07 Jan
07Jan

أطلق مواطنون وشيوخ عشائر في ذي قار، مبادرة تضمنت دعوة أصحاب مجالس العزاء "الفواتح" بعدم البذخ في إطعام المعزين، وتحديد أوقات معينة لتقديم العزاء لذوي المتوفى، وعدم إطلاق العيارات النارية تعبيرا عن الحزن، الأمر الذي أثار انقساما داخل المجتمع بين مؤيد ومعارض.

ففيما وجد مؤيدو تلك المبادرة، أن الطعام والمظاهر الشكلية الأخرى تثقل كاهل ذوي الفقيد، رأى معارضوها أن تلك المظاهر جزء من التقاليد والأعراف العشائرية والمجتمعية التي يجب الحفاظ عليها.


ويقول حسن ياسر، شيخ عشيرة كنانة- الكمر، خلال حديث لـه إن "هذه المناسبات أصبحت في الآونة الأخيرة عبئا يثقل كاهل أصحاب العزاء، ويلحق بهم خسائر بملايين الدنانير، لذا عمدنا إلى اتخاذ هذا القرار وتعميمه على أبناء عشيرتنا".


وتضمنت المبادرة، كما يشير ياسر، "عدم إقامة وجبات الغداء والعشاء للمعزين، سوى الضيوف من خارج المحافظة، لأن لديهم خصوصية، ووضع توقيتات لحضور المعزين، بدءا من الساعة السابعة صباحاً وحتى الحادية عشرة ظهرا ومن الساعة الثانية ظهرا حتى الخامسة عصرا".


ويكمل أن "المبادرة لم تتوقف عند هذا الحد، بل ألزمت بمقاطعة أي مجلس عزاء من عشيرة كنانة- الكمر، يقوم بإطلاق العيارات النارية، كنوع من التعبير عن الحزن، فهذا الأمر مرفوض".


والعيارات النارية حدث تقليدي مرتبط بالعراقيين في أفراحهم وأحزانهم، وغالبا ما تعلن السلطات الأمنية عن اعتقال أشخاص شاركوا في عمليات رمي بتشييع جنائزي.


تلك المبادرة، أصبحت تشكل ظاهرة بين مختلف شرائح المجتمع، المدنية والريفية، إذ شملت مدنا عدة في ذي قار، وتضمنت أيضا شروطا لأوقات الحضور لمجلس "الفاتحة"، واستثنت الوافدين من محافظات أخرى، كما تضمنت مقاطعة من يقوم بإطلاق العيارات النارية خلال هذه المجالس.


وسرعان ما وجدت المبادرة، صداها لدى الآخرين، حيث أطلقت منطقة خنيطلة في قضاء سوق الشيوخ جنوب شرق الناصرية مركز محافظة ذي قار، مبادرة مشابهة تنتظر التزام جميع الأهالي، كما يذكر خالد خلف (66 عاما)، وهو أحد القائمين عليها.

ويضيف خلف، أن "مشاهدة الأضرار التي تقع على ذوي الفقيد وانشغالهم بأعمال الطهي ورعاية الضيوف أكثر من مواساتهم، دفعنا إلى تعميم هذه المبادرة المجتمعية بعدم إقامة ولائم الطعام أو ما شابه ذلك، وكذلك ضرورة عدم التواجد في مجالس العزاء خلال فترة الظهيرة الممتدة من الساعة 11 وحتى الثانية بعد الظهر، إذ تمثل هذه الفترة وقت استراحة لأصحاب العزاء، وكي لا يتم إثقال كاهلهم بالطعام".


ويتابع الرجل الستيني، أن منطقتهم التي تربو على 2000 نسمة، أيدت هذا القرار، وتم تناقله عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت هناك ردود أفعال مؤيدة، وأخرى غير مقتنعة، إذ تجد أن بذل الطعام هو جزء من التقاليد والعادات رغم أنها مكلفة".


ويلفت خلف، إلى أن "التكافل الاجتماعي بين الناس هو من صلب عمل العشائر والتقاليد المجتمعية التي أكدت عليها، لذلك نجد أن إلغاء هذا الأمر فيه مصلحة لذوي الفقيد المفجوعين بحالة وفاة".


وطوال ثلاثة أيام، يستنفر أهل المتوفى كل طاقاتهم لتقديم الخدمات للمعزين، ومجرد تقديم الشاي أو القهوة لم يعد يكفي، فالتنافس الشديد في إظهار الكرم يدفع أهل المتوفى أحيانا إلى اتخاذ تدابير متطرفة، كنحر عشرات رؤوس الغنم، وطهي كيلوغرامات لا حصر لها من الرز والدهن والخضار، وتقديم "صواني" من الحلويات والفواكه، وسرادق أنيق يفرش فيه سجاد نادر، وغيرها من التدابير التي تثقل قائمة الحساب.


شرعيا، يبين أحد أساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وهو الشيخ ماجد الازيرجاوي، خلال حديث مقتضب أن "موقف الشريعة الإسلامية من الأكل في مجالس الفاتحة واضح، إذ يُكره الأكل في هذه المناسبة، ولكن يمكن أن تتم عملية الطبخ وإطعام الفقراء على أن يكون ذلك بإذن شرعي من ذوي الفقيد وغير مكروهين عليه".


وعادة ما يتم اعتبار مجالس العزاء والمناسبات الأخرى (في المناطق الريفية والشعبية)، جانبا مهما للتباهي والتفاخر بين العشائر بمستوى البذل رغم مشاعر الحزن على الفقيد، إذ أن الاهتمام بضيافة المعزين غالبا ما يكون هو الهدف الأساسي من مجالس العزاء التي تستمر لثلاثة أيام وأحيانا سبعة، يجري فيها المبالغة بمستوى الأثاث والمعدات والمختصين في تقديم القهوة والشاي والطباخين ونوع الطعام الذي يتم تقديمه.


هذه العادات والتقاليد، أثقلت كاهل الكثير من ذوي الفقيد، لا سيما أن منهم لا يملكون موارد مالية كبيرة، وحالتهم الاقتصادية متدنية، إذ يخرجون من هذه المناسبات وهم مثقلون بالديون ويستمرون في تسديدها لأشهر عدة.


من جهته، يرى مسؤول منظمة التواصل والإخاء الإنسانية علي الناشي، خلال حديث لـه، أن "المبادرات المجتمعية كثيرة ومختلفة، وواحدة من أهمها تلك التي أطلقتها شرائح مختلفة من المجتمع في ذي قار، بعدم الطبخ في مجالس العزاء، للحد من الإسراف، لأنه من المنطقي أن تذهب الناس إلى مساندة ذوي المفقود في عزائهم وعدم إلحاق الضرر بهم".


ويضيف الناشي، أن "هذه المبادرات بدأت تتسع لتشكل ظاهرة إيجابية بين فئات المجتمع وتعكس جانب التكافل والمساعدة مع أصحاب المصاب والعزاء، كما أنها لا تضر التقاليد العشائرية، بل هي في صلب الأسس المهمة لدعم رعايا العشيرة".

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.
حقوق النشر © 2024 جميع الحقوق محفوظة - وكالة انباء النافذة