل عليها الوزارة هي تطهير الأنهر والجداول من الأطيان والنباتات المائية والعمل بنظام المراشنة وردم بحيرات الأسماك التي تجاوزت الـ 44 بحيرة ورفع المضخات على الجداول الموضوعة من قبل المزارعين فضلا عن عدم وجود أي خطة زراعية للموسم الصيفي".
ويرى مصطاح، أن "الحلول الحالية التي يجب أن تعمل بها مديرية الماء هي إطالة ما يسمى ممصاة المشاريع للوصول إلى أبعد نقطة في النهر وهذا ما يمكّن المساهمة في الحفاظ على عمل المشاريع المائية".
ويكشف أن "تصاريف نهر الغراف الواصلة إلى المحافظة هي 90 مترا مكعبا بالثانية منها 17 مترا مكعبا بالثانية لقضاء الحي نهاية مدينة واسط شمال ذي قار، بالإضافة إلى حصة مائية لمشروع ماء السابلة المغذي لمناطق سيد أحمد الرفاعي التابعة لمحافظة ميسان ومن ثم بقية مدن ذي قار".
يذكر أن وزارة الموارد المائية، أكدت سابقا أن السنوات الثلاث الجافة التي مرت على العراق دفعت الوزارة للذهاب والاستعانة بالخزين الاستراتيجي، ما أدى إلى انخفاضه من 60 مليار متر مكعب في عام 2019 إلى اقل من 10 مليارات متر مكعب حاليا وقد وصل تقريبا إلى 8 مليارات متر مكعب.
وقد فقد العراق 70 بالمئة من حصصه المائية بسبب سياسة دول الجوار، وأن الانخفاض الحاصل بالحصص المائية في بعض المحافظات الجنوبية عائد إلى قلة الإيرادات المائية الواردة إلى سد الموصل على دجلة وسد حديثة على الفرات من تركيا، بحسب بيان سابق لوزارة الموارد المائية أيضاً.
من جانبه، يصف الخبير المائي جاسم الأسدي، "الوضع المائي في العراق بأنه في طريقه إلى مرحلة الندرة المائية بعد أن كان في استرخاء مائي، وقد يتأزم الحال إلى مرحلة الندرة المطلقة، لذا فإن الوضع مأساوي لاسيما أننا مقبلون على شهر آب".
ويجد الأسدي، أن "الأمر يتطلب إرادة سياسية حقيقية للدخول في مرحلة التفاوض مع دول المنبع للوصول إلى إبرام اتفاقيات ملزمة للطرفين ومغادرة طرق الإرواء السيحي واعتماد أنظمة الري الحديثة واعتماد القنوات المائية المغلقة".
وكانت إيران قد غيرت مجرى نهر الكارون في العام 2018، حين أعلن معاون وزير الزراعة الإيراني آنذاك، علي مراد أكبري، عن قطع حوالي 7 مليارات متر مكعب صوب الحدود العراقية، وتخصيص مبلغ 8 مليارات دولار لوزارات الطاقة والزراعة للتحكم بحركة المياه، وأن هذه الكميات من المياه ستستخدم في 3 مشاريع رئيسية في البلاد، منها مشروع على مساحة 550 ألف هكتار في خوزستان، و220 ألف هكتار في خوزستان أيضا وإيلام، في غرب إيران، الأمر الذي أثر على مياه شط العرب وزاد من ملوحتها، وأضر بالأراضي الزراعية في محافظة البصرة، كما قطعت إيران كافة الأنهر الواصلة لمحافظة ديالى، ما أدى إلى فقدانها الزراعة بشكل شبه تام.